منذ طفولتها، كانت تشارك بشكل فعال في تصميم زينة المناسبات العائلية، وتحرص على أن تكون تلك التصاميم تحمل معنى المناسبة، باستخدام أدوات بسيطة كالورق الملون والأشرطة اللاصقة، مع أشياء أخرى متوافرة في المنزل.. وكلما كبرت في العمر كانت تلك التفاصيل تنمو معها. إنها مصممة الديكور الداخلي العراقية آية الفكيكي، التي تؤكد في لقائنا معها، على أن شغفها بالتفاصيل، وإتقانها لفن الترتيب والتوافقات اللونية، كانا وراء اختيارها للتصميم الداخلي عوض الهندسة المعمارية التي فكرت في دراستها بداية.
تستوحي المصمّمة آية الفكيكي أفكار تصميماتها من ثقافة الفن العربي، حتى لو باختيار قطعة واحدة في المكان، تعلّق: «ثقافتنا العربية تحفر في داخلي فكرة العائلة في عاداتنا الأصيلة، لذلك أحب التصميم متأثرة بدفئها ولمّتها. من هنا أستوحي أفكاري، لكنّ ثقافة العميل هي التي تلعب دوراً في التصميم بشكل عام، وعادة ما يأتيني العملاء الذين يدركون ميولي في التصميم».
تابعي المزيد: المصممتان نور وميساء صقال: أعمالنا تهدف إلى تحفيز المشاعر
الطباعة الثلاثية الأبعاد
أسّست آية مشروعاً يخصّ الطباعة ثلاثية الأبعاد وصنع المجسّمات؛ حيث تبدأ العملية بصنع نموذج مصوّر للجسم المراد طباعته، وعادة ما يصمّم باستخدام مجموعة برمجيات، أبرزها تكنولوجيا التصميم بمساعدة الحاسوب. ومن بين الفوائد الرئيسية للطباعة الثلاثية الأبعاد تتابع قائلة: «الطابعات تسمح بتصميم نموذج أوّلي سريع لأيّ شيء تقريبًا. جاءتني الفكرة منذ أن نفذّت مشاريع الجامعة الخاصة بي، كان على الطالب أن يصنع مجسّماً للمشروع بأكمله يدوياً، ليخرج بالهيئة النهائية للتصميم، بجهد ووقت كبيرين للغاية. ففكرت أن أقوم بنفسي بطباعة قطعة الأثاث، لتنفيذ فكرة المشروع؛ أي تحضير هذه المرحلة للطلاب، الذين يعملون على تصميم مشاريعهم الجامعية، فاشتريت طابعة صغيرة تقريباً، وبدأت بتصميم قطعة الأثاث الصغيرة، وتقطيع النموذج رقميًّا لطباعته. وتعدّ هذه الخطوة حيوية؛ لأنّ الطباعة الثلاثية الأبعاد لا يمكنها وضع تصوّر نموذج ثلاثي الأبعاد بالطريقة نفسها التي يتصوّره بها الشخص العادي؛ إذ تقسم عمليّة التقطيع النموذجَ إلى طبقات متعدّدة، ثم يُرسل التصميم الخاص بكل طبقة إلى رأس الطابعة للطباعة أو الترتيب. كانت الطباعة تعتمد على مادة ليفية تشبه البلاستيك، تدعى Polylactic Acid PLA، وهي كبكرة الخيطان قد تأتي ملونة، أو بيضاء أقوم بتلوينها حسب حاجة الطالب».
إن الطابعات الثلاثية الأبعاد قادرة على طباعة مواد قوية بكثافة منخفضة من خلال الإضافة المحسوبة لجيوب الهواء داخل المنتج النهائي، فبمجرد أن ينهي برنامج التقطيع مهمته، تُرسل البيانات إلى الطابعة للمرحلة النهائية.
تحدّثت آية عن البيت الكبير، الذي يحتاج إلى طابعات كبيرة؛ حيث استمرت في تصميم المجسّمات التي يطلبها العملاء في بيوتهم، من خلال تأسيس شركة زاوية صنع المجسّمات، التي توضح تصاميمها لكل عميل بشكل مبسّط يساعده على تخيّل مساحته، تعلّق قائلة: «هي تجربة تبقى للذكرى».
