التّسامح خلق عظيم رفيع يضمّ بين ذراعيه كلّ معاني الإحسان والصّفح والعفو، رغّب به الشّرح وجعله طريقاً للتّعامل من الآخرين، وقد ثبت في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (رحم الله رجلًا سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى).
التّسامح بعيد كلّ البعد عن التّعصّب والتّطرّف ،والله تعالى كريم سميح أعطى العبد فرصة ذهبيّة للتّوبة من أخطائه، فكلّ إنسان خطّاء وخير الخطّائين التّوابون، لذلك عندما يُخطئ الإنسان عليه بالتّوبة ومسامحة نفسه، وألا يلومها بقيّة حياته، بل يفتح صفحة جديدة ويعمل خيراً وإحساناً، لأنّ الله غفور رحيم مهما كانت المعصية، يغفر الذّنوب جميعهاً، وبالمقابل على الإنسان أن يكون متيقّناً من أنّ كسر خواطر النّاس، ومعاملة الآخرين بطريقة سيّئة واستخدام لسانه بكلمات بذيئة ستكون دافعاً للغيبة والنّميمة، وستكون كلماته جارحة للمشاعر، كاسرة للخواطر، لأنّ كسر العظام يلتئم ويبرأ، أمّا كسر الخواطر فهذا كسرٌ كبير عند الله، وأحبّ الإحسان إلى الله جبر الخواطر، والله تعالى سيعاقب النمّام والمؤذي، لأنّه يقذف النّاس بسهام كلماته المُدمية وسيتلقى العقاب المناسب من الله عزّ وجل على ذلك، وهنا على الإنسان أن يكون فطناً ذكيّاً ألّا يصيبه غضب الله تعالى جرّاء كلماتٍ تعود عليه بالعذاب والعقوبة، وقد تدور الأيام ويصيبه ما أصاب غيره فيما كان يتحدّث عليه به، لأنّ الله تعالى لا ينسى أحداً، وبالتّالي يكون الجزاء من جنس العمل، فما أجمل أن يكون الجزاء إحساناً وغفراناً لما له من ثمراتٍ جمّة وأوّلها نيل المغفرة من الله تعالى فيقول سبحانه: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، فالتّسامح والعفو يفتح سبيلاً للألفة والمحبّة بين النّاس، لأنّ النّفس البشريّة جُبلت على حبّ من يُحسن إليها، وبالتّالي يتم تبادل التّسامح ويصبح الأصل في المعاملات، فجزاء الإحسان إحسانٌ أيضاً.
رغم ما للعفو والإحسان من ثمرات وفضل لا يعني ذلك مبرّراً للخطأ، بل على الإنسان مجاهدة نفسه، وجهاد النّفس من أعظم أنواع الجهاد، وربّ العباد رحيم غفور يحبّ عباده ويحبّ أن يراهم في أعلى الدرجات، لذلك جعل للإحسان درجة عظيمة، والمحسن له من الثّواب الكثير.
لذا نصيحة لي ولكلّ إنسان عاقل أن تجعل منهج حياتك قائماً على العفو والمغفرة والإحسان، حتّى ننال أعلى الدّرجات في قلوب النّاس، وأعلى المراتب عند مليك مقتدر.