ما معنى أن يكونَ لي أبٌ يُشبهك؟!
يعني أن أكونَ متَّزنةٍ كالأرضِ التي نقفُ عليها الآن، أي حينما يراني أحدهم لأوَّلِ مرَّةٍ، تُطمئِنه روحي، ويسكنُ إليها. يعني ألَّا أفقدَ الثقةَ بصوتي في لحظاتِ الغضبِ، وأن تبقى لدي القدرةُ على التحكُّمِ بصورتي، واحترامي لها أمامَ نفسي أوَّلاً.
يعني ألَّا تؤثِّرَ الأفكارُ غير النقيَّةِ في رجاحةِ عقلي، حتَّى وإن تذبذبت ألفَ مرَّةٍ معها اختياراتي، وقراراتي، وغيَّرتُ بسببها كلَّ اتِّجاهٍ لي أعرفه، ويعرفني الآخرون به.
أن يكونَ لي أبٌ يُشبهك، يعني.. أن أمتلكَ قوَّةً حقيقيَّةً، لا أتباهى بها، أو أقاتلُ لإظهارها، وإثباتها، قوَّةٌ لا أسيء استخدامَها، فهي على الرغمِ من صلابتها إلا أنها ناعمةٌ ورقيقةٌ، لا تحتدُّ أطرافها مع الاستخدامِ المتكرِّرِ، ولا تُستَخدمُ في مواضعَ خاطئةٍ. مهمَّتها الرئيسةُ معي ليست الحمايةَ من تهديدِ المواقفِ، والغرباءِ الذين لا أعرفهم، أو حتَّى أعرفهم، والظروفِ التي لا سُلطةَ لي عليها، بل مهمَّتها الرئيسةُ أن تُمكِّنني من نفسي، وتَمنحني الوجهةَ الصحيحةَ، ووضوحَ الرؤيةِ حينما أفقدُ اليقين، والصبرَ على نفسي حتى تتغيَّر، والقدرةَ على محبَّتها مع كلِّ نقصانٍ، أو إخفاقٍ، أو عيبٍ إن لم يكن في مقدورها التغيُّر.
أن يكون لي أبٌ يُشبهك، يعني.. أن أمتلكَ القدرةَ على العطاءِ الصادقِ، والأخذِ بحقٍّ. يعني ألَّا أشكَّ على الدوامِ باستحقاقي لما هو من حقِّي دون مبالغةٍ، أو استخفافٍ، أو تردُّدٍ. يعني الرضا بكلِّ نتيجةٍ توصَّلتُ إليها، أو وصلت إليَّ عن طريقِ الصدفةِ.
أن يكون لي أبٌ يُشبهك، يعني.. أن أمتلكَ عاطفةً، أستطيعُ أن أمنحها لمَن يستحقُّها، وقدرةً على الإيمانِ بالعلاقاتِ واستمراريتها، وإيماناً أكبرَ بالخيرِ والاعترافِ كذلك بالشرِّ، وتقبُّلَ الاختلافِ الذي بيني وبين الآخرِ، وأيضاً أن أتسامحَ مع الأذيَّةِ غير المقصودةِ، وألَّا أبحثَ عن القصدِ من ورائها.
أن يكون لي أبٌ يُشبهك، يعني.. أن أؤمنَ بنفسي، وأن أسمحَ للحبِّ أن يلتقيني وأراه. يعني أن أجدَ السعادةَ، وأن تجدني إن أضعتها. يعني أن أمتلكَ عاطفةً لها ذاكرةٌ صافيةٌ، لا تؤلمني، ولا أخافُ منها، أو أخفيها عن الآخرين، وألَّا ينقصني ولا حتَّى ربعُ ابتسامةٍ من مخزونِ ابتساماتِ طفولتي.
"أن يكون لي أبٌ يُشبهك، يعني أن يزيدَ على مناسباتي الخاصَّةِ وأعيادي يومٌ إضافي، وهو يومُ عيدك يا أبي.
فكلّ عامٍ وأنتَ السلامُ، والطريقُ إليه".