الوسواس القهري: داء وراثي يصيب الأعمار كافّة ويستوجب العلاج

 الوسواس القهريObsessive Compulsive Disorder  هو أحد اضطرابات القلق النفسي الذي يعاني خلاله المريض من تكرار أفكار (هواجس) وسواسية ملحّة وغير مرغوب فيها تتمظهر عادةً على هيئة مخاوف وقلق وشكوك أو صور مزعجة تستحوذ على عقل المصاب وتسبّب له الانزعاج والتوتر الشديدين، وتقوده نحو القيام بأفعال أو سلوكيات إلزامية بشكل قهري ومتكرّر.

وتبيّن إحصائية صادرة عن قسم الأمراض النفسية في كلية الأطباء والجرّاحين بجامعة كولومبيا الأميركية أن الوسواس القهري يصيب نحو 2 إلى 3 % من سكان الولايات المتحدة الأميركية أو ما يقدّر بنحو من 4 إلى 7 ملايين نسمة من السكان.

"سيدتي" تطّلع من الاستشاري في الأمراض النفسية والعصبية الدكتور شريف الأسلمي عن ماهية اضطراب الوسواس القهري وأهم العوامل المسبّبة له وأبرز التغييرات في سلوكيات المريض وكيفية علاجها.

 

يصيب الوسواس القهري الأعمار كافّة، علماً أنّه يبدأ عادةً في سن مبكرة أي أثناء مرحلة الطفولة، وتزداد الاضطرابات السلوكية الناتجة عن هذا المرض مع التقدّم في العمر، وخصوصاً في العقد الثالث من العمر. ويجزّء أطباء الأمراض النفسية مرض الوسواس القهري إلى شقّين أساسيين يحدثان في صورة متلازمة وخارجة عن سيطرة المريض، هما:


 

 

-1 الهواجس أو الأفكار الوسواسية Obsessions

تشمل مجموعة من الأفكار السلبية التي ينتج عنها شعور بالتوتر وعدم الارتياح، كالخوف المبالغ فيه من فقدان عزيز أو إصابته بمكروه، الشك في عدم اتّخاذ احتياطات الأمان الواجبة سواء في المنزل أو العمل، الحاجة الملحّة إلى بقاء الأشياء التي تحوط المريض في شكل مستقيم ومرتّب، الخوف الشديد من انتقال العدوى والجراثيم. وإذ يكتشف المريض أحياناً طبيعة مرضه من تلقاء نفسه، فيجد أن هذه الأفكار المستحوذة على عقله لا جدوى منها وأنها تستهلك الكثير من وقته ومجهوده بلا فائدة، إلا أنه لا يمكنه التخلّي عن هذه الهواجس بدون القيام بسلوك قهري مراراً وتكراراً، ما يجعله يبدو بصورة غير طبيعية أو مبالغ فيها كقيام المريض بالتأكد من نظافة يديه وتعقيمها بمجرّد لمس الأشياء المحيطة من حوله خوفاً من حدوث عدوى ما!

-2 الأفعال الإلزامية أو القهرية Compulsions 

يقوم المريض بأفعال متكرّرة بهدف التخلّص من مخاوفه وبلوغ الراحة النفسية، وذلك من خلال التأكيد الزائد على زوال سبب التوتر كإحكام مرّات عدّة الموقد وإغلاق مفاتيح الكهرباء وإغلاق محرك السيارة. وغالباً ما يصاحب هذه الأفعال الإلزامية اعتراف من المريض بأن هذا التكرار في التصرفات يكون غير منطقي ولا معقول، إلا أنّه لا يمتلك إلا أن يقوم بها في محاولة للتخلّص من قلقه وانزعاجه وحصوله على الراحة النفسية.

وفي هذا الإطار، تفيد إحصائية أجراها "المعهد الوطني للصحة العقلية" في الولايات المتحدة الأميركية أن الوسواس القهري واضطرابات القلق الأخرى تصيب نحو 18% من سكان الولايات المتحدة الأميركية. وتذكر دراسة نشرتها "صحيفة كليفيلاند الإكلينيكية الطبية" ما يفيد اعتبار الوسواس القهري رابع الأمراض النفسية شيوعاً بعد الرهاب والإدمان والاكتئاب.

 

أسباب مسؤولة

ويرى العلماء أن السبب المؤكّد لاضطرابات الوسواس القهري ما يزال مجهولاً حتى اليوم، وإن كانت هناك بعض الاحتمالات المتّفق عليها، أبرزها:

-1 عدم توازن نسبة الناقلات الكيميائية ونقص نسبة "السيروتونين" بالمخ (إحدى المواد الكيميائية الطبيعية اللازمة لحمل الرسائل العصبية عبر خلايا المخ).

