إننا كتلة متكاملة أساسها الضمير، وبدون ضمير نصاب بالأمراض نتيجة فقدنا جهاز المناعة، ولن نرتقي يومًا لمرتبة الإنسانية؛ لأن غياب الضمير يعني أن الشيطان استطاع أن يتسلل إلى العقل، وتمكن من بناء وكر آمن له يدير من خلاله زمام الأمور، ويوجه من يمتلكه لتنفيذ أفكاره الشيطانية.... والحقيقة الساطعة تقول: إن طريق الذهاب للمعصية معروف وواضح... فهذا اللعين يبحث في كل لحظة عن زبائن جدد ممن يرتكبون الخطايا، ويعيثون في الأرض فسادًا، ويزرع بداخلهم التهاون، واللامبالاة، وتصغير الكبائر، وتهوين الصغائر. فلا يرده عن تصرفاته ورغباته أي قيود ولا سدود... أما المؤمن الواعي العاقل فيكون مالكًا لزمام أمره، ولا يترك قيادته تفلت من بين يديه، ولا يسلمها لشيطانه ليتحكم بها كيفما شاء، ولا يصبح مجرد أداة صماء تنفذ بلا نقاش... وكثيرة هي الصور التي قد يخرج فيها الإنسان أموره من زمامه لحظة ارتكابه ما يخالف ضميره، أو يفعل أمرًا يجعله أسيرًا لفعله، ويستمر وكأن شيئًا لم يكن، ومن يندفع وراء أهوائه ونزواته في لحظة ضعف يدفع ثمنها غاليًا بقية عمره، ولا يقتصر أثرها عليه فقط وإنما يمتد أثرها السيئ إلى حياة كل من يرتبط بهم، وكلما كانت فعلته قاسية ومخادعة ومؤلمة وظالمة ازداد سخطنا عليه، نعود ونردد بيننا وبين أنفسنا قول الله تعالى «إن بعض الظن إثم». وهذا يعني أنه ليس كل إثم ما يمنحنا أن نسيء الظن في مواقف وتصرفات وأقوال بعض الأشخاص، وفي نفس الوقت حتى لا نسيء الظن بهم. هل يمكننا أن نسألهم عن حقيقة نواياهم، وأسلوبهم لنيل متطلباتهم وتحقيق أهدافهم.... الغريب أن هذه الفئة تستغرب وتتعجب من سوء ظننا بهم، وبأخلاقياتهم، والمفترض أن تكون هذه هي النتيجة الحتمية مقابل التوائهم معنا، وخداعهم لنا، والواجب أن يغضبوا من أنفسهم؛ لأنهم قد بددوا رصيدهم من الثقة بسوء فعالهم، ونقص أمانتهم، فهم من دفعونا بسوء تصرفاتهم لإساءة الظن بهم؛ لذلك فإن إحياء الضمائر الغائبة مسؤولية كبيرة؛ لأننا لا يمكننا أن نعين رقيبًا على كل شخص؛ لأن الرقيب لابد أن يكون من الداخل أولاً، والأسوياء من البشر هم الذين إذا أوشكوا أن يهووا في القاع نهضوا بكل ما يملكون من قوة، وتمسكوا بأي وسيلة تمنعهم من السقوط في الهاوية، ويحاولون أن يستعيدوا توازنهم؛ لكي يرجعوا عن حافة الخطر، ويتعلموا مما مر عليهم وعلى غيرهم من التجارب والدروس، ويحرصوا على عدم الاقتراب من الخطر؛ حتى لا يعرضوا حياتهم للهلاك إنها لحظة فارقه في حياة كل إنسان لابد أن يحفزه ضميره لمراجعة أفكاره، وسلوكه، ومفاهيمه التي دفعته بسوء التقدير إلى الاقتراب من الهاوية، وتعريض حياته وآخرته للخسارة الفادحة، ولابد أن نعلم أنه خلال انطلاقنا لتحقيق أهدافنا نحتاج من حين لآخر لوقفة مع النفس؛ لكي ننقي الثوب مما علق به، ونواصل الرحلة بضمير غير مثقل بالذنوب، وكم تشتد حاجتنا إلى مثل هذه المراجعة كلما واجهتنا أحزان الحياة وآلامها، لأن الألم مطهر للنفوس الخيرة، ولو قام كل منا بواجبه كاملاً واعتدل دائمًا في رغباته، فلن تغيب عنه الحقيقة الأزلية، وهي أن من يتوكل على الله فهو حسبه أي كافيه وحاميه وراعيه وناصره ومحقق أمنياته