أبواب الجنة

رحمة الله واسعة، إذا استشعرتها أمَة من إماء الله ستفيض روحها بالحب لهذا الخالق العظيم، حب يدنو عنده كل حب لعزيز من خلقه، حب يستغرق القلب كله، ويُفسح فيه مجالات للهمة في عبادة الرحمن الرحيم، الذي يحوطنا بنعمه مع ما نحن فيه من جحود ونكران.

ومن أسمى آيات رحمة الله -تبارك وتعالى- لنا أنه قد جعل لجنته أبوابًا كثيرة، قد تكون ثمانية، كما فهمت من بعض دروس العلم التي حضرتها، ولست أزعم أو أحاول تقلد كراسي الداعيات، ولكنني فقط أنقل بعض المشاعر والأحاسيس مع رحمات ربي الذي أحببته منذ عرفته، ويزداد حبي له كل يوم، حب يصغر عنده كل حب أحببته لسواه.

تجد بعض النفوس همة في عبادة ما، وتجد مشقة في عبادات أخرى، وأنا هنا أعني النوافل والسنن لا الفروض والواجبات.

البعض منّا يجد حلاوة وتيسيرًا في تلاوة آيات القرآن الكريم، تعينه على ذلك دراية باللغة العربية، تسهل له القراءة المسرعة التي تتفهم معظم المعاني، وقدرة على التجويد تعطي من المتعة ما يشجع على المزيد من الاسترسال في التلاوة.

والبعض يجدن حلاوة في الصيام، فهن أساسًا لسن من المولعات بالطعام وأنواعه، وإنما يسهل عليهن اتباع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه»، كما أنهن من أهل السهر بالليل وحتى مطلع الفجر، ثم النوم لما بعد أذان الظهر، فيكون الصيام سهلًا ميسورًا في معظم الأوقات، خاصة في فصل الشتاء، الذي يصفه سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ بأنه ربيع المؤمن، لطول ليله، وقصر نهاره.

والبعض يحب التصدق، ويشعر بالسعادة تغمره حين ييسر الله له أن يكون طريقًا لوصول رزق الله -سبحانه وتعالى- إلى عبد محتاج أو أسرة معوزة، يكون شعور السعادة حين يتشرف بالمشاركة في وصول الصدقة إلى مستحقيها شعورًا لا تدانيه أي متعة من متع الدنيا، فيتشجع على المزيد من العطاء والصدقة.

والبعض يستمتع بالوقوف بين يدي الله ليلًا يصلي والناس نيام، فيطيل الصلاة ما شاء الله له أن يصلي، يُراجع ما حفظ، ويردد آيات ذكر الجنة فيشتاق إليها، وذكر النار فترتجف أطرافه خوفًا وهلعًا، وذكر النعم فتفيض روحه حمدًا لمولاه، ويطيل الركوع والسجود في مناجاة ودعاء وابتهال، ويخرج من القيام وقد استشعر قربًا من مولاه، يشعر معه بحنو الخالق عليه، ومَعِيته معه في كل خطوة يخطوها في مدلهمات الحياة. وهكذا في أنواع الطاعات والعبادات، تتعرف كل منّا على أسهلها وأحبها إلى النفوس، تتعرف على الباب الذي تدخل من خلاله إلى الجنة.

شهر رمضان هو الشهر الذي نتعرض فيه لكل هذه النفحات، نتدرب على جميع أنواع العبادات والطاعات، إذا كنّا من الفائزين فيه، فُتحت لنا جميع الأبواب، ونتعرف على العبادات التي نحبها، فنكثر منها في غير رمضان، ونتعرف على العبادات التي تصعب علينا، فنجاهد أنفسنا حتى تلين.

ما أجمله من شهر! وما أرحم ربي حبيبي!