انتشرت (طشه) حبر على أول السطر، امتدت بتدرجاتها بين الأبيض والأسود مروراً بهالات السنين الحالكة والرمادية في مرحلة "الكساد العظيم".. وقبل أن تجف تدحرجت في محاولات منها لأخذ ملامح وجه.
وجه يستوطنه شارب صغير!! أهو لتشارلي تشابلن أم لهتلر؟
مفارقة اجتمعت على بقعة حبر.. البؤس الساخر والديكتاتورية البحتة!
ورقصة تحدي حول السطر بين زعيم نازي وشخصية "دولية" هزلية في فيلم (الديكتاتور العظيم) انتهت من الجولة الأولى لصالح تشابلن.
هزمه بأسلحته البيضاء، فقط بقبعة الديربي وقصبة مرنة وشارب صغير..
رجل أوروبا البائس، الذي شاءت العناية الإلهية في مزاج الأضداد بأن يأتي "تشابلن" و"هتلر" إلى هذا العالم بفارق أربعة أيام عن بعضهما. لتقدم لنا حكاية "الديكتاتور" وظله الهزيل الذي يعاند فيه الأنا الهشة والصبيانية بطريقة هزلية..
هذا الفيلم هو الأول من نوعه" لتشابلن" الذي ارتبطت شخصيته بالعصر الصامت، فينطق أخيراً ويقول ما سُكت عنه.
شخصية تشابلن هي أبعد من بنطال فضفاض ومعطف ضيق بقياسين وقبعة ديربي.
خرج لنا بشكله البائس ومشيته "العكس عكاس" ليخفي حزناً فطرياً، أدى أدواراً لبس فيها قناع التندر بخلفيات مختلفة، ودور المتشرد والصعلوك النبيل الذي طالما يكون ضحية الظروف، ولكن غالبا ما تعود النتائج لصالحه.!
لوحاته الفنية الصامتة أثبتت بأن الصمت يقول كل شيء حين يكون سيد الموقف.. ويُكال بالذهب في زمن تُباع فيه الذمم.. بنكلة!
في لحظة إدراك.. نقطة ومن أول السطر..
تُعرض مسرحية (تشارلي تشابلن) ضمن فعاليات موسم الرياض 2023
تتبع فيها مؤلفها د. مدحت العدل بدايات بطلها ومعانته والصعوبات التي مر بها منذ الطفولة حتى أخذ الأوسكار..
المسرحية كانت عبارة عن سحابة غزيرة أُمطرنا من خلالها بكمٍ من الرُقي في الطرح والجودة العالية التي تجلّت بها روح المؤلف بأبعادها الثلاثة "صوت وصورة وعمق في الابداع".
المسرحية غنائية، غنيّة ومكتملة الأدوات، وكأنها خيط نظمت فيه الخرزات بحذر وانتقاء..
نقلت لنا كثافة وعمق تلك الحقبة بجدارة.. تحية إعجاب للمخرج "أحمد البوهي" والممثل العبقري "محمد فهيم"
حقيقة: الأداء، الأزياء، والديكور، جاءت كلها توازياً مع رؤية المؤلف "العدل" الذي انعدلت به كفة الميزان في الأبداع بلا منازع.