أثارت صفعة وجهتها معلمة لطفل يدعى مراد، الذي دشن عامه الأول في إحدى المدارس الابتدائية بمدينة طنجة شمال المغرب، جدالاً كبيرًا حول العنف في الوسط المدرسي، وسبل مواجهته، وأطلقت النداءات ودعوات المختصين إلى إلغاء الضرب والعقاب الجسدي واستبدال أساليب أخرى غير العنف به، ونددت كثير من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي بسلوك هذه المعلمة، وكتب البعض تدوينة تقول: «كاد المعلم أن يكون جلادًا».
قلق الآباء
أبدى الكثير من أولياء التلاميذ تخوفهم من ظاهرة تفشي العنف بالمدارس المغربية؛ خاصة بعد هذه الحادثة، لا لشيء إلا لأنه تجول في القسم ولم يجلس مكانه، لدرجة أصبح أغلب الآباء يحرصون على سؤال أطفالهم يوميًا عن معاملة الأساتذة لهم، وما إذا كان كل شيء على ما يرام.
وكشفت لنا شهادات بعض الأولياء الذين التقيناهم أن التلاميذ مايزالون يتعرضون إلى عدة أنواع من العنف الجسدي، من شد الشعر، وقرص الأذن، والضرب على أصابع اليدين... وفي هذا الشأن تقول «فاطمة.مودن»، أم لطفلين: «إن الواقع المدرسي ينذر بتفاقم ظاهرة العنف المسلط على التلاميذ، والتي تحكم على العديد منهم بالفشل.. فما يرويه أبنائي عما يحصل من عنف في المدرسة، يجعلنا أمام مواقف مبكية ومؤلمة؛ لأنها تستهدف مستقبل الأبناء الدراسي أساسًا؛ حيث أن الأمر يتعلق بمرحلة عمرية جد حساسة، تنعكس آثارها مباشرة على التحصيل الدراسي للأبناء»، وتتابع: «تصوروا أن إحدى المعلمات بإحدى المدارس الابتدائية، تدمج كل تلميذ لم يسعفه الحظ في استعياب الدرس، في صف أطلقت عليه اسم «صف الحمير»! وأن معلمًا آخر بنفس المنطقة يعاقب تلاميذه من خلال الطواف بهم عبر الأقسام، وما خفي كان أعظم، يحتاج الأمر إلى تحرك صارم من المجتمع المغربي لكبح كل الأساليب الوحشية التي يتعامل بها بعض المعلمين مع التلاميذ، والتي تحول بعض المدارس الابتدائية إلى أماكن للتعذيب النفسي».
وترى وفاء المحمدي، موظفة وأم لطفلة، أن أساليب العقاب التي يسلطها المعلمون على تلاميذ الابتدائيات، مازالت تستقى من الطرق الترهيبية القديمة، التي لا تأخذ بعين الاعتبار القدرات العقلية والخصائص النفسية للطفل في هذه المرحلة، والتي تترك أثرًا بالغًا في النفس، والتي تعد الفوبيا أهم أعراضه.. وهو ما تعاني منه حاليًا ابنتي في صفها الأول بسبب معلمتها التي تهددها باستمرار بإدخالها في «بيت الفئران»! إن مثل هذه الأساليب غير السوية التي تدخل في خانة العقاب النفسي، تعلن قبل كل شيء عن مشكلة الافتقار إلى تكوين المعلمين في مجال علم النفس البيداغوجي.
أساتذة بلا بيداغوجيا
يعتقد عبدالجبار شكري، دكتور علم النفس والاجتماع، «أن سبب لجوء الشخص إلى العنف في مرحلة المراهقة والرشد، يرجع إلى التعامل السيئ الذي مر به في طفولته، وأن أسلوب المعاملة القاسية، واللجوء إلى ضرب الطفل بقسوة، وإذلاله وإشعاره بالإهانة، هو الذي يتسبب في مظاهر العنف في سلوكه المستقبلي، كما أن هناك بعض الاعتقادات الخاطئة للآباء، تتمثل في أن الاعتماد على السلطة الصارمة في البيت، هو السبيل لتقويم سلوكه وبناء شخصيته؛ حتى ينصاع لسلطة الأسرة والمدرسة»، وحسب هذا الاتجاه، يضيف الدكتور شكري: «فإن الأب الذي عاني من العنف في طفولته، يلجأ إلى العنف مع أبنائه، والمعلم يعيد التعامل بالعنف مع التلاميذ؛ لأنه مر بتجربة العنف في حياة الطفولة، وفي المدرسة التي درس فيها سابقًا، وهكذا يصبح الفرد مؤمنًا بضرورة اللجوء إلى العنف كأسلوب ناجح في تقويم الشخصية وبنائها، ويكون الأسلوب الذي تلقاه في طفولته نموذجه الأمثل في تربية أبنائه، ويجعل نفسه مثالاً لهذا النموذج المرغوب فيه من وجهة نظره».
رأي القانون
يقول المحامي مصطفى الجياف، إن القانون في هذا المجال غير حاضر بتفاصيله، غير أن المغرب صادق على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي تمنع منعًا كليًا على رجال التعليم والمربين ممارسة العنف اللفظي أو الجسدي على الأطفال، كما أن المغرب سباق لتأسيس مرصد وطني خاص بحماية الأطفال وضمان حقوقهم، تترأسه الأميرة للامريم، غير أن انزلاقات تحدث هنا وهناك؛ خاصة في المدارس التي يمنع فيها استعمال العنف مع التلاميذ، وكانت هناك مذكرة وزارية حول الموضوع رقم 15002 بتاريخ يناير 2015، أصدرتها وزارة التربية الوطنية في هذا الصدد، يقول مضمونها: «بعد الشكاوى التي توصلت بها مصلحة الشؤون التربوية من طرف أولياء التلاميذ المعتدى عليهم، ومعلوم أن العقاب البدني لا يمكن أن يكون وسيلة تربوية ناجعة لتعديل السلوك، بسبب الآثار السلبية التي يتركها في نفسية التلميذ، سواء على المدى القريب أو البعيد، والحقد الذي يمكن أن يتولد لديه تجاه المدرسة والمدرسين؛ مما يخلق أحيانًا ردود أفعال مختلفة ضدهم من طرف الأطفال وأوليائهم، وعليه فإن المذكرة تنبه السادة المدرسين ورجال الإدارة التربوية إلى اجتناب أي شكل من أشكال العنف الجسدي أو النفسي ضد التلاميذ، واللجوء إلى الأساليب التربوية الحديثة لتقويم سلوكهم».