مطاردة المجهول والحنين للمستقبل هو ما دفعهم لتحدي الصعاب والموت أحياناً، فرفضوا كلمة مستحيل، رغبتهم في تحقيق الرقم القياسي والوصول للرقم الأول دفعاهم للاستمرار، فهم ينقبون بين طقوس الماضي لمحاكاة القادم ومعايشة الحاضر. إنهم مجموعة من الشباب الإماراتي قرروا تسخير هوايتهم وحبهم للسفر والترحال في خدمة الوطن ورفع علم دولتهم في أرجاء الكرة الأرضية، هم رحالة الإمارات الذين حصلوا على لقب أول فريق رحالة يجوب الكرة الأرضية بالسيارات، ومؤخراً أول فريق يصعد قمة جبل كلمنجارو بالجمال.
«سيدتي» التقت مؤسس الفريق وعدداً من أعضائه للتعرف أكثر إلى نشاطاتهم المتميزة.
عشق مؤسس الفريق، عوض بن الشيخ مجرن، السفر والترحال منذ صغره، فقد كان والده يصطحبه معه في رحلاته للبر للصيد بالصقور أو للإبحار في مياه الخليج الزرقاء، وكان حاضراً في رحلات الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم داخل البلاد، مثل زيارته لجزيرة صير بو نعير، ومنطقة الخران في رأس الخيمة، وحتا، وخارج البلاد في زيارته لكراتشي، كما كان حريصاً على ارتياد مجالس الكبار مع والده، مما فتح له الباب للنهل من ثقافة ودروس الكبار.
ربط الإعلام بالثقافة
يقول مؤسس الفريق لـ«سيدتي»: بعد أن أنهيت دراستي الأولى قررت أن أكمل تعليمي في أميركا، وكنت أنتهز أي فرصة وأستثمر أوقات الفراغ والإجازات في عمليات البحث والاستكشاف، وأسافر إلى الدول المحيطة لأتعرف على ثقافات الشعوب وحضارتها المختلفة، وألتقط صوراً لأهم المعالم والمناطق السياحية، وبعد أن أنهي زيارتي أدون كل المعلومات، وأحفظ الصور والمرفقات في أرشيف خاص، وعندما عدت للإمارات أسست مكتباً إعلامياً لتصوير الأفلام الوثائقية والإعلانات، وفي الوقت نفسه أسست فريقاً إعلامياً، وهنا تولدت فكرة الربط بين الإعلام والرحلات، وبعد مشاورات مع عدد من الأصدقاء والمقربين الذين قرروا الانضمام للفريق أطلقناه في تاريخ يوليو 1996 بعد تجهيزات دامت قرابة 7 أشهر. فقد تطلب الأمر موافقات من جهات حكومية، لذلك لم تكن المراحل الأولى سهلة، لكن على الإنسان ألا يكتفي بالتفكير، وأن يخوض التجربة، وإن فشل يكفِهِ شرف المحاولة.
حول الكرة الأرضية
انطلق الفريق من الإمارات مروراً بدول الخليج ثم المغرب العربي وإسبانيا وأوروبا، والهدف كان كما قال مؤسس الفريق، نشر ثقافة ومعلومات عن الإمارات وحضارتها في كل مكان، وكانت الرحلات الأولى الأصعب؛ لأنها افتقدت للخبرة، في الوقت الذي كانت مرحلة إثبات للذات بالنسبة لأعضاء الفريق، ويتابع: «تغلبنا على كل شيء، واستمرت رحلاتنا حتى حصلنا على لقب أول فريق رحالة يجوب الكرة الأرضية بالسيارات».
إصدار كتاب
وعن سبب اختياره لدول أوروبا لبدء الرحلة قال عوض بن الشيخ مجرن: «اخترنا الدول الأسهل في المراحل الأولى؛ حتى نكتسب خبرة عملية في التنقل والترحال، وبعدها انطلقنا لعدد من الدول الأفريقية مثل: جنوب أفريقيا وزيمبابوي، وتنزانيا، وكينيا، والسودان ومصر، ومن ثم إلى كل دول العالم، وقمنا بإصدار كتاب مصور عن رحلات الفريق عام 2002 ظهرت منه 6 طبعات، وفي عام 2011 تم طبع نسخة من الكتاب على نفقة وزارة التربية والتعليم، وتم توزيعها على كافة مدارس الدولة». ولا ينسى بن مجرن دعم وتشجيع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله- للفريق مادياً ومعنوياً؛ حيث قال له: «أنتم الذين ستنقلون إلى العالم كيف كانت دولة الإمارات وكيف أصبحت؟».
