وبعد غياب عاد، ولو أنه لا يحب أن يسمي نفسه عائداً؛ فهو لم يغب ولم تجف مخيلته بفعل السنوات، ولم تنجح السنوات في إبطاء نبض مقصه ويده التي تنفّذ إسكتشات رائعة يحيكها على قماش. من لبنا ن انطلق روبير أبي نادر وكان أول مَن عُرض له في باريس، ضمن أسبوع باريس للهوت كوتور في أواخر القرن الماضي، ولكنه عاد واتجه إلى روما عارضاً مجموعاته في إيطاليا، بعكس المصمم إيلي صعب، الذي بدأ في أول الأمر من إيطاليا لينتقل إلى باريس. هذه النقلة ولو أنها لم تُفقده إبداعه، ولكنها خففت ولو قليلاً من وهج حضوره الذي كان ينتظره عشاق الموضة في باريس؛ فلباريس طعم آخر ونكهة حلوة، ولهذا السبب عاد روبير أبي نادر إلى حضن باريس عاصمة الموضة الرئيسية، إلى حضن أسبوع باريس للموضة الراقية؛ ليطلق مجموعته لربيع وصيف 2024 بطابع ملوكي بحت، زاده تأثيراً الديكور المزخرف للصالة التي وقع عليها اختياره؛ فكان لعرضه صدًى، ومنه اكتملت فصول المشهد الذي يرويه بأزيائه وكأنه مبدع يتفنن في لوحة.
كاب وترصيع منمق بحبيبات السواروفسكي البراقة والريش يتناثر عليه، ويصل إلى الياقة العالية المستديرة التي تحيط بفستان زفاف عصري أبيض من الكريب الحريري، وكأنه حُلم أبيض من توقيع روبير أبي نادر. سألناه عن المجموعة الجديدة ومصادر إيحائه، وعن مستقبل الكوتور والاستدامة. أسئلة كثيرة اختصرها المصمم بإجابات محددة ودقيقة فخير الكلام ما دلّ.
- اتسمت مجموعتك الراقية بالطابع الملوكي فهل اخترت اسماً لها أو محوراً؟
أسميتها "ملوكية"؛ فالملكة ليست فقط بلقبها؛ بل بإطلالتها وأناقتها؛ فالطابع الملوكي هو زيّ منسّق بعناية ليُلبس المرأة ويجسد هويتها. لقد حرَصتُ على اعتماد قَصات جديدة، واستقدمت لهذا السبب خامات جديدة من الأقمشة؛ لمواكبة هذه الخطوط العصرية التي تجمع ما بين الكوتور والتكنولوجيا الحديثة، التي يُفترض أن يلحظها عالم الكوتور في هذه الأيام.
- وما أبرز الاتجاهات التي ركزت عليها لصيف 2024؟
ركّزتُ على التطريز الذهبي، وعلى تنفيذ ورود من الأورغنزا والقماش المطرّز، والتي تزين كتف الزيّ، وعلى الكاب المزخرف بالخرز الذهبي بأحجار متفاوتة، وحرَصت على التطريز الفني الذي يروي أشكالاً هندسية ولا يبدأ من فراغ، ويتسم بطابع ثريّ الأبعاد، مع أحجار ملوّنة طعّمت التطريز وأغنته بالتفاصيل. وهناك تفاصيل معدنية مزخرفة أضافت لوك المحاربة على المرأة؛ لتبُثّ فيها روح النضال.
- ما أبرز مصادر الإيحاء التي استوحيت منها مجموعتك الجديدة؟
استوحيتُ من قوة شخصية المرأة التي لا تأبه لما يقوله الآخرون؛ فملابسها هويتها، تستطيع بحضورها الآسر أن تدير الرؤوس.. هذه هي ملهمتي؛ فالمرأة التي لا تقبل التحدي ولا تتقن تجسيده، تعيش نصف حياة.
تابعي المزيد حول تصاميم عبايات وقفاطين عالمية طبعت أسبوع باريس للموضة الراقية 2024
- كيف كان صدى المجموعة الجديدة؟
لقد لاقت صدًى إيجابياً لدى المدعوين وعلى مواقع التواصل الاجتماعي؛ فلقد باتت منصّات التواصل الافتراضي نافذة تساعدنا على إيصال إبداعاتنا يطريقة أسرع عن قبل، وتجعلنا في احتكاك مباشر مع هواة الموضة والناقدين؛ لأتابع ردود فعلهم على التصاميم المعروضة.