2 -العامل الوراثي: يلاحظ الخبراء أن اضطرابات الوسواس القهري تنتقل عبر العائلات بشكل واضح، حيث أن نسبة كبيرة من المصابين لديهم أفراد في عائلتهم يعانون من نفس المرض أو من اضطربات القلق الأخرى. ولذا، يعتقد الأطباء أن هذا الخلل قد يكون محمولاً على جينات الشخص المصاب، ويمكن أن يورثه إلى أحد أفراد عائلته ما يزيد من احتمالية الإصابة بالمرض.

-3 يربط بعض الدراسات بين حدوث إصابة بالدماغ كحادثة ما أو عدوى وبين الإصابة بمرض الوسواس القهري، ولكن لم يتم التأكد من نتائجها علمياً حتى اليوم.

 

أعراضه... 

ثمة أعراض عدّة تظهر في تصرفات وأفعال المصاب اليوميّة، أبرزها:

*صور الهواجس (الأفكار الوسواسية) والتي عادة ما تسيطر على عقل المريض عند انشغاله بتفكير ما أو أثناء قيامه بشيء آخر، كـ:

            الغسل المتكرّر للأيدي لدرجة قد تصل إلى التهاب الجلد خوفاً من الجراثيم.

            الرغبة في إبقاء الأشياء من حوله في شكل مرتّب ومنظّم، ما يولّد التوتر الشديد عندما تكون الأشياء غير منظّمة بشكل مستقيم أو متناظر.

            تجنّب المصافحة والخوف من لمس الأشياء المحيطة.

            الخوف من التسبّب في إيذاء شخص أثناء السير أو قيادة السيارة.

            صلع في بعض مواضع الرأس بسبب سحب الشعر لا شعورياً.

            تجميع أشياء لا فائدة منها لاعتقاده بأنها قد تكون ذا فائدة في المستقبل.

            ميل إلى العنف أو العدوانية بسبب الخوف الشديد من تعرّض أشخاص مقرّبين للإيذاء.

* صور الدوافع أو الأفعال الإلزامية: مجموعة من السلوكيات القهرية التي تحدث بهدف الحد من التوتر الناتج عن الهواجس، مثل:

            أفعال النظافة المتكرّرة بحجة عدم الاقتناع الكامل بنظافتها (كتكرار غسل أدوات المائدة).

            الشك في أداء العبادات على الوجه الأكمل وإعادتها مرّات عدّة.

قيام المريض بعمليات عقلية لا إرادية مثل عدّ الأرقام في صمت، بدون مبرّر لذلك.

الاحتفاظ بالأشياء الخاصّة في نفس المكان وبنفس الطريقة يومياً بدون رغبة في التغيير بهدف إحساس المريض بالراحة النفسية الناتجة عن أفعاله، كقيامه بترتيب ملابسه في نفس المكان والطريقة من حيث الألوان والأحجام بشكل يومي ومنظّم.

 

متي يجب استشارة الطبيب؟

 يحتاج المصاب بالوسواس القهري إلى العلاج، في حال قضاء وقت طويل من يومه وبذل مجهود إضافي في أفعاله الإلزامية بالدرجة التي تتعارض مع أنشطة حياته اليومية في المنزل والعمل.

 وإذ يصعب، في بعض الأحيان، تشخيص مرض الوسواس القهري نظراً إلى تماثل أعراضه مع أعراض أمراض أخرى مشابهة (اضطراب القلق العام والاكتئاب والفصام)، يخضع المريض عادةً إلى مجموعة من الاختبارات الطبية والنفسية للمساعدة في التشخيص السليم:

-1 الفحص الطبي لتقييم حالة المريض الجسمانية والبدنية.

-2 فحص كامل للدم بهدف الكشف عن تعاطي أنواع معينة من العقاقير أو الكحوليات.

3 -التقييم النفسي والذي يشمل قيام الطبيب بالحديث مع المريض عن أفكاره وأنماط سلوكه اليومية وسؤاله عن أعراض الوسواس القهري ومدى تكرارها وعن بداية ظهورها ودرجة تأثيرها على نمط حياته اليومية. كما يمكن للطبيب الحديث مع أفراد عائلة وأصدقاء المريض عن سلوكه وتصرفاته اليومية.

 

ما هي المعايير التي يستخدمها الأطباء في الكشف عن إصابة المريض بالوسواس القهري؟ وما هي التوصيات العلاجية؟ تابعوا هذه التفاصيل في العدد 1591 من مجلة "سيدتي" المتوفر في الأسواق...وشاركونا بآرائكم من خلال مساحة التعليقات...