يختلف الناس في شخصياتهم كاختلاف ملامح وجوههم وأشكالهم، لنجد أننا نتفق مع البعض في صفات ما، بينما نختلف مع آخرين في الصفات ذاتها، فما هو سرّ نجاح العلاقات؟ هل هو «تحدي الاختلاف» بين الطرفين أم «متعة التشابه»؟ ضيوفنا مروا بتجارب متعددة، فهل نجحوا مع نسخهم، أم مع من يختلفون عنهم، أم أن للحكاية رواية أخرى؟
• السر في الاحترام
مهندس الديكور عبدالله بن عبدالكريم يقول:"الاحترام المتبادل كفيل بأن يسخّر الاختلاف بين الطرفين؛ ليثري العلاقة، أو أن يسخّر التشابه بين الطرفين لتحقيق الهدف من العلاقة، مهما كان نوعها وطبيعتها تلك العلاقة، سواء كانت علاقة ممتدة ومستدامة؛ أو علاقة مؤقتة تنتهي مع انتهاء الغرض منها"، ويضيف :"العلاقات الأسرية أقوى العلاقات وأكثرها استدامة في مجتمعاتنا الشرقية، وتأتي بعدها العلاقة الزوجية، ثم الصداقة، كما أن هناك علاقات أخرى يطغى عليها طابع المنفعة والتكامل، وفي هذا النوع يكون الاختلاف بين أطراف العلاقة أحد أهم عوامل تكاملها".
أما عن أنجح العلاقات التي يعتز بها وبنجاحها، فهي علاقته بأحد زملاء الدراسة منذ المرحلة الثانوية، ويقول: "رغم أننا نختلف في الكثير من الأفكار، إلا أن بعض الميول والهوايات تجمعنا بالمقابل، ولا تزال هذه العلاقة، التي بدأت منذ عشرين عاماً، قائمة ومستمرة بنفس قوتها حتى الآن".
• التنازلات هي الحكم
توافقه الشاعرة إلهام بكر قائلة :"أحياناً يكون للاختلاف جانب إيجابي وفي أوقات أخرى يكون عائقاً للوصول إلى التراضي، عندما يرفض الجميع تقديم تنازلات لتقريب وجهات النظر، فيكون الفراق أو النهاية طريقاً مسدوداً، لذلك فلا نستطيع الحكم على نجاح العلاقات بتطابقها أو اختلافها، بل بمدى تحمل الآخر والقدرة على تقديم تنازلات تتيح الراحة في التعامل وإشباع الاحتياجات والمتطلبات الإنسانية"، وتضيف :"الحياة الزوجية مثلاً توجب التشابه لنجاحها؛ لأنها لا تحتمل طول النقاش، أما الحياة العامة في العمل فتحتاج لأكثر من رأي لإيجاد حل لموضوع ما، وبالتالي فالاختلاف فيها يكون ميزة".
• الاختلاف أخذ وعطاء
يروي مصعب أبو زيد، مندوب مبيعات في إحدى الشركات قصته قائلاً "أقمت شراكة مع أحد أصدقائي، جاءت فكرتها من شغفه بأسواق المال والعملات، بينما لا أملك أنا هذه المهارة، ولكنني كنت أملك بعض المال الذي ادخرته من عملي، لذلك فقد ساهمت أنا برأس المال، أما هو فقد تمثل دوره بمتابعة الحساب وإتمام عمليات البيع والشراء، وقد حققنا العديد من الصفقات الناجحة تقاسمنا أرباحها، وكل واحد منا كان راضياً عن الدور الذي اختاره"، ويضيف :"أحب أيضاً أن أختلف مع زوجتي في الرأي ببعض الأمور والموضوعات، هذه سنّة الحياة «أخذ وعطاء».
