بالرغم من الصعوبات والمعاناة، استطاعت نساء قرويات، أو «الجبليات» كما يسميهم أهل الشمال المغربي، أن يخضن عالم تجارة بسيطة تضمن لهن مصدر رزق، وهو صناعة الجبن البلدي، ينافسن به شركات الأجبان المحلية والعالمية.
يعتبر الجبن البلدي، المصنوع من مشتقات الحليب، من بين أشهر المنتجات التي حافظت على طابعها التقليدي، وعلى صمودها في وجه الأجبان المصنعة بالطرق الحديثة، يعد هذا المنتج ويعتبر إضافة ضرورية لمائدة الإفطار عند أهل الشمال، مرفقاً بالشاي الأخضر وخبز الشعير الساخن أو خبز «المقلاة» المطبوخ في البيت.
القبعة والمنديل
تواظب هؤلاء «الجبليات» على المجيء من قرى بعيدة إلى المدينة يومياً، اعترافا منهنّ أن الإقبال على منتجاتهنّ في المدينة أكثر منه في القرى، خصوصاً في أيام شهر رمضان الكريم، فبعد مسافة طويلة من المشي، يصلن إلى محطة الحافلات التي تقلهنّ إلى المدينة، حاملات على أكتافهنّ ما صنعنه من جبن بلدي ولبن وبعض البقوليات، إضافة إلى حليب البقر الطّريّ، ويُعرفن بلباسهنّ التقليدي، الذي يتكوّن من «الشاشية» وهي قبعة مزيّنة بالصوف المُلون و«المنديل» وهو قطعة من القماش المخطط بالأحمر والأبيض يوضع على الخصر، ويتّجهن مباشرة إلى مكان السوق الأسبوعي، ليفترشن الأرض بمنتجاتهن.
إقناع الزبائن
تبدأ عمليّة البيع بتعالي أصواتهن وتداخلها، وكل واحدة منهنّ تُحاول أن تُقنع الزبائن بأن منتجها هو الطريّ والطازج والأفضل، ويستمرّ هذا اليوم حتى الساعة الخامسة مساءً في الأيام العادية، أما في شهر رمضان، فتعود الجبليات إلى منازلهن فيما يقارب الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، لأن الإقبال على السوق في أيام رمضان، يكون في الصباح الباكر، تقول «فاطمة» التي تبلغ من العمر 78 سنة، وهي من بين البائعات النشيطات في السوق الأسبوعي، إنّها تمارس هذه المهنة منذ أن كانت فتاة صغيرة، وأنّها كانت تُساعد والدتها في حلب الأبقار ورعاية الماشية وتحضير الجبن واللبن، ولم تتوقف عن هذه المهنة بعد زواجها، وتحضير كميات مُهمة من الجبن قبل موعد السوق الأسبوعي بيومين، بحيث أنه يصعب حفظه بسبب خلوه من المواد الحافظة، وبالرّغم من استيقاظها باكراً يوم السوق والمشي لساعات قبل بلوغ محطة الحافلات، إلاّ أنها تحمد الله على هذه النّعمة.
كيفية تحضير الجبن البلدي
يتم عملية تحضير «الجبن البلدي» من مراحل بسيطة، وتحتاج فيها «الجبليات» إلى نصف لتر حليب من حليب البقر أو الماعز، ولتر من اللبن وقليل من الملح، ليخلط اللبن والملح، ويغلى الحليب ويضاف إليه اللبن ويخلط جيداً، ثم يترك لمدة 10 دقائق، لتوضع قطعة من ثوب فوق طنجرة صغيرة يسكب فوقها خليط الحليب واللبن بعناية، وتربط بعد ذلك جوانب الثوب ويعلق لمدة، ثم يفرغ الجبن في سلة صغيرة ويبسط بملعقة لمدة ساعتين وليأخذ شكل السلة، ثم بعدها يوضع في إناء ويلف بطريقة جميلة بعشب سميك وخشن مفتول يسمى « العزف» ليقدم بشكل جذاب للزبائن.
تقيس هؤلاء «الجبليات» نجاح تجارتهن، باستمرارها لسنوات عديدة، وبالإقبال المُستمرّ عليها، ولكنّهن لا يُخفين تراجع هذه التجارة بشكل نسبي في السنوات الأخيرة، بسبب منافسة قوية من طرف أنواع كثيرة من الأجبان المصنعة والمقدمة في علب وأغلفة جذابة.