بعض المنازل في الإمارات يحكمها طبع أصحابها المرحب بكل وافد من البلد الأم، وبكل قاصد حملته ظروف الحياة إليها، فتبقى الأبواب مشرعة لاستقبال كل قريب وغريب، ليراعي بعضهم حدوده في بيت مضيفه فيحاول أن يكون خفيفاً ولطيفاً قدر استطاعته، بينما يستغل آخرون لطف وكرم مضيفيهم قدر طمعهم بهم وبالعادات والتقاليد التي تقيد المضيف وتجعله محكوماً بالعيب والواجب، فتارة يجلس الضيف عزولاً بين زوجين، وتارة يحبسهما في غرفة نومهما حتى الصباح.
حكايات ومواقف يبوح بها أصحابها بين ضحكة وحرقة يشاركوننا بها ويتحدثون عن مواقف طريفة ومزعجة واجهتهم أثناء تأديتهم واجب الضيافة، وكيف كان تصرف الطرف المقابل.
كانت أيامه الأولى في الإمارات مربكة جداً، فهو لم يعتد أن يحل ضيفاً مقيماً في منزل أحد، لكن ابن عمه أصرّ عليه أن يقيم في منزله ومع عائلته ريثما يتدبر أموره، ويقول أحمد الجندي «مدير محل»: كنت أشعر بالحرج لدرجة كبيرة، وأحاول أن أقضي معظم الوقت خارج البيت، فمن اليوم الأول طلبت من ابن عمي أن يشرح لي كيف أستقل المواصلات العامة، ويعطيني بعض المعلومات عن الأماكن الرئيسة القريبة من منزلهم، وصممت على أن أعتمد على نفسي، ورغم أني استطعت العثور على سكن خاص بي بعد بضعة أيام بمساعدة ابن عمي طبعاً، إلا أنني كنت أشعر بأن هذه الأيام كانت ثقيلة علي، وعلى عائلة اضطرت إلى تغيير نمط حياتها والتخلي ربما عن الكثير من عاداتها؛ بسبب وجودي غير المعتاد بينهم.
أين خصوصيتي
لكن للأسف ليس كل الضيوف من النموذج السابق، فهناك بيوت لا تعرف طعم الخصوصية مثل بيت أمنية عبدالنبي «معلمة» فبسبب طبع زوجها الخجول والمرحب بكل قريب يقصده، تكاد تؤكد أنها لم تقض شهرين متواصلين في منزلها، من دون أن يكون هناك ضيوف من أقاربهم يقيدون حريتها، وعن أثر هذا على علاقتها بزوجها تقول: في البداية كنا نتشاجر كثيراً بسبب هذا الموضوع، لكني تعبت واستسلمت في النهاية وأصبحت أبتعد عن التفكير في الأمر، لكني في الوقت نفسه لم أعد أتعب نفسي في المجاملة والحرص على مشاعر الضيوف، الذين اعتادوا على احتلال منزلي.
أبعدني عن زوجتي
في منزل آخر تبدو الصورة أكثر فكاهة، كما يرويها أدهم. ص.«موظف مبيعات»؛ حيث فاجأه صديقه المقرب بزيارته في شهر رمضان قبل بضع سنوات، ويقول: لم يطل صديقي الإقامة في منزلي سوى لبضعة أيام، حيث استطعنا أن نتدبر له سكناً في شقة تؤجر للشبان، في البرج الذي كنا نقيم فيه، لكنه لم يكن يعرف أحداً غيري في البلد، وكنت ألتزم بدوامي في الصباح، وألازمه طيلة فترة المساء من أذان المغرب حتى أذان الفجر، وأنا آمل كل ليلة أن ينتبه لكونه يجلس عزولاً بيني وبين زوجتي، ويكمل بأنه من يومها تعلم أن يضع حدوداً لمجاملة الآخرين، فكم يضحك من نفسه كلما تذكر تلك الفترة.
صديقتي حبست زوجي
أما صديقة سلوى محمد فلم تكتف باحتلال منزلها والاستيلاء على أشيائها، مثل اللاب توب الخاص بها، والملابس وغيرها، بل كانت تفرض عليها وعلى زوجها تكرار أصناف معينة من الطعام؛ لأنها لا تأكل معظم الأكلات التي يفضلونها، وعن المواقف الأكثر طرافة تحدثنا قائلة: من المتعارف عليه أن الضيوف النساء يكن أقل إحراجاً لأصحاب المنزل، لكن الغريب أن صديقتي كانت تتسبب بحبس زوجي في غرفة نومه، فهي محجبة لكنها لا تصدق أن يخرج من الصالة حتى تتخلص من الحجاب وترتدي بيجامة النوم؛ لتسهر حتى الصباح في الصالة التي كانت تحتلها، وتكمل بأنها، أي صديقتها، غادرت منزلها بعد شهرين وهي عاتبة؛ لأنها وزوجها لم يجددا لها الزيارة لشهر آخر.
أهلي عاتبون
ومثلها الكثيرون، الذين قوبلوا بالعتب واللوم، رغم الضغط الذي عاشوه بسبب ضيوفهم الكرام، كما حصل مع رواد الشريطي «شيف في مطعم»، الذي اضطر لاستضافة ابن جيرانهم قبل فترة لمدة شهر كامل، كان يكافح فيه ليوفق مابين ظروف عمله، الذي يقتضي منه الدوام لساعات طويلة، تصل لاثنتي عشرة ساعة، ليجبر نفسه بعدها على السهر مع ضيفه حتى الصباح، كون الأخير كان ينام طيلة النهار، ولم يكن يضطر لمجاملته في السهر وحسب، بل وفي الضيافة، حيث كان مضطراً لأن يعود ليطهو لضيفه ويشاركه عشاءه.
