حلم السفر إلى ذاك البلد، يراود الكثيرون، هي سويسرا؛ حيث لن تترك الكاميرا الخاصة بك في أي من جولاتك فيها، وأنت تمشي في مسارات لا نهاية لها، وبين كل سهل وسهل، تفاجئك بحيرة ساحرة تتماوج الأزهار من حولها، ما يحبس الأنفاس.. هكذا وصف مصمم الديكور السويسري العالمي ديفيد جيريللي، قصة عشقه للتصميم، التي بدأت من الغابات المورقة والجمال الطبيعي؛ حيث قضى فيها طفولته وشبابه، يعلّق قائلاً: «توصلت إلى الاعتقاد أن الإبداع ينبع في المقام الأول من الطبيعة الأم». التقت «سيدتي» المصمم المبدع، الذي يربط قطعه بالغابات، إذ تتمدد كل عام في بلده، على عكس الحرائق التي عصفت بالغابات الأمازونية.
المرأة مصدر كبير للإلهام في أعمالي بطرق مختلفة
ارتبط اسم جيريللي بفنّ الفخامة غير المتكلفة والأناقة الكلاسيكية في مجال التصميم الداخلي، وقد زار دبي لافتتاح متجر علامة Dantone Home؛ حيث يجد أن الأناقة الحضارية في المكان، لا يناسبها إلى نظيرتها من الأناقة الداخلية في التصميم، يشرح قائلاً: «أقدم مجموعة متنوعة من تصاميم الأثاث التي تتماهى بسهولة تامة مع أي ديكور، بدءاً بالأسلوب المعاصر، مروراً بالأسلوب الذي ساد أواسط القرن العشرين، وصولاً إلى أسلوب الآرت ديكو، وأنا أدرك أن الغالبية في العالم، تربط سويسرا، بتميز جمال طبيعتها، ومذاق الشوكولاتة الفاخر من مصانعها، الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، لكن يجب النظر بعين الاعتبار إلى التصميم الداخلي السويسري، الذي تأثر بشكل كبير بمدرسة باوهاوس الشهيرة للتصميم، فأصبحت التصميمات أكثر عقلانية، مُتخذة شعار الشكل يتبع الوظيفة والأقل هو الأكثر، ومحملة بأفكار ونظرة جديدة كلياً للجمال. وهنا لا بد من الحديث عن المهندس المعماري والمصمم السويسري الشهير تشارلز إدوارد جينيرت، المعروف أيضاً باسم لو كوربوزييه، الذي تميز أسلوبه بالبساطة والخطوط المستقيمة، التي ما زالت منتشرة في العمارة السويسرية الحديثة والتصميم الجرافيكي».
تصميماتي ليست عاطفية
تصميمات جيريللي، التي اتبعت أسلوب هذه الحركة، فيها القليل من العاطفة، والبعد عن التاريخ، ويربطها بأشعّة الشمس، في سويسرا والبلدان الإسكندنافية، طوال فترة الصيف، في مقابل ساعات قليلة منه شتاءً، يستدرك قائلاً: «هذا يدعوني إلى انتهاج أسلوب التصميم الداخلي الذي يراعي عنصر الراحة والبيئة المُحيطة، مثل استخدام اللون الأبيض في الجدران ليعطي انطباعاً باتساع المساحة وغيرها من الأمور... التصميم الداخلي الإسكندنافي مزيج من القوام والألوان الناعمة التي تناسب ظروف المعيشة، وفي الوقت نفسه، تحافظ على الطابع الجمالي للمنزل، وهنا تتشابه جميع بيوت البلدان الإسكندنافية، في هذه التقاطعات، ويمكنني وصف تصاميمي التي تتبع هذا الأسلوب بتكريم جميل للبساطة والصدق؛ حيث إن الأثاث والأشياء يجب أن تكملا بشكل متناغم المساحة بدلاً من التغلب عليها، ليستفيد منها الأفراد الذين يستخدمونها؛ ما يسمح لهم بالتعايش بين الأناقة والتطور».
نفترح تابعي معنا تفاصيل لقاء سابق مع المصمم روبرتو لازيروني Roberto Lazzeroni : «التصميم العاطفي» يعزز لدي حرية الإبداع
البساطة رفاهية
لطالما كانت الجماليات اليابانية مصدر إلهام كبير للمصمم ديفيد، وهو يراقب دائماً سعي مصمميه الدؤوب إلى تحقيق الكمال من خلال الحرف اليدوية التي طالما فتن بها، وأثرت في عمله، يستدرك قائلاً: «تجذبني تصاميمهم التي تعتمد على مبادئ الحد الأدنى واستخدام المواد الطبيعية.. هناك بساطة في رسم الخطوط المستقيمة، فالتصاميم اليابانية لوحة ألوان محايدة بعيدة عن الزخرفة، بل إنها تشجع على إزالة العناصر المشتتة للانتباه، إنهم يرون أن أبسط أشكال البساطة هي شكل من أشكال الرفاهية، وأنا أفضل أن أجري حواراً بين حركات التصميم المختلفة من خلال مزج أسلوبي الباوهاوس، والياباني، لإبراز روعة غرف الجلوس، وخاصة كراسي غرفة الطعام، التي أحتفي بها بشكل خاص؛ ذلك أنني نشأت مع أب إيطالي غرس فيّ حباً وشغفاً بالطعام؛ ما جعل لهذه القطع في التصميم مكاناً خاصاً في قلبي، أتقاسم مع كراسيها أجمل الذكريات مع عائلتي».
