فنّ الدفاع عن طاقتنا

مريم شمص
مريم شمص
مريم شمص

ليس من انسان كامل الأوصاف، فيه كل الصفات الإيجابية.. كما ما من إنسان سيّء كلّيّاً، لا شيء فيه إلا السلبيّات.

هناك إنسان محاط بأسباب مساعدة لتعزيز حظوظه بالإيجابية، وبظروف مناسبة تروي بذور الخير والجمال لديه، فتراه يزهر ويثمر.. وهناك آخر تغرقه ظروف معاكسة، تخنق كل براعم الجمال في داخله قبل أن تتفتح، فتذبل وتذوي..

هناك إنسان تهديه الحياة أشخاصاً يغدقون ضوءاً على روحه فتشرق وترتاح وتتسع لتلقّي كل طاقة إيجابية، ولمنحها بالتالي.. وهناك غيره مُبتلى بأشخاص يخرجون أسوأ ما فيه، وقد يخلقون فيه حتّى ما ليس فيه!

لذلك، قد نرى بعض الناس سلبيين رغماً عنهم، يرتدون كياناً باهتاً لا يشبه بريق روحهم في الأصل.. نحن لا نعلم حجم المعارك الطاحنة التي دارت في دواخلهم، أو بينهم وبين ظروفهم، وبينهم وبين العالم ومن فيه.. قد يكونون خاضوا معاركَ مؤلمة، وكافحوا طويلاً للحفاظ على بعضٍ من فرح، بعضٍ من أمل، أو بعضٍ من خير.. قد يكونون حاولوا وحاولوا، ولكن فشلوا في التصدّي لمطحنة الحياة التي داست كل ما كان موجوداً فيهم بالفطرة أو بالاكتساب..

أحياناً كثيرة، قد يبذل البعض جهوداً جبّارة للمحافظة على النور في داخلهم، ويأتي من يثقل عليه بطاقته السلبية محبطاً كلّ محاولاته للنجاة من براثن سمّه..

نعم، هو السمّ أحياناً ما يتسرّب إلى دواخل قلوبنا وأرواحنا وزوايا حياتنا ويغيّرها ويغيّرنا معها.. سمّ الآخرين، وسمّ العلاقات غير الصحّيّة، وسمّ الظروف التي يعزّزها وجودهم واستسلامنا..

إحدى معاركنا الأساسية في الحياة إذاً هي الحفاظ على دواخلنا سليمةً من سمّ الآخرين كائناً من كانوا.. سواء كان ذاك الآخر أباً أو أخاً أو زوجاً أو أمّاً أو قريباً أو صديقاً. وأن نصنع لأنفسنا المناعة الكافية لرد أي مصدر للطاقة السلبية التي تستنزف أعصابنا ومشاعرنا وقوانا، ولحماية وجودنا منها ما أمكن..

الظروف المحيطة بالإنسان إذاً لها أثر كبير في إحداث الفرق في حياته، في مزاجه وتوازنه وسلامته العاطفية واستقراره النفسي ومناعته الروحية وسلامه الداخلي، وبالتالي لها أكبر الأثر في خياراته وقراراته وقدرته على المواصلة والنجاح.. وهذه الظروف قد تكون أشخاصاً يحيطون به في دائرته اللصيقة والقريبة، وقد تكون أسباباً مادية أو معنوية وجد نفسه فيها منذ ولادته، أو مع تراكم الأيام والمراحل..

إذاً، نخلص من ناحية أولى إلى أنّ حياتنا هي عبارة عن تحدّيات مستمرّة لحماية أنفسنا وتحسين ظروفنا ومحيطنا بما يناسبنا بشكل متواصل.. ومن ناحية أخرى، علينا أن نأخذ بالاعتبار كلّ ما سبق عند تعاملنا مع الناس، فلا نحكم عليهم بمعايير متساوية، بل بمعايير عادلة، تضع في الحسبان ظروفهم وحظوظهم والفرص التي أتيحت لهم..