لا للمجاملة
للعادات والتقاليد دوماً وجهان، فهي تأمرنا بأن نكرم الضيف ونحسن ضيافته، كما يأمرنا الدين أيضاً حسب أحمد الجميلي «موظف في الهلال الأحمر» لكن هذا الكلام يصح عندما يكون الإنسان في بلده أولاً، وعندما يكون منزله وظروفه ملائمة، أما في شقة صغيرة بالكاد تكفي العائلة التي تقيم فيها، فيغدو الأمر مبتذلاً، وعن الضيوف الذين يؤمون منزله يقول: يصعب على أبي أن يخالف عاداتنا وتقاليدنا التي تقوم على إكرام الضيف، حتى أنه يضطر للتغيب عن عمله ليبقى برفقة بعض الضيوف الغرباء، الذين يقصدون بيتنا، كونه لا يمكن أن يتركهم في المنزل وحدهم برفقة النساء.
ضيف يسليني
لكن ليست البيوت المزدحمة وحدها التي تعاني من ثقل الضيوف، ففي منزل عبدالرحمن الفندي «صاحب كراج سيارات» تتحول الوحدة التي آثرها على مشاركة السكن مع آخرين إلى نقمة، ليجد نفسه مضطراً لاستضافة معارفه ومعارف أصدقائه بين الحين والآخر، كونه يسكن وحده ولن يؤثر عليه استضافة شاب آخر معه في السكن، وعن آخر ضيوفه يقول: أرسل لي صديقي المقيم في مصر صديقه، مؤكداً له أني سوف أسعد بضيافته فهو سيسليني، واتصل بي ليطلب مني أن أستضيفه بضعة أيام، ريثما يتدبر أمر السكن، وبالطبع امتدت هذه الأيام حتى انتهت زيارته، لأجد نفسي ملزماً خلال هذه الفترة بالارتباط به والتخلي عن حريتي، فقد أصبحت مسؤولاً عن إرشاده ومساعدته للحصول على عمل، والقيام بواجب ضيافته، حتى وجدت نفسي أتنفس الصعداء بعد سفره، فقد أربكني الشعور بالمسؤولية تجاه هذا الغريب الذي جاء ليسليني.
حذفتني من صفحتها
عن تكرار قصص الضيوف المقيمين مع سكان الإمارات، تذكر روعة الخطيب «ربة منزل» قصة طريفة حصلت معها، حيث أرسلت لها فتاة من أحد البلدان العربية طلب صداقة على موقع فيس بوك، فقبلت صداقتها كونها تشترك معها ببعض الأصدقاء، وتقول : ما إن قبلت طلب الصداقة حتى بدأت الحديث معي على الفور عن تفاصيل حياتها، وعن حلمها بالمجيء إلى الإمارات، وبما أني كنت لطيفة معها كعادتي، وجدتها تسألني عن مدى إمكانية أن أستضيفها في منزلي في حال تدبرت أمرها في الحصول على فيزا لتزور الإمارات، والمضحك أنها قامت بحذفي عندما أخبرتها برفضي اللطيف.
بروتوكول الضيافة
طبعاً يفترض بالضيف أن يعرف حدوده ويتصف بالحياء وعزة النفس، كما يشير طارق الشميري «خبير إتيكيت وبروتوكول» وعلى الضيف أن يراعي الكثير من النقاط عندما تضطره الظروف لأن يقيم في منزل أحدهم، ومن أهمها مراعاة خصوصية أصحاب المنزل أثناء إقامته لديهم، على أن لا تطول هذه الإقامة في كل الأحوال، فعليه أولاً أن يبحث عن مكان إقامة خاص به أثناء تواجده في بيت مضيفه، وأن يصر على هذا حتى وإن أصر مضيفوه على وجوده في منزلهم، وعن التصرفات التي عليه القيام بها أثناء وجوده في بيت مضيفه، يقول : على الضيف المقيم أن يشارك في مصاريف المنزل بشكل غير مباشر، حتى لا يشعر أصحاب المنزل بأنه عبء عليهم، وعليه أن يعتني بنظافته وبأشيائه الخاصة وبغرفته بحيث يتحاشى أن يدع أمر القيام بأموره الخاصة لأصحاب المنزل، وعليه أيضاً أن يشعر مضيفيه مراراً بأنه يقدر لهم كرمهم، ويثني على كل ما يقومون به لأجله، ويتعامل بلطف مع جميع أفراد العائلة، ويحاول أن يكون معيناً لهم لا متسبباً بالفوضى، وبالطبع لا يحبذ أبداً أن يتصرف بحرية ويتعدى على خصوصية أغراض البيت، أو حتى مجرد هاتف، أما بالنسبة للمشكلة التي تواجه الكثير من المضيفين، وهي كيفية التخلص من الضيف الثقيل دون الوقوع بالحرج، أو التسبب بنشوء الحساسية بين الطرفين، فيوضح أنه في حال تجاوز الضيف حدود الضيافة وأصبح ثقيلاً على العائلة، ينصح بأن يبدأ المضيف بتوجيه رسالة غير مباشرة برغبته بانتهاء هذه الضيافة، وهذا بتكرار أعذار الانشغال، ولا بأس بشيء من التجاهل وعدم الاهتمام.