• رغم التشابه لكننا مختلفون
وتقول الكاتبة والشاعرة لميس الإمام: "مما لا شك فيه أن الاختلافات الفردية ظاهرة عامة، وتؤدي الملاحظة العابرة غير الدقيقة إلى فكرة التشابه والتطابق بين أفراد الجماعة الواحدة، فتمر الفروق دون أن تُلاحظ، ولكن الملاحظة الدقيقة والاختلاط كفيلان بإبراز الخصائص الفردية، ما يؤدي إلى اكتشاف سلبية السلوك من إيجابيته، إما أن يكون الاختلاف والتطابق إيجابياً، وإما أن يكون محل تحدٍ سلبي يؤدي إلى نتائج وخيمة على الطرفين؛ وهذا الأمر لا يقتصر على بيئة بعينها، بل إنه منتشر بين البشر بشكل عام.
وتضيف: إن أساس نجاح العلاقات المتشابهة وغير المتشابهة، برأيي الخاص، يعتمد أولاً على المورثات الجينية وعلى نمط الشخصية للأفراد داخل بيئة معينة، فقد يكون أحد الأطراف في هذه البيئة متسماً بالعناد وحب السيطرة، وهذا ما مررت به مع إحدى الصديقات، والتي كان يحلو لها أن تصحح وتعارض أي نقاش قائم، حسب رؤيتها الشخصية، وبعد أن فاض بي الأمر، صارحتها بأسلوب لبق ونصحتها بأن تحاول شيئاً فشيئاً أن تغير ما بنفسها، وتدريجياً استطاعت أن تتغلب على هذا الاختلاف حتى تتطابق صداقتنا بعيداً عن أي تحدٍ قد يؤدي إلى القطيعة.
• الرأي المتخصص: الاختلاف لا يعني الخلاف
توضح الأخصائية الاجتماعية سلوى صالح أن الاختلاف بين الناس فطرة طبيعية خلقنا الله عليها، فنحن مختلفون في أشكالنا وألواننا وألسنتنا وعواطفنا وقدراتنا وعقولنا، والتاريخ يشهد على أن في ذلك حكمة سمحت للإنسان بالوصول للتطور والتقدم وبناء الحضارات والتفوق العلمي، وغيرها من النجاحات التي أحرزها ولا يزال يحرزها.
وكذلك الحال في العلاقات الاجتماعية والإنسانية وتعاملاتنا مع الآخرين، فلا يمكن القول إن هناك تطابقاً تاماً، بل هناك نقاط أو صفات مشتركة تجتمع أو لا تجتمع في طرفي العلاقة، ولا يعني أن وجودها شرط لإنجاح العلاقات، فربما كانت نقطة ضعف وسبباً للفشل، كما أن عدم توفرها لا يعني فشل التواصل بين الطرفين، وبالمقابل فالاختلاف أحياناً يكون إيجابياً، وسر نجاح علاقتنا مع الآخرين ومرونة التعامل معهم، وبالطبع لا توجد قاعدة عامة للنجاح أو الفشل، ويبقى الأساس في تقييم العلاقات الاجتماعية؛ كعلاقة الزوجية والعلاقة مع الأبناء والآباء والأصدقاء والجيران يحتكم لعناصر أخرى، مثل: الاحترام، التفاهم، الثقة، الود، أدب التعامل، أدب الاختلاف، وغيرها.
وتضيف: قيل قديماً «الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية»، وهذا يتحقق فقط عندما نتعلم أدب الاختلاف مع الآخرين، ونتفهم أن لكل منا شخصيته الخاصة، وأن هناك دائماً نقاط التقاء تجمعنا لنتكامل معاً، وأن البحث عن نقاط التواصل والتكامل بيننا أهم وأعمق من البحث وراء الصفات المتشابهة، التي قد لا يكون لوجودها أي تأثير في النجاح أو الفشل، والأهم أن ندرك ونتفهم أن الاختلاف لا يعني الخلاف، وأن نتعايش مع هذا الاختلاف ونقبل به.
لا يفوتك قراءة هذا الموضوع!
هل فقد الآباء السيطرة على جيل التكنولوجيا الجديد؟ وهل انتهت سلطة الآباء عليهم؟ مواقف ستدهشك في العدد 1833 من سيدتي الموجود حالياً في الأسواق.