لم تعد هذه الوجوه تهمني. الموجات أصبحت كلها عابرة، والحنين لم يعد يجدي. الرحيل هو محاولة بحث. الوصول هو بداية جديدة. الطرق متشابهة وكل طريق يقودك إلى آخر. المسارات تتشابه. لايهم؛ فالملامح واحدة تختلف التفاصيل. الكلمات مستنسخة تتباين في اللهجات. متى أصبح اليوم نسخة من الأمس والغد نسخة معدلة من اليوم، فقدت الحياة واحدة من أهم ميزاتها، التباين والاختلاف والتنوع. متى تعددت الأشكال ولم تتغير المشاعر فالقضية أصعب.
أتساءل: هل هناك شيء مثير بعد؟. هل بقي ما يثير الدهشة؟. أجمل ما في الطفولة الدهشة، وأجمل ما في البدايات اللهفة. المدن نفرح بها لأنها تأخذنا إلى الجديد. الإبحار جاذب لأنه يكشف لك كل ساعة عن شيء مختلف. العلاقات مغرية لأنها تجعلك في حالة ترقب للآتي. ماعادت كل هذه الأمور تشغلني. المدن خطوط متقاطعة تئن تحت وطأة الغول الخرساني. الإبحار طريق طويل ينتهي بمحطة الوصول من دون اهتمام لتفاصيل الطريق. العلاقات باهتة، حتى حالات الترقب، جوابي الفوري لها وليكن. وكأن الأشياء في خارطة أخرى خارج عالمي هذا، فلم تشغلني تفاصيل الأشياء وتبدل الأشخاص.
أريد شيئاً يعيد لي لهفة اللحظة وخوف الموعد الأول وقلق الانتظار. أتذكر كيف كانت تفاصيل اللقاء تبقى بكلماتها وحركاتها حتى لحظات الصمت فيها، كان ضجيجها عالياً. أستعيد رائحة العطر الذي كان يختصر ورود العالم في زجاجة. عندما نحصل على الأشياء التي كنا نحلم بها نفقد الحلم نفسه. لاتوجد حلول نموذجية في العالم. دائماً ما نلجأ للتسويات.
أعلم أن المستقبل يخبىء مفاجآته. وأثق أن الغد يحمل معه أفراحه. وأنا أنتظر انهمار شلال الفرح. وأتلفت في كل الزوايا لأن موعداً هناك ينتظرني. لن أركض. سوف أمشي خطواتي كما هي. لكن حدسي يقول إن بيارق النور بدأت أضواؤها تضي السماء
اليوم الثامن:
لن أستعجل الأشياء
فما كتبه القدر
سوف تحتضنه الأيام