تتكرر قطع الإكسسوارات المباعة في متاجر معينة
مدينة الشارقة المستدامة
صمّمت آية الفكيكي عدداً من الفلل في مشروع مدينة الشارقة المستدامة، وقد حرصت فيه على تقديم الأفكار التي تقوم على فكرة الاستدامة، وقد تم اختيارها في هذا المشروع الحيوي، لأنّها من المصمّمين الرواد الذين أعادوا تدوير منتجاتهم للحفاظ على بيئة مستدامة، تستدرك قائلة: «أسهمت في مشروع مدينة الشارقة المستدامة، بدعم كبير من إدارة وموظّفي المدينة، أنا نفسي أعمل للمرّة الأولى في مشروع مستدام كبير بهذا الحجم، قرأت عنه كثيراً، وأبرزت أعمالي في المدينة، مستخدمة الإكسسوارات والأثاث من الخشب، وهو من المواد الطبيعية والصديقة للبيئة، كما اعتمدت على إبراز الزرع الأخضر داخل الفلل». ثمّ تعلق قائلة: «حتى أقمشة الأثاث كانت من الكتان، والورد مصنوع من القماش، بدلاً من البلاستيك الذي لا يتحلّل بسرعة، الأجواء بمجملها تريح الناظر بطبيعتها الجميلة».
أسّست آية الفكيكي شركة صغيرة Shades لتصنيع وتوريد الإكسسوارات المستخدمة في ديكورات المنزل، وكان تأسيسها نابعاً من حبّها لإكسسوارات المنزل.
تابعي المزيد: تنسيق الطاولة للمناسبات الرومانسية أجواء هادئة ولمسات شخصية
متحف السيارات.. عمل ذكوري
عملت آية خلال فترة الدراسة الجامعية على مجموعة من المشاريع، كتصميم متحف السيارات القديمة في الشارقة، على الرغم من ذكورية عمل هذا المشروع بحدّ ذاته، كما تقول. لكنّ الميل إلى الكلاسيكية هو ما ساعدها على تصميم ديكوراته، تتابع قائلة: «كان عدد السيارات الكلاسيكية الرائعة، والغالية الثمن، كبيراً، في مكان صغير غير منظم، والتحدّي الذي أخذته على عاتقي، هو جعل المكان أوسع؛ حيث تأخذ كلّ سيارة حقّها في العرض. عندما دخلت المتحف، أحسست بروعة المكان، مع أنني لست مولعة بالسيارات نفسها، وقد صمّمت المكان بوضع المرايا الكبيرة، في السقف والأرضية، وأبرزت الإنارة، وقد احتجت لسنة كاملة لإتمام المشروع. كذلك استلمت ديكورات متحف الفنون بعد التخرّج، حيث تمّ تكليفي بهذه المهمّة للمساعدة؛ كانت الفكرة تعتمد على بيت تراثي، مطلوب تجديده ليصبح معرضاً للفنانين، حتى يستقبل أكبر عدد من قطعهم الفنية».
تؤمن آية بفكرة عمل الفريق، فلكلّ فرد أفكاره وخلفياته الإبداعية التي تجتمع مع غيرها، لتشكل في النهاية مشروعاً تصميمياً مبدعاً.
أؤمن بفكرة عمل الفريق، فلكلّ فرد أفكاره وخلفياته الإبداعية التي تجتمع مع غيرها، لتشكل في النهاية مشروعاً تصميمياً مختلفاً
لا شيء يلغي شيئاً
تقول آية الفكيكي: «وضعت في عين الاعتبار حاجة النساء لأشياء بيتية في حياتهنّ اليومية، يستخدمنها في ولائمهنّ، وضيافتهنّ. وهي فكرة خطرت لي بعد أن لاحظت أن الإكسسوارات المباعة في المتاجر، تشبه بعضها إلى حدّ كبير، ونادراً ما نجد اختلافاً يُذكر. فصمّمت قطعاً على ذوقي، وأخرى اعتمد بها على رغبة العميلة، خصوصاً في تشكيلات الصحون».
