«أسرع بالقيادة، فقد تأخرت ربع ساعة وسوف أتعرض للخصم. صديقي سجل حضوري وأنا في الطريق، لكنّ هناك حادثاً أمامي والمرور قد أغلق الخط». عبارات وأعذار لطالما نسمعها أو نراها بسبب التأخر والغياب، والعامل الرئيس المشترك، غالباً هو السهر وتأخر النوم، والسبب دائماً: لم أنم، سهرت على الكمبيوتر، سهرت على فيلم وغيرها. وقد تختلف الأسباب من شخص إلى آخر والنتيجة واحدة. ولتسليط الضوء أكثر التقت «سيدتي» مجموعة من الأشخاص؛ ليشاركونا أسبابهم الخاصة ومواقفهم الطريفة.
مشاكل خفية
بداية أوضح الدكتور أحمد الشريف (24 عاماً)، طبيب الأسنان بقوله: «لا أقول إننا لا نسهر، ولا أقول إن السهر شيء غريب أو جديد، فالضرورات تبيح المحظورات، نسهر بدعوى إتمام مهام معلقة قمنا بتأجيلها، أو بدعوى هموم متعلقة بالعمل وإلى آخره... إلا أنني لن أركز على الجوانب المعروفة للموضوع أكثر من الجوانب المجهولة. فالسهر موضوع خطير لا يستهان به، وله يد في كثير من المشاكل الصحية. وعن نفسي خاصة في مجال اختصاصي أعلم أنه المسبب الرئيس لتسوس الأسنان؛ لأن بعض الأمراض النفسية، خاصة الاكتئاب، يسببها السهر، وأغلب المرضى المصابين بهذه الحالة والذين لا يعلمون، حتى بإصابتهم بها يعانون من حالة طبية تسمى (بروشيزم)، وهي حالة تشبه التشنج، يعانيها المريض أثناء الليل، فيضغط على أسنانه من دون وعي منه، ما يسبب ضعفاً في المينا وقصراً في الهيئة العامة، بالإضافة إلى مضاره الأخرى؛ كالتأثير على الهرمونات والنشاط وحركة الأيض.
غياب واستهتار
تقول خديجة اليوسفي (47 عاماً)، ربة المنزل وأم لـ5 أولاد: نحن عائلة استثنائية، كما هو حال أغلب العائلات الآن، فنادراً ما نذهب إلى النوم في أوقات مبكرة، وإن كانت مبكرة فتعني لنا الساعة الـ12 منتصف الليل. أولادي، وكما يقال أولاد العولمة، لا يألفون النوم المبكر إلا بأساليب مبتكرة. إن حاولنا منعهم من السهر يكملون سهرهم خارج المنزل، خاصة أن منهم من لا يعمل، أو أن عمله يبدأ الساعة الـ11 صباحاً، كما أصبحت الزيارات العائلية لا تحلو إلا بعد المغرب أو العشاء، ولا بأس بهذا الوضع في أيام الإجازات، لكن يختلف الوضع بعد بدء الدراسة، وغالباً يقوم والدهم بإقفال الكهرباء من المحول الرئيس بحيث لا يعمل إلا التكييف المنزلي؛ ليعم الهدوء والظلام على المنزل، حتى يحين موعد استسلامهم للنوم. هذه الطريقة لم تخطر لنا إلا بعد أن تسلمنا عدداً من التعهدات بعدم الغياب من مدارس أبنائنا، وتحذيرات بالفصل لوالدهم، إضافة إلى الخصومات المادية حين يذهب إلى عمله متأخراً. يمكن القول بأننا تعلمنا من درسنا.
حب في السهر
أما محمد فريد (20 عاماً)، ممثل في فرقة «نو مور» الاستعراضية، فله رأي مخالف وجريء، فقال: أنا عاشق، ولا أظن أنه يسعني النوم، فكم من الليالي أسهرها؛ انتظاراً لسماع كلمة من حبيبتي. وكم من الليالي أعد فيها النجوم فقط لأرى رقمها على جهازي يظهر؛ لينبهني بأن معاناة الانتظار قد توقفت. وبغض النظر عن كل هذا فالسهر ضروري في الوقت الحالي، ولا يمكن أن أستغني عنه أبداً.