- ركزت على الخامات الراقية: المخمل والساتان وتطريز البدلات فهل تعتبر أن المرأة اليوم تولي عناية للقصات أكثر أم للتطريز؟
في فترة معينة انكفأت المرأة عن التطريز وباتت تميل إلى القَصات الهندسية التي لا تحتاج إلى الكثير من الزخرفة، ولكنها عادت اليوم لتطلب التميُّز في إطلالتها، والاختلاف يكون في التفاصيل ومنها التطريز أو تفريغ القماش لإيصال فكرة معينة، من خلال فتحة أو شقّ أو استدارةٍ ما في الشكل؛ فالمصمم في عمله يشبه النحات.
"المصمم البارع في عمله يشبه النحات فلا تكتمل المنحوتة بالحجر الخام فقط، بل بكل منحنيات القطعة واستداراتها لإيصال الفكرة" المصمم روبير أبي نادر.
الكوتور في عالم الرجال
في كل مجموعة يطلقها المصمم روبير أبي نادر حرَص منذ مدة طويلة على إدخال بعض القطع الراقية الممهورة بتطريز يدوي حِرفي؛ فرأينا البدلات والكاب المزخرف بالخيوط الذهبية والأحجار المتوهجة؛ فعالم الكوتور بالنسبة له ليس حكراً على النساء.. وعن مجموعة التصاميم الرجالية التي أطلقها، يقول:
- لقد حرصت على التصاميم الرجالية والنسائية معاً فما الجديد الذي ترغب بإضافته إلى عالم الموضة الرجالية؟
أحببت تصاميم بدلات مزوّدة بجيليه، ونفّذت في السابق الجيليه فوق السترة، وحرصت على قَصات مستقيمة تُبرز قامته، وأحب تنفيذ البدلة بياقات متعددة، ونفّذت التاكسيدو بأقمشة فخمة، كما نفّذتُ البدلة الكلاسيكية مع عباية مطرّزة بحِرفية استهلكت مئات الساعات من التطريز في مشغلي.
- في تصاميمك نلاحظ مدى تركيزك على الإيحاءات الشرقية، من قفطان وفساتين منسّقة مع كاب؟ ما السبب؟
أُحب تنفيذ تصاميم متنوّعة من العبايات والقفاطين، والتي كنت في السابق أنفّذها حسب الطلب، ولكنني رغبت مؤخراً في إدراجها ضمن المجموعة الراقية؛ لتغدو من أساسيات المجموعة في كل موسم.
- ما الذي تغير في أسلوبك وتقنياتك مع مرور الوقت وفي زمن يتخوف البعض من عدم قدرة الكوتور على مواكبة الشباب؟
يخطئ مَن بعتقد أنّ عالم الكوتور مات أو انطفأ لدى جيل الشباب؛ فالشابات يرغبن في التميُّز خلال المناسبات الرسمية؛ لأن الكثير منهن يخشين الإحراج إذا ظهرن بفستان جاهز قد يتكرر في السهرة نفسها على سيدة أخرى. تميل النساء الشابات إلى القَصات الجريئة والألوان النيود، مع بعض التطريز المنمّق، والذي يُضفي قيمة على التصميم؛ إذ عالم الكوتور مرتبط بالتطريز ولا يمكن للاثنين أن ينفصلا.
- أين أنت من الاستدامة وهل تستطيع معاييرها مواكبة متطلبات الخياطة الراقية اليوم؟
لا يمكننا العيش على كوكب متآكل من دون احترام قانون الطبيعة؛ فالاستدامة تبدأ ليس فقط من إعادة التدوير والفرز؛ بل في الاستفادة من القماش وفضلاته والإكسسوارات المستعملة من مجموعات قديمة، أو تصاميم متروكة في أرشيف الدار من دون إعادة إحياء لها. الاستدامة هي نمط حياة يبدأ بالعقل ليصبح أسلوب حياة.
- ما نصيحتك للجيل الجديد من الشباب فيما يختص بالموضة الراقية؟
أحِبوا الكوتور لتعشقوا الحياة؛ فالتصاميم المملة والباردة والتي تشبه بعضها، لا تعطي خصوصية وتفرُّداً؛ فعالم الكوتور بعيد عن الملل ومليء بالمفاجآت، وهو يصب في اهتمام الجيل الجديد لأنه في خانة Slow Fashion، وبعيد عن الخياطة الاستهلاكية التي يحرص الجيل الجديد على الابتعاد عنها، وسْط مخاوف التلوث والاحتباس الحراري.
وللمزيد من أخبار أسبوع باريس للموضة الراقية فقد ترغبين أيضاً في الاطلاع على أبرز صيحات الألوان في أسبوع باريس للموضة 2024