تتحوَّل فترة الصباح بكل إشراقه وتفاؤله إلى موجات من التكهرب والعصبيَّة والنفور، ولا يكاد يطل صباح إلا ونستقبل وجوهاً عابسة وحالات من العصبيَّة، فلا أحد يتحمل الآخر، وليس باستطاعة الأب أن يستمع إلى طفله أو مداعبته أو حتى طلبات زوجته، كل ذلك بسبب مفارقة السرير الوثير والتوجه إلى الدوام، فيتبادر إلى أذهاننا متى يحل الصيف وتأتي الإجازة، وقد ينظر البعض إلى السماء متمنياً هطول أمطار تحجزه عن دوامه.
فهل هو كره للدوام والعمل أم كسل وتكاسل بسبب نمط حياتنا وحبنا للسهر؟ سيدتي التقت مجموعة من الأشخاص، ليوضحوا لنا سبب نفور بعضهم من الدوام صباحاً، ولماذا يفضلون الإجازة على الدوام أم أنَّ هناك أسباباً أخرى؟
حبُّ السهر وإدمانه
ضحى الحسيني أوضحت بقولها: نكره الدوام لأنَّه مسؤوليَّة وحمل فإن لم تكن مستعداً له سحقك تحت وطأته، خاصة أننا شعب معروف بحبه للسهر، والاستيقاظ مبكراً من المنغصات وكأنَّه قيد يكبلنا وبخاصة الدوام الطويل الذي يبدأ من الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساءً. وبرأيي مع تقدم العصر أنَّ المطلوب من الموظف الإنتاج وليس التقيد بالوقت، فكلما كان الدوام مرناً زاد انتاج الموظف وهو غير عصبي.
بعد عملي يرهقني
أما أشرف المختار، الذي يسكن بعيداً عن مقر عمله، فأوضح أنَّه رغم حبِّه لعمله وما يحققه له من طموح، إلا أنَّ بعد المسافة الذي يضطره للاستيقاظ مبكراً يصيبه بالإرهاق الدائم، ناهيك عن الالتزام بالنوم مبكراً الذي يفقدني كثيراً من حياتي الاجتماعية.
طول الدوام وعدم التحفيز
ويرى الدكتور ماجد مدني أنَّهم في مجال الطب مثلاً أكثر ما يقلقهم تجاه الدوام، خاصة في القطاع الحكومي، هو نقص المعدات الطبيَّة وضعف المعامل التي تؤثر سلبا في إنتاجيتهم، وإلى حانب عدم التحفيز رغم ساعات الدوام التي قد تمتد أحياناً في الحالات الطارئة أو بسبب نقص الكادر الطبي، ما يشكل عليهم جهداً وعبئاً يجعلهم دائماً في حالة استياء وقلق.
ضعف الراتب وكثرة الأعباء
وأشارت حليمة حسن إلى أنَّ ضعف الراتب وكثرة الأعمال هما السبب، في التكاسل والتراخي وحتى ترك العمل، إضافة إلى أسباب أخرى كأن يكون المدير متسلطاً ومزاجياً، وكثير الانتقاد لموظفيه ويترصد الأخطاء، ولا يتقبل الأعذار أو النقاش ودائماً ما يهدِّد موظفيه بالفصل لأسباب غير مقنعة.
الرضا النفسي أولاً
وتضيف آية زهران، أن حماستها تجاه عملها يتوقف على حسب المسؤول عنها في القسم أو العمل، فإذا كان نكدياً تهبط المعنويات وتقل العزيمة تجاه العمل ويحدث الاستياء، بعكس المسؤول المتفائل صاحب الصدر الرحب، الذي يجعلك تشتاق للدوام حتى وأنت تتمتع بإجازتك. لذلك فالتأثير النفسي سلباً أو إيجاباً على إقدام الموظف على عمله وإنتاجيته.
