نظَّمت هيئة تطوير بوابة الدرعية "ملتقى العمارة التقليدية" في حي الطريف التاريخي بمنطقة الدرعية وسط مشاركة نخبةٍ كبيرةٍ من العلماء والخبراء، ومهندسي العمارة التقليدية، والمعماريين، والمتخصِّصين في الطراز المعماري القديم، والحرفيين، كما استقطب الحدث زواراً وضيوفاً من داخل السعودية وخارجها على مدى سبعة أيام من 23 حتى 30 أكتوبر الجاري، تحت شعار "العمارة النجدية التقليدية".
"سيدتي" أجرت جولةً بين أروقة الملتقى، ورصدت أبرز موضوعاته، كما التقت حرفيين وحرفياتٍ ومهندساتٍ للحديث عن مشاركتهم في أعماله.
يوسِّع من مداركنا
بدايةً، أوضحت المهندسة شادن الفريح، أنها شاركت في ملتقى العمارة التقليدية عبر جلسة نقاشٍ حول "العمارة التقليدية وتوظيفها بالحاضر"، وقالت: "تناقشنا مع مجموعةٍ من المعماريين، والمطوِّرين العقاريين، والأكاديميين، والطلاب وطالبات من مختلف الجامعات في الجلسة حول محاور مختلفة، كما تمَّ عرض بعض المشروعات ذات التأثير في العمارة التقليدية النجدية، واستفدنا كثيراً من هذه المبادرة بما حملته من أسئلةٍ وأجوبةٍ ومعلوماتٍ".
وعن أهمية ملتقى العمارة التقليدية بالنسبة لها بوصفها مهندسةً، قالت شادن: "الملتقى أضاف لنا الكثير، وأسهم في توسيع مداركنا نحن المهندسين والمهتمين بالمجال. الجلسات منحتنا خبراتٍ في فلسفة النقاش، وعزَّزت من المفهوم التجريدي، ونقلتنا إلى أفكارٍ أعمق". مبينةً أن "مثل هذه الجلسات والنقاشات دائماً ما تكون ثريةً، وتسهم في تطوير المجال".
واختتمت حديثها بأن "الأعوام الخمسة الأخيرة، افتقرت إلى الإقبال على التصاميم النجدية، وهذا ما أكدناه في الملتقى، وتناقشنا حوله نحن المعماريين، لكن اليوم، وبوجود الأكواد المعمارية، وإطلاق المشروعات الكبرى، تغيَّر الوضع تماماً، إذ نشهد طلباً كبيراً للعمارة النجدية، واستلهاماً من مقوماتها وأشكالها، وبإذن الله سنشهد في الأعوام المقبلة رواجاً أكبر لهذا النوع من العمارة، وهذا ما أتوقَّعه شخصياً".
التفكير خارج الصندوق
وكشفت المهندسة ريما القويعي، الحاصلة على بكالوريوس العمارة وماجستير التخطيط الحضري، أنها تحضر في حي الطريف من أجل زيارة الملتقى، واصفةً المكان بـ "الجميل"، وقالت: "أتيت إلى هنا لحضور ملتقى العمارة التقليدية، والمشاركة في الندوات والنقاشات الثرية ضمن فعالياته، إذ تتحدث عن الحفاظ على العمارة التقليدية، وأسعدني كثيراً النقاش حول ذلك مع أشخاصٍ متخصّصين في المجال، وسماع آرائهم، ووضع الحلول، والتفكير معاً خارج الصندوق". مؤكدةً أن "مثل هذه الملتقيات مهمةٌ جداً لنا نحن المهندسين، لأنها توسِّع من مداركنا في المجال، وتزيد من دائرة معارفنا".
وأضافت: "وجودي في حي الطريف بالدرعية، جوهرة المملكة العربية السعودية، وفي قصر الأمير سعد، أحد أشهر القصور في هذا المكان، يجعلني سعيدةً جداً". وذكرت ريم: "رؤية ولي العهد، حفظه الله، وتوجُّهه إلى الحفاظ على الأشياء التقليدية والمباني الأثرية، وإبرازها لجميع المجتمعات العالمية محل تقديرٍ لدينا جميعاً، فنحن نفتخر بهويتنا السعودية، ونجتهد للترويج لها، وقد التقيت أشخاصاً من مختلف الجنسيات والثقافات هنا في حي الطريف، قَدِموا بشكلٍ خاصٍّ لمشاهدة تاريخنا الأثري العريق".
لقاءات مع الحرفيين
وفي ركنٍ آخر من الملتقى حضر عددٌ من الحرفيين والحرفيات، واستطلعنا آراء بعضهم حول الحدث.
