الحياة عبارة عن علاقات متبادلة بين البشر، ولولا هذه العلاقات لما دامت الحياة على سطح الأرض، وكما نعلم أنّ البشر مختلفون في الطّباع والتّصرّفات والصّفات، لا يشبهون بعضهم البعض وهذا أمر بديهيّ، فقد خلقنا الله مختلفين، ولولا هذا الاختلاف لما استمرّت الحياة ولا تطوّرت؛ لأنّها لو كانت تسير على وتيرة واحدة لسادها الرّوتين والملل، ولكنّ التّنوّع واختلاف الآراء والعادات والتّقاليد أمر إيجابي جدّاً، فمن المفروض على كل شخص أن يتقبّل الآخر بكلّ ميّزاته وسلبيّاته، مع محاولة تصويب السّلبيّات. وفي المقابل، هناك أشخاص لا تتطابق أفكارهم مع الآخرين، فنراهم يتّخذون الابتعاد أو الانسحاب وسيلة لذلك لعدم اتّفاقهم معهم، فيتعامل وفق المطلوب فقط وبالمختصر الشّديد.
إنّ النّاس عبارة عن طاقات وأرواح ما تشابه منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف، وهذا أمر طبيعيّ، فالذّكاء في العلاقات يجعل المرء يتعامل مع غيره بأفضل الطّرق، سواء تشابه أو اختلف معه، وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة بعض الأشخاص يقومون بإنهاء علاقاتهم مع كل من لا يتوافق معهم ويفعّلون ميّزة الحظر وعدم التّعامل معهم، وكأنّ الحياة تسير على قانون إن لم نتشابه سنفترق، حتى لو كنت مقرّباً لديّ، إلّا أنّ من يمتلك الذّكاء العاطفيّ في علاقاته يمتلك جوهرة ثمينة؛ إذ يستطيع من خلاله أن يُحسن التّصرّف والتّعامل مع مختلف أنواع البشر، سواء من ائتلف أو اختلف معه، ولا نراه يلجأ إلى حظره (البلوك)، أو إنهاء العلاقات معه إلّا عند انتهاء كلّ الحلول حتّى لا يتخلّى عنهم بسرعة، بل يترك قيد شعرة بوصفها جسر يصل بين القلوب، وذلك حتّى تعود الدّروب سليمة والقلوب معافاة، وللقيام بذلك لا بدّ من امتلاك المرء قيادة ذاتيّة حكيمة حتّى يستطيع أن يقود ذاته، ومن ثمّ يقود غيره، فقيادة البشر والصّبر على ذلك أمر بالغ الصّعوبة، وليس بالسّهل الهيّن، مع العلم أنّه كلّما كانت العلاقات واضحة تسودها الشّفافيّة والصّدق، الّذي أسمّيه مثلّث العلاقات، وهو عبارة عن حبّ واحترام واحتواء، ويكون ذلك مع الأولاد، والأزواج، والأصدقاء، والمدير، والزّملاء في العمل، فالتّعامل مع هؤلاء وفق مثلّث العلاقات سيجعل الحياة أجمل، مع الانتباه ألّا يكون الإنسان ظالماً بحقّ نفسه، أو أنّ النّاس على صواب دائماً، فأحياناً يضطرّ المرء إلى أن يقطع علاقاته مع أحدهم بعد أن يستنفد كلّ فرص البقاء، وهنا وجبت ضرورة الحظر (البلوك)، علماً أنّ النّاس استخدمت ميّزة البلوك على وسائل التّواصل الاجتماعيّ وجعلته أمراً بالغ السّهولة، فإن لم يعجب أحدهم تعليق ما قام بحظره، وهذا أمر غير سليم.
نستنتج مما سبق أن ثقافة الحظر (البلوك) ثقافة لا يلجا إليها المرء إلا عندما يستنزف كل فرص البقاء والاستمرار مع الآخرين، فإن وظف الذكاء العاطفي في علاقاته لن يضطر إلى استخدام البلوك، فلنجعل مهارات الذّكاء العاطفيّ عنصراً أساسيّاً في حياتنا لتغدو أجمل وأهنأ.