هناك خطأٌ شائعٌ يا صديقي، يقعُ فيه كثيرٌ منَّا، أنا وأنت وغيرنا من الناس، وهو اعتقادُنا الراسخُ بأننا نُخفي آلامنا، وإخفاقاتنا، أو حتى تقلُّباتنا، لنحمي الآخرَ من أن يلتصقَ به جزءٌ من معاناتنا لمجرَّد أنه كان قريباً من أصواتنا، وهي تشكو ضعفنا! نتعاملُ مع الآخرِ بحذرٍ حينما نمرُّ بلحظةِ حزنٍ خاصَّةٍ، أو ضيقٍ مفاجئ، أو إخفاقٍ مؤلمٍ خوفاً منه، وخوفاً عليه في آنٍ واحدٍ.
نخافُ منه علينا، لأننا نعلمُ أنه قد يُصدِرُ أحكاماً قاسيةً، وإن كانت مختبئةً خلفَ نصائحه السخيَّة، مثل «يجبُ ألَّا تكون هكذا»، أو «كيف لكَ أن تفكِّر بهذه الطريقةِ»، وما يزيدُ الأمرَ صعوبةً، هو مواجهةُ ضعفنا حينما يأتي النصحُ من منظورٍ ديني، هنا يصعبُ الردُّ على مَن يقولُ: «كيف تخافُ، وتكونُ بهذه الحالةِ، وأنت مؤمنٌ؟».
مَن قال: إن الضعفَ، والحزنَ، وما يُرافقهما من مشاعرَ محرَّمةٌ على المؤمنِ؟!
أمَّا المحلِّلُ النفسي، فيربطُ خيوطَ قلقك الحالي بأحداثٍ من حكايتك الماضيَّة محاولاً التنقيبَ عن مشاعرَ مدفونةٍ، وليست موجودةً، لكنَّه في النهاية لا يجدُ سوى غبارٍ، يخنقُ جلستكما، ويزيدك ثقلاً على ثقلٍ.
ونخافُ عليه منَّا في أن تؤذيه موجةُ مشاعِرنا الحارَّة، فتمحو بريقه وإشراقه.
نصنعُ أعذاراً وحججاً، نُصدِّقها ونؤمنُ بها مثل: "لا نريدُ أن تُقلقهم أوجاعنا، وأفكارنا"، أو" ليس لأحدٍ أن يتحمَّل مشاعرنا السلبيَّة".
نهملُ دوماً فكرةَ المشاركةِ، وأثرها في الآخرين، ونتغاضى عن الفكرةِ التي تقولُ: إن دعمَهم ومشاركتَهم لنا قد تجعلهم أكثر سعادةً وصحَّةً. وبهذا نكون قد حرمناهم من فرصتِهم.
تؤكِّد الدكتورةُ جولي سميث في كتابها «لماذا لم يخبرني أحدٌ بهذا من قبل»: «من لَا يُخْبِرُونَ أَحَداً عَنْ مُعَانَاتِهِمُ اعْتِقَاداً رَاسِخاً بِأَنَّ ظُهُورَهُمْ بِمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ أَحْسَنِ أَحْوَالِهِمْ سَوْفَ يَجْعَلُهُمْ عِبْئاً عَلَى الْبَشَرِ الَّذِينَ مِنْ حَوْلِهِمْ». وهذا غير صحيحٍ.
أن تجد شخصاً واحداً فقط، تستطيعُ أن تكون على طبيعتك الهشَّة أمامه، كما أنت في لحظاتِ انكسارك، وتختاره بعنايةٍ لأنك تثقُ به، وتثقُ بأنه يستحقُّ ذلك، سيجعلك ذلك تتجرَّدُ من كلِّ قيودك، وتشاركه جزءاً من أحزانك، تلك الأحزانُ التي ستبقى في المكانِ، فهو لن يأخذها منك قبل رحيله، ولن تظلَّ ملتصقةً بك بعد أن تبوح بها له.