تفاصيل اللحظة

محمد فهد الحارثي

أحتاج أن أكون معك. أود أن أترك هذا العالم لأحتضن السعادة معك. تعبت الرحيل، ومللت السفر. أصبحت المطارات سجني، وموظفي الجوازات خصومي. ساعات الرحلة هي رحيل إليك. والمدن التي أصل إليها بعض من رسوماتك. ما عاد وهج السفر يغريني، ما عادت المدن تقنعني. أجمل مدن العالم هي المساحة التي تكونين فيها، وأجمل ساعات العمر هي التي تزيّنين ساعاتها بحضورك. كيف استطعت أن تختصري مدن العالم في شخصك؟

في سفري تمشي الأيام خطواتها برتابة. تتزاحم الأيام خلف بعضها البعض، لكنها من دون روح. أصعب إحساس حينما تتشابه الأشياء، المدن، الأشخاص، الأوقات. يصبح اللون الرمادي هو السائد. وحدك أنت تصنعين الفرق. وحدك من تضفين على الأماكن وهجها، وعلى الأشخاص فرحهم.

كلما سرت خطوة في المسار البعيد، أدركت كم أنت قريبة. وكم أنا محظوظ. وحينما يقودني الرحيل إلى المحيطات البعيدة أكتشف كم أنا مميز بوجودك في حياتي. وكم أنا مختلف لأنني أتمتع بأنقى الينابيع. كل الموانئ أوهام ضائعة، ومحطات عابرة. بينما حينما أرسو في مينائك تحتجب كل المدن. الفلاشات عمرها الزمني قصير، الحقيقة تدوم إلى الأبد.

البشر نوعان: متكلف، مزيف، وأي شي آخر ما عدا ذاته. وآخرون ببساطتهم وعفويتهم ونقائهم يحتلون كل المساحات. كل المقارنات معك تنتهي، تتقزم الأشياء بجوارك، بل وتنعدم. تصبحين كل الكون بجماله، بينما الآخرون عابرون مثل النيازك المقترحة.

كل منظر جميل أتمتع به من دونك أشعر بتأنيب الضمير. كل لحن ناعم يصل إلى مسامعي يفقد إيقاعه لأنني أسمعه وحدي. جمال اللحظة ليس في محتواها، بل فيمن يشاركنا تفاصيلها. العمر نعيشه لنتمتع به، وليس ليختطف منا خلسة. وأنا أريد لعمري أن يبدأ لأنني عرفت الطريق.

 

اليوم الثامن:

عندما ننشغل بالحصول على الأكثر

ننسى أن لدينا ما هو الأهم والأجمل