أما عارف السويدي، أحد أعضاء فريق الرحالة الإماراتي، فتحدث إلى «سيدتي» قائلاً: «كنا ننشر ثقافة دولة الإمارات وتراثها من خلال المحاضرات التي كنا نلقيها داخل الجامعات في الدول التي كنا نمر بها، إضافة لإجراء مقابلات مع وسائل الإعلام والمسؤولين، كما ذهبنا للعديد من المنظمات الشبابية في هذه الدول؛ لنشر مزيد من المعلومات التي تهم السائح والمستثمر على حد سواء، وكل هذا كان يتم بالتنسيق مع سفارات دولة الإمارات». وعن أهم الرحلات التي قام بها مع الفريق قال: «زرنا الصين، منغوليا، روسيا، كازاخستان، إيران، أثيوبيا، جزيرة مدغشقر، البيرو، بنما، وكوبا، وكل هذه الرحلات تعلمت منها الكثير مثل الصبر، فعلى الرغم من التجهيزات التي تسبق كل رحلة إلا أنه كثيراً ما تحدث مفاجآت غير متوقعة، ومع الإرهاق، الذي قد يصاحب الرحلات الطويلة الشاقة يكون الرحالة أمام أمرين؛ إما إلغاء الرحلة أو الصبر على المشاق والاستمرار، وهذا اختبار حقيقي للإرادة».
التجهيز للرحلة
تابع السويدي: «لابد من التخطيط للرحلة عن طريق دراسة خط سيرها والتزود بوقود إضافي، وكذلك دراسة كمية الغذاء والماء، والتأكد من أن الدول التي سنمر بها آمنة، والابتعاد عن المناطق غير الآمنة، ويفضل إجراء بحث على الإنترنت حول عادات الناس في تلك الدول قبل السفر إليها، فقد يصادف قيام الفريق بتصرف يكون مقبولاً في مجتمعنا لكنه غير مقبول هناك، ومن الأفضل أخذ كتب ترجمة لبعض الكلمات الهامة في الدول غير الناطقة بالإنجليزية أو العربية، والاستعانة بمرشد من شركات سياحية لمرافقة الفريق في الدول غير الآمنة، كذلك زيارة سفارة الإمارات أو القنصلية في الدول التي نزورها والاستماع لتوجيهاتهم».
ولا ينسى السويدي زيارته لإحدى الدول الأفريقية عندما كان يجري خلفهم مجموعة من الأطفال طالبين نقوداً، وعندما سأل واحداً منهم ماذا تريد أن تصبح في المستقبل، أجاب بعفوية: رائد فضاء، فمع الفقر الشديد وضعف إمكانيات التعليم إلا أن الطموح والأحلام بلا حدود.
توزيع الأدوار والمهام
أحمد فاروق العور، أحد الأعضاء الذين شاركوا في المراحل الثمانية الخاصة بجولات وسفرات رحالة الإمارات، يقول بدأنا الفريق بخمسة أعضاء، لكل واحد منا مهمة خاصة يقوم بها أثناء السفر، فأنا مثلاً كنت مسؤول الخرائط، ولدينا عضو مختص بجمع المعلومات، ومصور فوتوغرافي وآخر تليفزيوني لتوثيق كل الرحلات التي قمنا بها، وآخر للحجوزات، مسؤول إعلامي وتصوير، مسؤول التغذية، وشخص مهمته أمن الفريق، وهكذا حتى يتم التجهيز والتنفيذ للرحلة دون أي معوقات أو مشكلات. وعن مدى استفادته من المشاركة مع الفريق قال العور: «شعرت بأنني أكبر من سني بعشر سنوات، اكتسبت معلومات لا حصر لها، تعرفت على ثقافات وحضارات شعوب مختلفة، شعرت من خلالها بمدى النعمة التي نعيش فيها تحت قيادة حكامنا وشيوخنا الكرام، وهنا لا يمكن أن أنسى زياراتنا لدولة العراق في عام 1998، التي قدمنا من خلالها مجموعة من المساعدات والأدوية، وكانت رحلة إنسانية تركت أثراً كبيراً في داخلنا».