تقليد أعمى
ويقول حسن الثبيتي، (55 عاماً)، موظف وزاري سابق: السهر ليس من المظاهر الحديثة، وليس اختراعاً تم ابتكاره في الوقت الحالي، ويمكن تعزيزه بالعمل والرغبة في الإنتاج أكثر. وتزامن انتشار السهر مع أول اكتشاف للبترول، وما تلا ذلك من تطور عمراني وتجاري، والدليل هو حبوب «الكبتاجون»، التي تم استخدامها سابقاً للسهر ولمميزاتها المنشطة، إلى أن تم حظرها وإدراجها في قائمة الممنوعات. وكان أكثر من يستخدمها الكدادون كما نسميهم، وتلا ذلك جيل من الشباب المترف الذي يجد كل ما يتمناه، يقابله جيل من الشباب العاطل الذي لا عمل له، ولا ننسى الأجهزة الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي التي أدمنها الجميع، بمختلف الأعمار ليسود السهر كافة الطبقات بمبرر أو بغيره.
متعة جماعية وأوتار موسيقية
وتقول رويدا أحمد، (22 عاماً)، موظفة إدارية: السهر بالنسبة لي هو الملاذ الذي ألجأ إليه، ولا يقتصر علي وحدي؛ فالعائلة كلها معي في هذه النقطة. فالليل يعني التجمع الأسري، العزف على العود، والخروج للترفيه عن النفس بعد عناء يوم طويل من المهام المنزلية والوظائف، وقد نقع في كثير من المشاكل ومواقف لا نحسد عليها، خاصة في العمل أو الالتزامات المترتبة علينا. لكن كما يقول المثل: «كل محظور مرغوب».
يلة. نسأل الله السلامة».
نوم في الحصص المدرسية
يشاركنا محمد الضويان، (44 عاماً)، مدرس اللغة الإنجليزية للمرحلة الثانوية بقصته فقال: «من وجهة نظري السهر سببه التلفاز، وأجهزة التواصل الاجتماعي، وانشغال الآباء عن أبنائهم، خاصة بالأعمال وغيرها. وبصفتي مدرساً فإن عملي هو المتضرر الأول من هذه المشكلة؛ إذ إن الطلاب غالباً ما يأتون إلى المدرسة وهم غير مكتفين من النوم، فأجدهم نائمين في الحصص، بل إنهم يخصصون حصتي للنوم بحكم أنها لغة أجنبية ولا أهمية لإجادتها. وردي دائماً هو: من تعلم لغة قوم أمِنَ مكرهم. ويسوء الحال في أيام الامتحانات، ويكاد تركيزهم ينعدم، لكني لن ألوم الطلاب وحدهم، فأنا أشاركهم الجرم، فقد سهرت في أحد الأيام لأحضر إلى المدرسة بعد بدء الدوام بـ3 ساعات لأجد المدير قد وزع حصصي على المدرسين من زملائي، وقد قمت بتكرار الموقف ليصبح أسوأ؛ حيث وعدت أحد الزملاء في يوم من الأيام بالمرور عليه في الصباح واصطحابه معي إلى المدرسة، وقد غلب علي النوم وتغيبت عن الدوام في ذلك اليوم وهو أيضاً، فكان موقفاً محرجاً جداً، لدرجة أنني وعدته بتعويضه عن الخصم من راتبي الخاص».
الاختصاصي الأسري
وفي الختام اتجهنا إلى اختصاصي الأسرة المتخصص في علم التفكير ومؤسس أكاديمية ديبونود، أنس أبوبكر سيت، الذي قال: «من أهم الأسباب التي دفعت الناس إلى السهر ليلاً هو المادة والتفكير المضني في طريقة كسبها، سواء من خلال مشروع أو عمل إضافي من دون النظر إلى العواقب المترتبة على ذلك. إن عدم وعي الناس بمدى قدرة النفس وما تريده ويريده العقل والقلب أيضاً هو ما يدخلهم في دوامة الحياة ومتاهاتها، هذا السبب الشائع، والآن هناك أسباب قد تكون أقوى في دافعها إلى السهر وهي: سهر الناس على المقاهي والتلفاز بقنواته الماجنة، وأجهزة التواصل الاجتماعي، ولعب الورق وغيره. ومن الناس من هو بين هذا وذاك، إلا أن السهر مهما كانت دوافعه يضر مع كثرته، فمن يظن أنه يزيد في إنتاجيته فقد يكون إنتاجه عكس ظنه، فالجودة لا تعني الزيادة عادة. لذلك نرى أن أغلبية الأعمال التي تحتاج إلى السرعة والدقة لا يتم توكيلها إلا إلى أجناس معينة معروفة بالنظام، مثل دول شرق آسيا. لذلك، السهر لابد أن تترتب عليه أضرار، ومن أهم هذه الأضرار ضرر الفكر والعقل، ويكون ذلك في البداية على المستوى الفردي، لينتقل إلى محيط أكبر، فيصبح تأثيره عاماً على المجتمع، وربما بطريقة سلبية. فلا حضارة من دون أسس أص