ترتبط المناسبات الدينية في الدول العربية بكثير من الطقوس والعادات المتوارثة منذ القدم، وأهمها فريضة الحج التي كانت قديماً عبارة عن رحلة لأشهر طويلة محفوفة بالصعاب والمخاطر، لذلك فإن استقبال الحجاج والترحيب بعودتهم إلى ديارهم سالمين انطوى عليه عدد من الطقوس والاحتفالات وكذلك الأهازيج الشعبية.
ورغم الاختلاف في العادات بين الدول العربية إلا أن هنالك ما هو مشترك بين مختلف الدول، ومنها تزيين مداخل منازل الحجاج بسعف النخيل وأشجار السرو، وتأتي هذه العادة تيمناً بالرسول الذي عندما هاجر إلى المدنية استقبله أهلها بهذا النوع من الشجر، وكذلك إعداد الولائم وتوزيع الهدايا.
استقبال الحجاج في سوريا ولبنان:
تتشابه إلى حد ما عادات استقبال الحجاج في سوريا ولبنان، ورغم أنها أيضاً تغيرت عبر الأزمان، ولكن بعض الأمور لا تزال معتمدة إلى حد ما، ومنها تزيين بيوت الحجاج بسعف النخيل وأحياناً بأوراق أشجار السرو، بالإضافة إلى عبارات الترحيب واللافتات الترحيبية التي تحمل آيات قرآنية.
بعض العادات الحديثة هي تزيين المنازل بمصابيح مضيئة، والتي تكون على شكل نجوم إلى جانب صور الكعبة. ومن العادات الجديدة غير المحمودة الاستخدام المفرط للمفرقعات النارية، وذلك فور وصول الحج إلى منزله من المطار. كذلك، فإن العائلات الميسورة تقوم بنحر الخراف؛ ليمرّ الحجاج من فوقها ويطبعون أصابعهم من دمائها على جدران المنازل، ويقومون بتوزيع جزء منها على الفقراء.
بعد وصول الحجاج، يتوافد المستقبلون ليهنئوا الحجاج بعودتهم سالمين إلى أوطانهم، متطهرين من الذنوب والمعاصي والآثام، حيث أصبحت صفحاتهم بيضاء نقية. فيجلسون معهم ليسمعوا منهم عن روحانيات الرحلة المباركة وزيارة مقام الرسول. ويتم توزيع مياه زمزم وأشهى التمور على الضيوف، وتعتبر هذه العادة مشتركة في كل البلدان التي تقيم مراسم استقبال الحجاج.
استقبال الحجاج في الأردن وفلسطين:
الزينة جزء أساسي من استقبال الحجاج، فالبعض يرفع اللافتات والبعض يضع الأعلام التي كتبت عليها عبارات خاصة بالحج. من العادات التي تشترك بها غالبية البيوت في الأردن هي إقامة الأقواس الخشبية عند المدخل الخارجي فوق البوابة الرئيسية المؤدية لمنزل الحجاج، تعلوها أغصان طويلة خضراء من سعف النخيل أو السرو والسنديان، وأحياناً من أغصان الزيتون.
استقبال الحجاج في مصر:
كل من زار مصر من المؤكد أنه شاهد الرسومات، التي تصور مكة والمدينة ومناسك الحج والنقوش الإسلامية المختلفة وعبارة « حج مبرور وذنب مغفور»، وذلك أحد الأمور التي ما زالت في الريف المصري، والتي يستقبل بها الجيران والأهل القادمين من الحج، وعن ذلك تخبرنا الحاجة أم فؤاد الغزالي وتقول: الريف المصري والقرى تهتم جداً باستقبال الحجاج، وما إن يصلوا إلى بداية الحي حتى تبدأ الزغاريد، ويخرج الأقرباء والجيران والأطفال لاستقبال الحجيج، ويلي ذلك استقبالهم في منزل الحاج وتوزيع الهدايا عليهم، وقد يستمر ذلك لأكثر من ثلاثة أيام، أما في المدن المصرية الكبيرة فالاستقبال في المطار هو الترحيب الكبير؛ حيث يتجمع عدد من أفراد العائلة والأصدقاء لاستقبال الحجاج، ونتيجة لذلك فرضت الجهات الأمنية في المطار عدداً من القوانين التي تنظم ذلك تفادياً للازدحامات التي كانت تحدث.
وعن استقبال الحجاج في مصر وثق كتاب «رسومات الحج: فن التعبير الشعبي المصري عن الرحلة المقدسة»، والذي حرره أفون نيل، وتصوير آن باركر، وترجمة حسن عبد ربه المصري، كل تلك العادات في استقبال الحجاج، حيث يعد الكتاب دراسة موسعة عن فن الرسومات الشعبية على جدران البيوت الذي يجسد احتفال المصريين الخاص بالحج.
