العيد «زمن أول» طعمه غير، لا يحدثك عنه إلا المخضرمون من أبناء الإمارات، ترى في عيونهم البهجة حين تأخذهم سنوات للوراء، يتذكرون أيام الصبا والشباب، «كنا نمشي مسافات بين دبي والشارقة لنلهو في العيد في ساحة الرولة، ونقطع أميالاً لنزور الأقارب ونستمتع مع أولادهم بأيام العيد، كنا نفرح ونبتهج من القلب، كل من يلقانا يعطينا عيدية، صحيح كانت المادة شحيحة والعيدية ربع روبية، لكن العيد وطقوسه وتقاليده آنذاك شيء غير».
كذا حدثنا عبدالله جاسم المطيري، مستشار التراث في هيئة الثقافة والتراث بدبي، حيث أضاف: «على رأس الاهتمامات- شراء الأضحية، ومعظم الإماراتيين كانوا يذبحون الأضاحي، من الضأن أو الماعز، والموسر يضحي ببقرة، وقد يضطر رب الأسرة للاقتراض ليشتري أضحية، وهذا التقليد في الأضحية مستمد من الشريعة الإسلامية التي تحث على ذلك، وما زال الإماراتيون والخليجيون، والشعوب الإسلامية بصفة عامة، ملتزمين بتلك الشعيرة».
تستعد الأسرة أيضاً- يستطرد عبدالله جاسم- لتجهيز ملابس العيد، التي كانت بسيطة وربة البيت تخيطها، وصباح العيد يبدأ الطبخ- أو حتى في الليل، والأسر الفقيرة لم تكن تتحرج من استعارة بعض المؤن أو القدور للطبخ من جيرانها، المهم أن تعد الطعام ليبدؤوا الأكل فور الانتهاء من صلاة العيد.
لكن علي المطروشي مدير متحف عجمان يقول: إن بيوت الأغنياء فقط كان يُطهى فيها الأكلات المعروفة من هريس وخبيص ولوبيا وغيرهما، أما الفقراء فكانت مؤونتهم ضعيفة.
تستعد المرأة أيضاً للزينة، تجهز الحناء وتصبغ ملابسها بالورس، وتعد لشعرها خلطة من الورد والياس، وقد تستعير الحلي من جارتها.
أكثر من ذلك- يحكي عبيد بن صندل- رجل التراث الأول في الإمارات (كما يلقب هو نفسه)- أن المرأة كانت تضطر لغسل ما عندها من ثياب وصبغها بلون مختلف حتى تبدو للناس كأنها جديدة، ولم تكن قلة الإمكانيات عائقاً دون إظهار البهجة والاحتفاء بالعيد».
يستأنف عبد الله المطيري- ذكرياته عن العيد، قائلاً: «الكل يتوجه للمصلى، ويصحب رب الأسرة أفراد العائلة، وبعد الصلاة يتوجه الناس للسلام على الحاكم في بيته، يجتمعون على الولائم التي أعدها لهم، وتستمر تلك الوفود سواء من الأعيان أو من العامة، حتى قبيل الظهر، ثم يتجمع الأولاد والبنات في الحي ويطوفون على البيوت طالبين العيدية، ومنهم من يمشي لأحياء بعيدة حتى يجمعوا عيدية أكبر».
زيارات الأقارب
لا يفوت الناس في العيد آنذاك- الكلام للمطيري- زيارة المقابر، أما اليوم وبعد شيوع العلم الشرعي والنهي عن زيارة القبور في العيد فقد اختفى هذا التقليد في العيد أو كاد.
كانت طقوس العيد وبهجته - يحكي المطيري- تمتد أربعة أو خمسة أيام، ولائم وزيارات وألعاب، وتخييم في البر لو كان الطقس مناسباً، وكانت زيارات الأهل من أوجب الواجبات في العيد، ورغم قلة الإمكانيات وبعد المسافات آنذاك، كان الأهل يتزاورون بين إمارة وأخرى، ومن لا يجد سيارة أو بعيراً كان يركب حماراً مصطحباً زوجته وأولاده، أو ينتقل بمركب شراعي أو بمجداف ليزور أهله في الشارقة أو عجمان أو أم القيوين أو رأس الخيمة، ومن بداية السبعينيات في القرن الماضي حدثت تحولات، والآن قلت الزيارات حتى في الحي ذاته.
عن رحلاته مع والدته في العيد وزياراته للأقارب، يقول بن صندل: «مهما بعدت المناطق، كانت زيارات الأهل والأصهار مهمة للغاية- خاصة في الأعياد، وأذكر أن أمي صحبتني لأقاربها وأنا في التاسعة، مشينا على سيف البحر ما بين أم القيوين وعجمان والشارقة، كنا نقيم أياماً ونأكل ونلهو ونلعب مع أولاد الأقارب في كل من هذه المناطق، كانت الطيبة والفطرة السليمة والتواصل مع الأقارب رغم ضيق الحال وقلة الإمكانيات، ولا تزال تلك السمات موجودة في مجتمعنا- وإن ازداد استغراق الأفراد في مصالحهم الخاصة».
ما بقي من طقوس العيد
مما بقي من طقوس، يقول المطيري- صلاة العيد، والسلام على الحاكم وزيارة الأعيان، وتبادل الزيارات بين الأسر، وبفعل المدنية ومنصات التواصل الاجتماعي والمدن الترفيهية والمولات، ما عادت حلاوة العيد وبهجته القديمة موجودة، انقرضت الألعاب الشعبية، أصبحنا نشعر بانتهاء العيد عقب صلاة الظهر، والبعض يكتفي بتهنئة بالموبايل أو بالواتس، وهي ضريبة الحداثة والتطور، لذلك تحاول الأسر جاهدة الحفاظ على التقاليد لدى أبنائها- لكن ليس بنفس مستوى «زمن أول»، وهناك جهود حكومية للحفاظ على هذه العادات، أو ما تبقى منها، من خلال جمعيات التراث والثقافة- إضافة إلى جهود وزارة الثقافة، ليستمر التواصل بين الأجيال، ولله در الرصافي حين قال: هي الأخلاق تنبت كالنبات إذا سقيت بماء المكرمات.
علي المطروشي يرى أن طبيعة العصر اقتضت إنشاء مناطق ترفيهية حديثة بها ملاه وألعاب، ومع ارتفاع مستوى الدخل أصبحت الأسر حريصة على الأنشطة الترفيهية لأولادها، وكل أسرة تبدأ التخطيط لإجازة العيد قبلها بفترة، وقد تكون رحلة سياحية للخارج، وما زالت المجالس مفتوحة للتزاور وصلة الأرحام- خاصة في الأعياد.