حوار الخشب الطبيعي
تحدث ديفيد جيريللي عن مجموعة Line لـ Dantone Home، التي أطلقها في دبي، بوصفها تجسيداً مثالياً للجمال، عمل عليها بأحجام كبيرة، وبشكل متوازن متناغم بخطوط دقيقة، يستدرك قائلاً: «طريقة عملهم المنظمة، أتاحت لي تصميم قطع آسرة حقاً، ومع أنني أواجه مشكلة في فهم التصاميم المبسطة بسهولة من قبل عامة الناس. لكن مجموعة Line، خلقت التفاعل بين الملمس والخطوط المعمارية الملهمة، وكانت تجربة بصرية دائمة التغير، وهذا ما أضفى على كل قطعة جاذبية ساحرة؛ حيث تتميز واجهات المجموعة المضلعة بخطوط متوازية تخلق حواراً بين نمط الخشب الطبيعي والصورة الظلية المذهلة. فأنا أهتم بالتفاصيل في الزوايا الدائرية والأرجل المدببة، مع التفاصيل المدروسة بعناية، مثل المقابض المكسوة بالذهب، وأنماط التطعيم المعدنية، التي تعود إلى قطع الأثاث التي درجت من منتصف القرن العشرين؛ ما يضيف لمسة من التطور إلى هذه القطع الديناميكية بصرياً».
نقترح عليك قراءة اللقاء الخاص مع المصممة غادة قناش: أنا ضد كل ما يغيّب العنصر الإنساني
الأقمشة العربية
جيرللي يعتقد أن كل امرأة هي مصدر إلهام في حد ذاتها. وقد أثر به وبعمق، طوال حياته، العديد من النساء، وكنّ مصدر كبيراً للإلهام في أعماله بطرق مختلفة. وهو يدرس حالياً إمكانية إدخال ميزات شرقية في مجموعة يخطط لتصميمها مستقبلاً؛ لأنه مغرم بتفاصيل الحرف العربية وتاريخها، ولطالما فتنتنه الأنماط المعقدة الموجودة في العمارة والمباني والأقمشة العربية. ومع أنه لم تتح له الفرصة بعد للتعاون مع الحرفيين العرب، لكنه شغوف بالفكرة.
ليس كل مصمم فناناً
لا يعتقد المصمم ديفيد أن التكنولوجيا تقلل من الإلهام الشخصي للفنانين، بل على العكس، فقد عززت الوصول إلى التراث الثقافي في الفن وتبادله، ويفسر دخول التكنولوجيا في الفن والتصميم أنه فن قدرة الإنسان على التعبير عن نفسه، أو ترجمة أحاسيسه ووصف محيطه بأشكال مختلفة، والتكنولوجيا هي الأدوات والمنتجات والمعالجات والتنظيمات التي يستخدمها الإنسان لزيادة قدراته وإمكاناته في تنفيذ العمل، وإن لم يضف بصمة تميزه لا يمكن وصفه إبداعاً بالمعنى المعروف، فالإبداع هو الإنتاج الجديد والمفيد والأصيل الذي يلفت الانتباه إلى تميزه وتفرده وقدرته على إدهاش المتلقين.
يستدرك قائلاً: «على الرغم مما يبدو أن هناك مصالحة بين التكنولوجيا والفن والإبداع عبر تهافت الشباب على مدارس وكليات وضعت مسميات كثيرة ومتعددة للفن باستخدام التكنولوجيا، لكننا لا نستطيع وصف كل متخرج في هذه الكليات فناناً، ولا يمكن أن يصبح الجميع فنانين إن لم يفلحوا بإضافة أو ابتكار جديد مختلف».
أواجه مشكلة في فهم التصاميم المبسطة بسهولة من قبل عامة الناس
اللمسة الشخصية للمصمم
لا يؤيد ديفيد تماماً دخول الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة في التصميم، خصوصاً إذا تم الاعتماد عليه وحده لتصميم الأثاث، فهو يؤمن وبشدة، أن هناك شيئاً أساسياً سيضيع، وهي اللمسة الشخصية للمصمم التي يجب أن تكون حاضرة دائماً حتى يولد التصميم الناجح.
يعتمد عمل المصمم السويسري على المواد المهددة بالانقراض، ويتعاون مع المنظمات المعتمدة والمصنعين الملتزمين بالممارسات المستدامة والاقتصادات الدائرية، وما زال بوصفه مصمماً محترفاً ينتظر العروض، التي تدعم التصميم والمصممين حول العالم، وسيرحب بحماسة بأي فرص للتعاون مع شركات الشرق الأوسط والعمل على تصميمات فريدة.
ومن عالم الديكور نقترح عليك لقاء المهندسة مي الحسيني: هدفي إعداد تصاميم تعزز الفرح