«الطبال» جزء من طقوس رمضان!

2 صور

بعد أن اعتاد الصائمون على توشيحاته وأنغامه مع إطلالة كل شهر رمضان، وهو يحمل طبلة لإيقاظ الصائمين؛ لتناول وجبة السحور، فإنه بات من المؤكد أن هذه المهنة في طريقها للانقراض، بعدما ظلت تضفي على ليالي رمضان نكهة خاصة، وأصبحت من المهن الرمضانية التي اعتاد الناس على ظهورها، وأصبحت موروثاً ثقافياً وفنياً يقترن بشهر رمضان، حيث يقوم المسحراتي إما بآلتي (الطبل) أو (النفار)، وهي آلة نفخ طويلة ومعروفة في المغرب وغيره من البلدان العربية، بإيقاظ الصائمين؛ لتناول السحور أو إخبارهم بإطلالة شهر رمضان، وذلك قبل أن تتبدل الأيام، وتفقد هذه المهنة مكانتها تدريجياً، ويصبح المسحراتي أول من يتحسر عليها.

يقول الطبال المغربي الشهير بالرباط محمد الكمرة: «زمان كنا نستعجل قدوم رمضان، ونهيئ الطبول وآلات النفخ؛ استعداداً لإيقاظ الناس في جنح الليل؛ لتناول السحور أو تبشيرهم برؤية هلالي رمضان والعيد، كنا نمارس هذه المهنة بانتشاء، ونحن نردد التراتيل والأناشيد طيلة أيام شهر رمضان أو صباح يوم عيد الفطر، ونحن نجمع زكاة عيد الفطر، لكن الأيام تبدلت حيث تراجع دور المسحراتي، واختفت مشاهد الأطفال، وهم يتحلقون حوله، وهو يحمل طبله، ويرقصون من حوله مرددين معه التواشيح وخاصة في الأحياء القديمة». النائمون منزعجون ويضيف محمد الكمرة موضحاً: إن أغلب الصائمين اليوم أصبح يتفرج على برامج التلفزيون؛ إلى حدود الفجر، وهناك آخرون يسهرون في المقاهي إلى آخر ساعة من الليل، ومنهم من يستعمل ساعات منبهة لدرجة أن من بين بعض الصائمين النائمين من يتضايق من المسحراتي، ويطلب منه الكف عن النقر على الطبل أو النفخ على آلته (النفار) النحاسية؛ مما أدى بهذه المهنة إلى الانقراض.

ولا أحد اليوم وخصوصاً من الأجيال القديمة، يؤكد الكمرة، يستحضر هذا الرجل/ المسحراتي، الذي ظل على مدى سنوات طويلة يأخذ على عاتقه مهمة إيقاظ الناس؛ لتناول وجبة السحور في وقت لم تكن فيه فضائيات، ولابث تلفزيوني مسترسل، فدور المسحراتي اليوم يقابله الجفاء، سواءً من الجهة الوصية على تدبير الشأن الثقافي أو من الصائمين أنفسهم. تحول للأعراس ولا غرابة اليوم أن تجدني -يختم محمد الكمرة الذي ورث المهنة عن والده ونشأ في عائلة امتهنت الحرفة بالوراثة لسنوات طويلة- قد انزويت، وتحولت للعمل في الأعراس والمناسبات؛ لكسب قوت اليوم بعدما انقرضت المهنة، وتنكر لها الجميع».

ويرى الباحث الاجتماعي عزيز بنصغير أن المسحراتي لعقود يشكل وجهاً مضيئاً يؤثث ليالي رمضان بالمغرب ببواديه ومدنه، وكان للمسحراتي دور كبير في ليالي رمضان، التي كانت مناسبة للأجيال القديمة بالخصوص؛ للاستمتاع بأناشيده الدينية، ونقرات طبله المنتظمة في وقت كان الآباء والأجداد تشكل وجبة السحور بالنسبة إليهم وجبة أساسية؛ لما تتفرد به من أهمية بالنسبة لصحة الصائم، الذي يربطه خلال الشهر بالرجل المسحراتي تعاقدٌ فيه من الوفاء والكرم ما ينم عن تقديره لهذا الشخص، الذي لم يكن أحد منا يتصور صوم رمضان بدونه قبل أن تظهر (العولمة)، وتختفي الكثير من اللوحات التراثية الجميلة، التي كان يرسمها بالتراتيل والأناشيد، ويمكن اعتبار مهنة المسحراتي تراثاً شعبياً ينبغي الحفاظ عليه من الانقراض.
 

اقرئي المزيد من المواضيع في رمضانيات