استقبال الحجاج في دول المغرب العربي:
لا يختلف الحال في مصر عن المغرب العربي في استقبال الحجاج، فقلد ذكر موقع بوابة إفريقيا عدداً من العادات المتوارثة لدى الجزائريين خاصة في استقبال الحجاج، تبدأ منذ وصولهم إلى المطار حيث يستقبلهم الأقرباء والأصدقاء بموكب من السيارات الفخمة (المزينة بأعلام الدولة)، والتي قد يضطرون إلى استئجارها أو استعارتها، ومن ثم يتجه هذا الموكب إلى منزل كبير يتم فيه استقبال المهنئين من الجيران والأقارب والأصدقاء.
أما القبائل الكبيرة في الجزائر والمغرب وتونس فتجهز الأصناف المغذية من الأطعمة لتقديمها للحجاج عند وصولهم وهي مثل «الطمينة» وهي أكلة تحضر من الدقيق الممزوج بحبات من الرمان والعسل، وفي المناطق الصحراوية أو الجنوبية يحضر طبق «الرفيس» بعجينة التمر، ويسقى بالعسل قبل تقديمه للحاج، أما بالغرب فيتم تقديم كبد الشاة أو العجل الذي تم ذبحه على شرف عودة الحاج، ويستحسن أن تكون مشوية وتقدم في صحن أو آنية من فضة أو نحاس، ويتم ذلك وسط مدائح وأناشيد دينية.
استقبال الحجاج في اليمن:
في اليمن تبدأ طقوس استقبال الحجاج حتى قبل سفرهم إلى الحج، فمنذ دخول شهر ذي الحجة تنصب «المرهة» وهي أرجوحة كبيرة تصنع من الأشجار القوية وتثبت بالحبال ويوثقونها جيداً؛ لأن انقطاعها يحمل نذير شؤم للحاج، ومنذ أن تجهز الأرجوحة حتى يبدأ الأهل والأصدقاء والجيران بالتأرجح عليها اعتقاداً منهم أنهم يدفعون عن الحاج أخطار الطريق، جاء ذلك في موسوعة المحيط.
وجاء في الموسوعة أيضاً أنه عند عودة الحاج يتم استقباله بنثر الفل والياسمين على مسمع من زغاريد النساء والأهازيج والأناشيد وقرع الطبول والمزامير وحتى الأعيرة النارية، ثم تعد الولائم التي تقدم للمهنئين وتستمر ثلاثين يوماً، وغالباً ما يتكفل المقتدرون مادياً من الأقارب بالذبائح التي تذبح فور وصول الحجاج والتي تحضر منها الولائم.
استقبال الحجاج في دول الخليج العربي:
تتشابه دول الخليج في استقبالها لحجاجها مع باقي الدول العربية، وما يميز دولة الإمارات بذلك هو تزيين المنازل بالأعلام الخضراء التي ترمز للطهارة ولون الجنة، بالإضافة إلى «النثور»، والتي هي عبارة قطع معدنية وحلويات وأوراق الزهور، وهي تحضر لتنثر على رؤوس الحجاج عند عودتهم على صوت أهازيج الترحيب بالعودة.
أما في البحرين فيستعد الأهالي قبل قدوم الحجاج بتربية خروف يتم ذبحه على رجل الحاج قبل دخوله بيته، ثم تبدأ مراسم الزفة وتزيين الحجاج بالورود والأهازيج، كما يتم تحضير وجبات طعام توزع على الأقرباء والجيران لمدة أسبوع.
أما في الكويت فيقيم الحاج العزيمة للأهل والجيران المقربين بعد عودته. كما يقوم بتوزيع الصوايغ وهي الهدايا التي تم شراؤها. أما النساء فيقمن بتوزيع ما يناسب النساء والبنات، وفي الصباح التالي تتجمع البنات حول بيت الحاج وهن ينشدن أغاني وأدعية، ثم تناديهن صاحبة المنزل وتوزع عليهن الهدايا.
استقبال الحجاج في العراق:
استقبال الحجاج في العراق عادات وطقوس متوارثة مازالت مستمرة، وتبدأ منذ وصول الحجاج؛ حيث يستقبلهم الأقرباء في مواكب السيارات في أجواء من الاحتفال والأهازيج، وما يميز استقبالهم للحجاج هي الفرق الشعبية الموسيقية، التي تجول في الحي لاستقبال الحجاج، وتعزف الموسيقى التي يرقص عليها الأطفال، كما تستعد النساء في البيوت بعمل « الكليجة» وهي نوع من أنواع الحلي الشهيرة.