مع أنَّ التعليم الحكومي في السعودية مجانيّ، لكنّ عدداً كبيراً من السعوديين يختارون تدريس أبنائهم في المدارس الأهلية «الخاصة» رغم رسومها المرتفعة. وقد يلجؤون أحياناً إلى الاقتراض، سواء من صديق، أو من بنك؛ لتسديد هذه الرسوم. غير أن الأخطر في القضية، هو النتائج السلبية للقروض على الأسر السعودية، والتصريح المثير الذي أدلى به لنا أحد أساتذة الطب النفسي بأنَّ القروض قد تسبب الطلاق، أو الاكتئاب، أو حتى الانتحار.
«سيدتي» فتحت ملف لجوء السعوديين إلى القروض بسبب المدارس.. والتفاصيل في هذا التحقيق.
أصبحنا عبثيين
أكد لنا وكيل عمادة البرامج التحضيرية للشؤون الطلابية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور طلال الطريفي؛ قائلاً: «القروض من أجل المدارس تعطينا مؤشراً بأننا أصبحنا عبثيين؛ لأن الأسر فاشلة في إدارة ميزانيتها السنوية، وفاشلة أيضاً في عدم فهمها أن التعليم الأهلي لن يزيد من مستوى الطالب. وهنا، لابد من الإشارة إلى أنَّ الطالب الذي يدرس في المدارس الحكومية هو أميز تعليمياً».
مشكلة لا تؤثر في الأغنياء
يقول الباحث والمحلل الاجتماعي جمعة الخياط: «أزمة الغلاء وارتفاع الأسعار لا تطول جميع شرائح المجتمع بل الطبقتين الفقيرة والمتوسطة فقط، خصوصاً مع توالي المواسم بما فيها الدراسة، وهذه الأزمات لا تؤثر في الطبقة الغنية، في حين نرى الآخرين يلجؤون أحياناً إلى القروض التي قد تدخلهم في مشكلات نفسية؛ كالاكتئاب».
توالي المواسم السبب
يتفق جاسر حسين، مصمم غرافيك، مع الآراء السابقة، ويقول «لا مانع من اللجوء إلى القرض الشخصي من أجل مستقبل الأبناء، لكنَّ الدراسة ليست وحدها التي تجعلنا نلجأ للقروض، بل المواسم المتوالية؛ من الإجازة الصيفية، مروراً بشهر رمضان، ومن بعده عيد الفطر المبارك، وصولاً إلى استعداد الطلاب للذهاب إلى المدارس».
مبالغة
تقول خبيرة التجميل السعودية صدفة أحمد: «الحديث عن القروض من أجل المدارس فيه مبالغة كبيرة، لكنَّ من الممكن اللجوء إلى استخراج «فيزا كارد»؛ لسداد متطلبات الحياة، وتقسيط الديون. أما فكرة القروض، فأرفضها مهما كان سببها».
القروض قاسم مشترك
يؤكد الخبير الاقتصادي فراس لمحونة الذي يعمل في أحد البنوك فرع القروض أن القروض أصبحت القاسم المشترك للكثيرين في المملكة، حيث يندر أن تجد مواطناً أو مقيماً لا يكون مرتبطاً بمديونية لأحد البنوك أو شركات التمويل، ومع تزايد الالتزامات يكتشف كثير من المقترضين أن رواتبهم لا تغطي احتياجاتهم، لتبدأ رحلة المعاناة.
هل ارتفاع مستوى «القياس» سببٌ كافٍ؟
لجأ كثيرون إلى الاقتراض من أجل سداد مديونيات المدارس الأهلية، وحسب آخر إحصائية رسمية للمركز الوطني للقياس والتقويم، فقد تجاوز عدد المدارس الحكومية والأهلية في السعودية 34 ألف مدرسة، تضم أكثر من 6 ملايين طالب وطالبة. ورغم أن المدارس الأهلية لا تتجاوز نسبتها 12% من إجمالي المدارس، فإنَّ مستواها في اختبارات القياس مرتفع إذا ما قورن بالمدارس الأخرى.
رسوم مرهقة
يبلغ متوسط تكلفة الطالب في التعليم الأهلي 20 ألف ريال سنوياً، وفي بعض المدارس العالمية تصل إلى 80 ألف ريال. وقد أكدت وزارة التعليم أن مقدار زيادة الرسوم خلال العام الدراسي الجديد يتراوح بين 1000 و3000 ريال للمرحلة، وهي مقتصرة على بعض المدارس الأهلية والعالمية التي أعطيت الموافقة على ذلك.
الرأي النفسي: من الاكتئاب إلى الانتحار والطلاق
يؤكد استشاري علم النفس والسلوكيات الأسرية، المدرب المعتمد لنظرية «تريز TRIZ» من الهيئة الوطنية الأمريكية الدكتور ماجد قنش أنَّ القروض بشكل عام قد تؤدي إلى الاكتئاب، ومن ثم الانتحار، إضافةً إلى تتسبُّبِها أحياناً في الخلافات الأسرية التي تقود إلى الطلاق. ويقول: «القروض سواء بسبب المدارس أو لأي سبب آخر، لها نتائج سلبية كثيرة. وأعرف حالتين مأساويتين تسبَّبت الديون فيهما؛ الأولى: انتحر فيها شخص بسبب تراكم الديون عليه، والثانية: اضطر فيها شخص لقبول الصدقات والزكاة».