نعتقد دوماً أن الثقة بالنفس صفة لها مستوى عال جداً يُقاس ويقدر بطريقة ثابتة، يتمتع بها الأشخاص الذين يفتننا حضورهم، وربما ينتابنا القليل من الحسد لأننا دوماً نقارن أنفسنا بهم، فهم يشعروننا بمعنى الخيبة وفقدان الأمل، بسبب الثقة التي خُلقت ناقصة فينا وفائضة فيهم.
كالشاب الذي لديه القدرة على الوقوف أمام مجموعة من الغرباء ليخطب بهم أو يحادثهم عن تجاربه أو ينقل لهم علماً.
أو العازف الذي تثق به كل حواسه، أو المغني الذي لا تتعثر أحباله الصوتية رهبة من تجمهر الألوف أمامه، أو الطبيب الذي يقابل عشرات المرضى في كل يوم، ولا يشعر بقلق التعرف العابر إلى أي منهم، أو ذلك الطالب الذي يصرخ شعراً بصوته الجهور في مسابقة لا يعرف بها أحداً.
هكذا نعتقد شكل الثقة بالنفس ونتصور هيئة أصحابها، أنهم يملكون مقداراً ضخماً من الثقة، يختفي معها ويستسلم أي شعور بالضعف أو حتى الخوف، على عكس مقدار ثقتنا بأنفسنا التي يهزها سؤال طرحناه في محاضرة عامة تحتوي على عدد قليل من البشر.
إذاً؛ هل هذا يعني أن الثقة هي حكر على أحدنا دون الآخر؟!
وهل هي مقدار ثابت لدى الأشخاص إذا اكتمل لا يتعرض لأي خلل أو نقصان؟!!
هل الكلمات الإيجابية التي نكررها لأنفسنا هي الحل لتخطي الخوف، والمضي قدماً نحو المجهول واكتساب الثقة، وهل كل واثق معصوم مدى الحياة من الضعف؟!
إذا ركزنا على مراحل حياتنا سنجد أننا مع كل مرحلة جديدة سنفاجئ بالضعف وبهشاشة ثقتنا بأنفسنا، التي كنا نعتقد أنها أكثر صلابة، تحاول أدمغتنا إثبات هذه الفكرة، فتقدم لنا نتائج مقارنة سريعة تجريها مع أشخاص يمرون بالتجربة نفسها، ولكنهم أكثر ثقة منا كدليل قاطع، فنؤمن بفكرة أننا لسنا الأشخاص الصحيحين، وليس هذا الوقت والمكان المناسب لنبدأ، فننسحب إذا استطعنا، أو نشعر بالقلق يخنقنا إذا اضطررنا أن نُكمل.
تؤكد دكتورة جولي سميث أن هذا أمر طبيعي ففي كل مرحلة جديدة شعرت بأن ثقتها تحتاج لأن تُبنى بشكل إضافي لتكون على مستوى المرحلة نفسها التي تعيشها، فمثلاً حجم الثقة لدينا حينما كنا أطفال لا تكفي لمرحلة الجامعة، وكذلك ثقة طالب الجامعة لا تكفي لأن يكمل بها مرحلة الوظيفة التي سيعمل فيها.
لا يمكننا نفي الخوف والإحساس بالضعف فهو جزء طبيعي من مرحلة بناء الثقة بالنفس، وهو أمر صحي وحقيقي ولا أحد معصوم منه، ففي كل مرحلة جديدة سنشعر بأن ثقتنا ينقصها طابق إضافي على الحالي لتزيد علواً، أو أن الطابق الحالي يحتاج لإجراء بعض أعمال الترميم ليعود مشرقاً.
الثقة بالنفس ليست ثابتة ولا عملية نقوم بها مرة واحدة فتلتصق بنا مدى الحياة كصفة، بل هي عملية مستمرة، تساعدها التجربة والتكرار أن تنبني بشكل أسرع وأمتن.
(الثقة بالنفس أشبه ببيت تبنيه لنفسك، وعندما تنتقل إلى مكان آخر جديد، عليك أن تبني لنفسك بيتاً جديداً).