عملي لا يلبي طموحي
وأوضحت المعلمة جيهان أحمد، أنَّ السبب الرئيس من نفورها من عملها وعدم ارتياحها، أنَّه لا يلبي طموحها الذي تعبت من أجله، ونالت الدراسات العليا من أجل أن تتمكن من الحصول على وظيفة تناسبها وتناسب تفكيرها، لكن للأسف ليس لها بديل وما زالت تبحث عن عمل أفضل منه، لكن من دون جدوى، خاصة مع ارتفاع نسب البطالة ومن الصعب الحصول على عمل بسهولة.
الروتينيَّة وبطء الترقية
من ناحيته أوضح أنمار فتح الدين، صاحب شركة للإعلام عبر الـ«يوتيوب» أنَّه أحبَّ العمل لحسابه الخاص؛ لأنَّ فيه حريَّة وعدم تعقيد وبيروقراطيَّة وتستطيع كذلك ممارسة شغفك بطريقتك والابتعاد عن الروتينيَّة، بخلاف العمل في الدوائر الحكوميَّة، حيث الملل والروتينيَّة في طريقة الأداء وبطء الترقية، وهو ما ينفر الموظف من عمله.
خمول وعدم طموح
وتعاني أسماء منصور وبشدة من فريقها الذي تعمل معه، وتصفه بالخامل، ولا يوجد لديهم طموح ولا استراتيجيَّة في العمل، فهي كما تقول من يقوم بإعداد الأمور وتنفيذها، وهو ما شكل لها اكتئاباً ونفوراً من الدوام، فكل المسوؤليَّة فوق رأسها، وأفقدها حبَّها للعمل وقلل من عزيمتها.
الوسط النسائي
ابتسام عيد، التي تفضل العمل مع الرجال أكثر من النساء، لأنَّ في الوسط النسائي بحسب قولها تكثر المكائد والقيل والقال، وقد يصل الأمر حدَّ الشتائم والتنابذ وكل ذلك بسبب الغيرة، وهو ما جعلها مستاءة في عملها وقلل من عزيمتها وخلق لها أزمة تجاه عملها.
الروتين الدائم
وأشارت المعلمة هديل شاهين، إلى أنَّ الروتين الذي يرافقها يومياً في كل شيء، خصوصاً في العمل، هو ما جعلها تمل من عملها وهو أمر طبيعي في البشريَّة، لكن إذا شعر الإنسان براحة في عمله، وعمل في المجال الذي يحبه، فقد يتمكن من تجاوز مسألة الملل، ويبدع أكثر ويبتكر، والدوام عنده نوع من الراحة والمتعة، وهنالك شركات مثل «غوغل» توفر بيئة مريحة للموظفين من خلال توفير نادٍ رياضي ومكتبة وملاعب ومكاتب تطل على حدائق ومناظر خلاّبة.
التقارير الطبيَّة
الدكتورة فريدة نمر أوضحت أنَّ أكثر التقارير الطبيَّة طلباً من قبل المعلمات ثم الطالبات، ففي خلال أسبوع واحد يتم طلب تقارير من أجل إجازة بنسبة 11 تقريراً، كوعكات صحيَّة أو حالات إصابة مفاصل وأكثرها طلباً وقت الدراسة والاختبارات.
الرأي النفسي
يوضح الدكتور نايف الحربي، أستاذ الصحة النفسيَّة بجامعة طيبة، أنَّ عدم الرغبة بالذهاب إلى العمل يعود لعدة أسباب منها اقتصاديَّة، وذلك حينما يشعر الفرد العامل بأنَّ المقابل المادي الذي يحصل عليه غير مجزٍ أو أنَّ الحوافز الماديَّة محدودة أو معدومة في أغلب الأحيان لا سيما في القطاع الحكومي، ما يؤثر في نفسيته ويشعر بالإحباط وتقل لديه الدافعيَّة الداخليَّة للانجاز، إضافة إلى غياب المهنيَّة لدى بعض الموظفين الآخرين، وانعدام الحوار وعدم إشعار الموظف بأنَّه جزء لا يتجزأ من المؤسسة، وأنَّه شريك استراتيجي ومحور فعَّال في صنع القرار، ولا نستبعد كذلك البعد الاجتماعي الذي أوجد مفاهيم مغلوطة حول العمل وغيَّب روح الإنجاز بشكل كبير وملحوظ.