ابن بطوطة اليمن
بدأ أحمد القاسمي الملقب بابن بطوطة اليمن رحلاته الخاصة عام 1992 عندما سافر من اليمن إلى مسقط مشياً على الأقدام، وبعد سنتين اختار الجمل وسيلة للسفر والتنقل بين دول العالم؛ بهدف محاربة الفقر وتعزيز الثقافة الإسلامية، ليزور حوالي 40 دولة، توزعت بين المنطقة العربية وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، قطع خلالها آلاف الكيلو مترات دوَّنها جميعاً في 4 كتب مصورة مثل: «في عصر الفضاء رحلة على سفينة الصحراء، الجمل معجزة الخالق وظل الإنسان العربي»، ليدخل بعدها موسوعة جينيس للأرقام القياسية، ويتم مؤخراً إنتاج فيلم «رحلة أفريقيا على الجمال» بدعم من مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث وفريق رحالة الإمارات وشركة إعمار، يلخص في مدة خمسين دقيقة مغامرته الأخيرة التي شملت شرق وجنوب أفريقيا واليمن وكينيا وموزمبيق، قطع فيها 9500 كيلو متر.
ويضيف: «في عام 2012 كان لي الشرف أن أنضم للفريق الأكثر شهرة؛ رحالة الإمارات، وأن أكون ضمن عدد من الشباب المميزين في السفر والترحال لنشر مزيد من المعلومات عن المجتمع العربي وثقافته، وشاركت معهم في رحلة إلى قمة جبل كلمنجارو على ظهور الجبال، والتي تعد الأولى من نوعها على مستوى العالم».
رحلة فوق الجمال
انضم المتسلق الإماراتي سعيد المعمري لفريق الرحالة منذ 3 سنوات، فهو الأبرز في مجاله، حيث رفع علم دولته على أعلى قمم العالم، مثل: «قمة جبل إفريست في آسيا، البروس في أوروبا، وأكوانكاجوا في أفريقيا»، ويستعد للسفر إلى القطب الشمالي الشهر المقبل.
عن رحلاته مع رحالة الإمارات يقول: «شاركت في مهرجان الرحالة الذي أطلقه عوض بن الشيخ مجرن، لتقديم شيء مميز عن أدب الرحلات من جميع أنحاء العالم، وبعدها فكرنا في تقديم مغامرة مختلفة تجمع ما بين رحلات الفريق وتسلق الجبال، فقررنا خوض تجربة تسلق قمة كلمنجارو بالجمال، والتي كانت شديدة الصعوبة، فالمعروف أنه من المستحيل دخول الحيوانات لهذه المنطقة، إلا أننا لم نيأس بعد أن خاطبنا المسؤولين في تنزانيا، طلبنا مساندة ومساعدة الشيوخ الذين تدخلوا، واحتراماً للعلاقات القوية بين البلدين حصلنا على الموافقة، لنكون بذلك أول من يصعد لقمة جبل كلمنجارو بالجمال».
ويضيف: «نظراً لخبراته السابقة في تسلق قمم العالم فكان عليه الدور الأكبر في الإرشاد والتوجيه وتوفير كل الاستشارات الخاصة بالرحلة، من معدات وملابس، وكان عليه أن يوجه الجميع بأهم الإرشادات اللازمة؛ حتى لا يتعرض أحد للضرر، مثلاً كان على الجميع شرب كميات كثيرة من الماء حتى يصل الأكسجين للجسم بطريقة جيدة، الالتزام بملابس خفيفة أثناء الحركة؛ لأن الجسم سيسخن وتزيد حرارته، مع الحرص على زيادة الملابس تدريجياً عند التوقف عن السير، كذلك ضرورة الحفاظ على أمن وسلامة الجمال من خلال تغطية ظهورها ببطانية خاصة، عليها طبقة من البلاستيك تعزل عنه المطر والرطوبة».
بطاقة
فريق رحالة الإمارات كانت انطلاقته في يوليو 1996 بعد تجهيزات دامت قرابة العام، بدأ الفريق رحلته الأولى بخمسة أعضاء، هم: عوض بن الشيخ مجرن مؤسس الفريق، أحمد فاروق العور، عبدالباري بن سوقات، أحمد بن ظاهر المهيري، أحمد بن حارب، أما الآن فقد بلغ عدد أعضاء الفريق 17 عضواً، لكن لا يشاركون جميعاً في رحلة واحدة.
وتأميناً لسلامة الفريق يبقى الأعضاء على تواصل دائم مع القيادة العامة لشرطة دبي التي حرصت على الاطمئنان على سلامتهم باستمرار، بالإضافة لذلك كان هناك تواصل مستمر مع سفارة الدولة وقنصلياتها في الأماكن التي تتم زيارتها.