النقش على الأبواب والنوافذ
وبيَّن الفنان التشكيلي والنقَّاش التراثي عبدالله علي العيسى، أنه يشارك في الملتقى عبر فن النقش على الأبواب والنوافذ، وصناعة الدروع والنقش عليها، وقال: "سعيدٌ بالوجود هنا في ملتقى العمارة التقليدية، وكانت لي مشاركاتٌ سابقةٌ في مناسباتٍ عدة، منها فعالياتٌ في الكويت، وسوق عكاظ، والقصيم". داعياً الجميع إلى المحافظة على هذا الإرث الكبير، مشيداً بالإقبال الجيد من السعوديين على النقش على الأبواب والنوافذ، وعمل غرفٍ تراثية في منازلهم، مثل الديوانية، وبيت النار.
فن الحفر على الجبس
وأفادت الحرفية نجلاء الحازمي، من ينبع في المنطقة الغربية، بأنها تشارك في ملتقى العمارة التقليدية عبر قطعٍ مصنوعةٍ من الجبس، وعن ذلك قالت: "أعمل على فن الحفر على الجبس بحسب الحجم، والقطعة، والتصميم المطلوب مني، وعادةً ما يستغرق ذلك نحو ثلاثة أيامٍ، وهذا يتوقف على حجم القطعة التي أعمل عليها وشكلها إن كانت بروازاً، أو ستُعلَّق على جدارٍ في المنزل". مبينةً أن "قطع الجبس تستخدم بكثرة في المنازل، وهناك إقبالٌ كبيرٌ عليها اليوم".
استخدامات متعددة
وأشارت آمنة الزبيدي، حرفيةٌ ومدربةٌ معتمدةٌ في النحت على الجبس وصناعة السيراميك والفخار، أنها شاركت في منطقة الحرفيين بتصاميمَ مستوحاةٍ من المنطقة الشرقية، خاصةً مدينة الهفوف، وذكرت: "أشارك اليوم بعددٍ من قطع الجبس، من أبرزها النخلة، ووردة محال، والوردة المزوية، كذلك المبخر، والمرش، ويمكن استخدام هذه القطع بوصفها لوحاتٍ، أو مجسَّماتٍ، أو دروعاً".
وعن أهمية الجبس، قالت: "الجبس له فوائد عدة، مثلاً يُستخدم بوصفه لوحةً جماليةً، كما يمتصُّ الرطوبة، ويبرِّد المنازل، إضافةً إلى ذلك يستخدم في مجال الزراعة بقتل الحشرات، وفي علاج الكسور، وتركيب الأسنان".
وأوضحت آمنة، أن "العميل يحدِّد طلبه، وبناءً عليه أقوم بصنع القطعة، مثلاً هناك مَن يطلب قطعةً من الجبس الأبيض، في حين يفضِّل آخرون أن تكون ملوَّنةً، أو أن تضاف إليها أوراق الذهب، وهناك عملاء يطلبون وضع زجاجٍ لحمايتها، أو اعتماد الحفر المفرَّغ والمطعَّم بالزجاج، فالزجاج له فائدةٌ كبيرةٌ عندما يضاف إلى هذه القطع، إذ يساعد في دخول الضوء إلى المنزل".
وفي ختام حديثها أبدت سعادتها بالملتقى قائلةً: "سعيدةٌ بحضوري اليوم في حي الطريف، حيث استطعنا أن ننشر تراثنا وثقافتنا، ونعرِّف الزوار بهما، كما استفدنا من المعلومات التي تمَّ تقديمها في الجلسات، وبإذن الله سنوظفها في أعمالنا المقبلة".
طرق بناء المنازل قديماً
الحرفي يوسف الحمدان، لفت إلى أن وجوده في الملتقى جاء لتعريف الزوار بطرق البناء في السابق ومراحله، وقال: "عرَّفنا الحضور على كيفية تشييد المنازل قديماً من الحجر والطين، والخشب، والجريد، والخوص، والجص، وكيف كنا نقوم باستخدام آلاتٍ عدة في ذلك، منها الفاروع، والفأس، والمسحاة". مضيفاً: "في السابق كنا نبني بيتاً كاملاً في شهرين، ونعتني بكل تفاصيله، بما في ذلك حمايته من الرطوبة والأمطار، وبناؤه بشكلٍ جميلٍ".
وذكر الحمدان في نهاية حديثه: "اليوم، نلاحظ إقبالاً جيداً على هذه المنازل المصنوعة من الطين، فهي جزءٌ من تراثنا العريق نحن السعوديين، فلا يخلو منزلٌ من ديوانيةٍ، أو غرفةٍ شتويةٍ من الطين".
اقرأ المزيد