كثير منا يصوم شهر رمضان بنية واحدة للصيام يعلنها لنفسه صراحةً بليلة رمضان الأولى قبل السحور، وينسى أن يجددها ليلة تلو ليلة في شهر رمضان الفضيل، والبعض الآخر منا خاصةً آبائنا وأجدادنا الأولين يحبون أن يجددوا النية كل ليلة رمضانية قبل السحور والإمساك عن الطعام من باب العزيمة الصادقة على الصيام، ومن باب تجديد الولاء والإخلاص الديني لله سبحانه وتعالى في شهره الفضيل الكريم المختار عند الله دون شهور السنة الأخرى لخيره العظيم وفضله الكبير على البشر والمسلمين الطائعين لما حلله وحرمه فيه.
وقد أجمع كافة علماء الدين على ضرورة نية الصيام في رمضان، لكن هل "نية الصيام" مرة واحدة في الليلة الأولى من رمضان لشهر رمضان كله؟ أو يجب أن تجدد "نية صيام رمضان" من قبل الصائمين كل ليلة بليلتها؟
"النية" أحد أركان العبادات في الإسلام
ولمعرفة رأي الدين في نوع نية الصيام الصحيحة الشرعية التقى "سيدتي نت" الدكتور عدنان العساف- داعية و باحث إسلامي وأكاديمي شدد على أهمية نية الصيام في شهر رمضان الكريم فقال: " النية" عموماً أحد أركان العبادات في الإسلام،لاغنى عنها لأي مسلم فيما يريد أن يعمل أو يؤدي عبادات دينية لله سبحانه وتعالى.
ويحضرنا في" النية" قول سيدنا محمد "صلى الله عليه وسلم" إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى" ،والنية هي النية الباطنية غير الظاهرة إلا بين العبد وربه، وبينه وبين نفسه، ويشترط في النية إخلاص الإنسان فيما نوى، وأن تكون نية المسلم خالصة لله وحده دون سواه.
وقال الله تعالى " وما أمرو إلا ليعبدوا الله،مخلصين له الدين،حلفاء،ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة،وذلك دين القيّمة" وكلمة القيمة تعني: الدين القائم العادل.
النية: شرط لصحة صيام رمضان
وهذه الآية المذكورة من من سورة "البينة" تدل على ضرورة إخلاص النية في العبادات لله سبحانه وتعالى.
وبناءًا على ما تقدم فأن "نية صيام شهر رمضان" شرط لصحة صيام رمضان عند كافة علماء الفقه والدين.
لكن العلماء اختلفوا فيما بينهم على مسألة : تبييت النية بعد فترة الإفطار في الليل إلى فترة طلوع الفجر، وأوجب بعضهم تبييت نية صيام كل ليلة في رمضان بليلتها بشكل متكرر طيلة شهر رمضان،وهو الأحوط لئلا ينسى المسلم نية صيام شهر رمضان.
والبعض الآخر من العلماء يسّر على المسلمين صيامهم،فأجاز للمسلمين أن ينووا صيام كافة أيام شهر رمضان الفضيل كله،بنية صيام واحدة يبيتها المسلم بينه وبين نفسه في ليلة رمضان الأولى.
ونية الصيام اليومية أنسب للمرأة المسلمة التي تنقطع عن الصيام لعذر شرعي في حالتيّ: "الحيض" و"النفاس" لهذا يناسبها أن تنوي صيام كل يوم رمضان بشكل متكرر ،كل يوم بيومه.
لا يشترط لفظ النية
ولا يشترط التلفظ بنية صيام رمضان ،وإنما يبيتها المسلم في قلبه بينه وبين نفسه كل ليلة.
التفكير في صيام الغد أشبه بنية الصيام في رمضان
وقد قال بعض علماء الفقه القدامى: أنه من خطر "فكر" في عقله أو قلبه صيام الغد،الأشبه بنية الصيام،يكون قد صدر عنه نية صيام ليلة الغد بطريقة تلقائية غير مباشرة، وهي نية صيام مقبولة شرعاً.
السحور بدون نية الصيام في رمضان جائز أو غير جائز شرعاً؟
كثيرين يصحون من نومهم ويتسحرون لصيام يومهم قبل أن يبيتوا نية الصيام فهل يكون صيامهم هذا اليوم جائز أو غير جائز شرعاً؟
فعل السحور يدل على نية الصيام، ويصح صيام من تسحر بدون أن يبيت نية صيام يوم رمضان، لأن فعل السحور مماثل للنية، وكالنية تماماً.
ويختلف المذهب الحنفي في الإسلام مع المذاهب الإسلامية الأخرى بعدم إشتراطه نية الصيام في الليل،وأجاز علماء المذهب الحنفي للمسلم أن يبيت نية صيام يوم رمضان بعد الفجر لغاية الضحى قبل صلاة الظهر ، إن لم يأكل أو يشرب شيئاً قبل نيته للصيام، فصيامه جائز.
"النية" ضرورية لتمييز العبادة "الفرض" عن العبادة "النافلة التطوعية
أي عمل ديني أو إسلامي أو خيري لوجه الله تعالى يشترط فيه النية المسبقة ،والنية الخالصة لله سبحانه وتعالى ،وتعد "النية" ضرورية لتمييز "العبادة" الدينية عن "العادة " اليومية للإنسان التي تخلو منها النية،والنية الخالصة بأن هذه العبادة لله وحده دون سواه.
والنية ضرورية أيضاً لتمييز العبادة المفروضة عن العبادة "النافلة" التطوعية من العبد لخالقه الله سبحانه وتعالى لمزيد من التقرب منه بتقديم عبادات طوعية أكثر من قبله له.
أفضل النيات
وأفضل النيات كافة: هي الخالصة لله دون سواه،والخالية من الرياء،وتقليد الغير،وإعجاب المسلم بنفسه لدرجة "العُجُب" بعبادته لدرجة الإفتتان بنفسه المناقضة لإخلاصه لله وحده بدون شريك له حتى نفسه،لهذا لا يجب على المسلم أن يعجب بعباداته ويستكثرها حتى لا يهتز إخلاصه الديني لله،ويبقى على تواضعه الصادق عند أدائه كافة عباداته المفروضة والنافلة ومن بينها: صيام رمضان.