من جهة أخرى، لطالما صمّمت آية إكسسوارات صديقة للبيئة، وأبرزت ذلك على صفحتها في إنستغرام، كلّها أشياء تعيد تدويرها، فقد تحوّل قطع الألمنيوم إلى فازات للورد، وهي تنظر إلى الأمر من جانبين: الأول، هو الجانب الاقتصادي، الذي يوفر الكثير من المال للعائلة، والآخر هو التفرد باحتواء القطعة في المنزل، تضيف قائلة: «قد أغير الألوان، لكنني أحافظ على القطعة، وعلى الرغم من أنه جاءت فترة طغت فيها الأشياء التجارية على إكسسوارات البيت، وصارت المفضلة لدى السيدات، لكن هذه الأعمال اليدوية عادت من جديد، فأنا مؤمنة بمبدأ لا شيء يلغي شيئاً، وهذا واضح جداً على السوشيال ميديا، بمجرد أن تتابعي طريقة أنك تصنعين شيئاً من لا شيء، تتحمسين للفكرة، لكنّ المحزن أن بعض الفتيات قد لا يملكن الصبر الكافي لتنفيذ الأفكار».
تابعي المزيد: المعماري إبراهيم الجيدة: نصيحتي للمبتدئين الاستلهام من تاريخنا
مقاسات الإكسسوارات
على حسابها الخاص على مواقع التواصل الاجتماعي وقناة اليوتيوب، تعرض آية نصائح وأفكاراً تتعلق بالتصميم الداخلي بأسلوب مبسّط، منطلقة من ملاحظتها لأخطاء بعض النساء في اختيار إكسسواراتهن المنزلية، تتابع: «في البداية كانت تلفتني قياسات الإكسسوارات؛ حيث أجد أن بعضهنّ يضعن لوحة صغيرة على حائط كبير، أو يستخدمن طاولة كبيرة، ويكثرن فوقها من الإكسسوارات الصغيرة. فمن قواعد التصميم المهمّة تحقيق النسبة والتناسب بين أحجام الإكسسوارات؛ لا ألومهنّ، فربما هو ليس مجال المرأة أو دراستها، نظرتها مختلفة للأشياء والأحجام، لم تتعوّد على القياس، وقد تعتقد أنّ الخطأ هو الصح. هنا، يأتي دوري في المساعدة لإعطاء قيمة جمالية وعمليّة للمساحة، كما يلفتني توزيع الإنارة بشكل خاطئ، مع أنّها عامل مهم جداً في أي مساحة، عادة ما أدخل بيوتاً فأجد إناراتها بألوان مختلفة في مكان صغير، لا تتناسب مع تصميم وألوان وتوزيع أثاث الغرف. كما أن التركيز على المقاس الصحيح للستارة بالنسبة للنافذة الموجودة، مهم جداً لإبراز تفاصيل الغرفة، وإعطاء شعور وهمي جميل يكبر المكان وارتفاع جدرانه».
أعتمد الخيارات في الألوان
تجد آية الفكيكي أن المزج بين التقليدي والعصري أمر في غاية الجمال والأناقة، تضيف بهذا الخصوص: «في التصميم لا أحب أن أقول إن هناك شيئاً لا يجتمع مع آخر، لكن يجب أن يكون هذا الجمع مدروساً بشكل دقيق، لتجنب أي خطأ حتى يصبح الدمج متجانساً. طابعي في التصميم معاصر، لكنني أستخدم القطع القديمة والشرقية الإسلامية، فبعض المساحات تحتاج إلى إضافات تغيّر من نفسية المقيمين فيها، وعلى الرغم من أنني أميل إلى ألوان الباستيل، لكنّ هذا لا يعني أنني لا أستخدم الألوان التي تجعل المساحات تتكلم، معتمدة على دراسات عالمية. مثلاً إذا تم استخدام 60% من الألوان الفاتحة، كخيار أساسي، نحتاج إلى التركيز بنسبة 30% على لون ثانوي، و10% على لون آخر يسمّى accent color كلون يضيف التميز والدراما للمكان، وفقاً لقاعدة «التوازن يلغي التناقضات».
تعتمد أية على الحرية في اختيار الألوان، بما يتناسب مع التصميم واحتياجات العميل وشخصيته، فهي لا تميل إلى الصيحات التي تجذب الناس لفترة ثم تصبح من صيحات السنوات الماضية، إلا إذا كانت الصيحة تتناسب مع أفكارها، ورغبة العميل، الذي قد يحب تصاميم وألواناً كانت دارجة في عام 2010 مثلاً.
تابعي المزيد: المصممة معصومة هلال: ثقافات مناطق مختلفة غذت شغفي