المحاورة الشعرية هي فن يتخاطب به الشعراء فيما بينهم ويكون الحوار شعراً، فهو تراث عربي قديم لدى العرب منذ سوق عكاظ، حيث كان للعرب فيه موسم يجتمعون فيه ويأتي الشعراء ليتحاوروا فيما بينهم بالشعر ويفتخر كل شاعر منهم بنفسه وقومه وأفعال قومه ونسبه وحسبه.
يقول الشاعر طارق منير عضو اتحاد كتاب مصر لسيدتي: المحاورة الشعرية واحدة من الفنون الأدبية، وهذا الفن أو الموروث أصيل ومرتبط بتاريخ قبائل الجزيرة العربية ويوثق كثيراً مما كان يجري بينهم من نقاشات وأمور بعضها عام وبعضها خاص ذات طابع قبلي أو اجتماعي أو سياسي أو قضية شخصية أو دعابة وفكاهة، ولها عدة مسميات مختلفة منها، (المحاورة، الردِّية، القلطة)، ويعتمد هذا الفن على سرعة البديهة كونه شعراً مرتجلاً يدور بين شاعر وآخر مباشرة في وقت واحد، وهو أيضاً شعر غنائي يؤدى على لحن معين يطلق عليه "الطرق" وفي الفترة الأخيرة، تزايدت جماهيرية هذا النوع من الشعر، ومن ثم تزايد عدد شعرائه، وبدأت المحاورة في اتخاذ منحنى خطير، تمثل في التطرق لألفاظ تبدو أكثر جرأة.
تعريف المحـاورة وتسميتها
يقول الشاعر طارق منير: المحاورة هي الشعر الارتجالي الحاضر، وهي واحدة من أغراض الشعر الشعبي في الوطن العربي، وتأتي كلمة ( محاورة ) نسبة لكلمة تحاور، أو يقال فلان حاور فلاناً أي تخاطب مع فلان في حوار معيّن، وتسمى ( القلطة ) في أغلب الأوقات وكلمة ( قلطة ) كلمة شعبية تدل على أحد مسميات المناداة، ويقال أقلط يافلان، أو فلان قلط، أي تقدم بعد مناداته.
وهي تلتزم في تفاعيل وأوزان البحور الشعرية العربية الفصحى والشعبية كسائر أغراض الشعر الأخرى .
ولقد استمر هذا التراث العربي الأصيل إلى هذا الوقت الحاضر محافظاً على نفسه، برغم وجود الكثير من المنافسات له من جنسه كالحفلات الغنائية والأمسيات الشعرية وغيرها، ولكن بقي هذا التراث الشعري الفريد والذي تميز به العرب عن غيرهم به محافظاً على تواجده جيلاً بعد جيل، وأخذ كل جيل في تطويره حتى وصل إلينا اليوم بهذه الصورة التي هو عليها اليوم، فيه الالتزام والحرفية الماهرة وتصدح به حناجر الشعراء ممن لهم أصوات جميلة، وتقف خلف كل شاعر مجموعة من الحضور يرددون أبياته حتى يطفوا على المحاورة نوعاً من أنواع الحماس ويشحذوا همم الشعراء أيضاً.
والمحاورة تعدّ أحد الفنون الأدبية الشعرية ذات الشعبية الكبيرة، المتمثلة في كلام موزون له معنى يعتمد على الأوزان الشعرية، وينشد بلحن معين دون تحضيره مسبقاً بين اثنين على الأقل من الشعراء، ويعتمد على «الفتل والنقض» في حينه، ويدور بين شاعر وآخر مباشرة في زمان ومكان واحد، ويعتمد على سرعة البديهة والارتجال، ومن أشهر شعراء المحاورة "الجبرتي والمسعودي والسواط ومطلق الثبيتي ومستور العصيمي وأحمد الناصر الشايع وصياف الحربي وشليويح بن شلاح المطيري" وغيرهم.
ويمكنك بالسياق التالي التعرف على: كيف تختلف قصائد النثر عن قصائد الشعر الموزون؟
أنواع المحاورة
يمكن تقسيم المحاورة بالاعتماد على المعنى إلى نوعين:
- محاورة فاضلة: وهي التي تكون ذات معانٍ سامية سواء عن الساحة الشعرية أو سياسية أو اجتماعية سواء كان المعنى مدفوناً أو مكشوفاً.
- محاورة فضولية: وهي المحاورات التي تعتمد على النعرات القبيلة والشتم والسب والذم المباشر وما يقال له (نزول) لو صح التعبير.
الفتل والنقض
الفتل هو بيت الشعر الذي يحتاج لنقض أو يحتوي على معنى قابل للنقض، والنقض هو بيت الشعر الذي ورد فيه نقضاً لبيت الفتل. عليه يكون الفتل سابقاً للنقض والنقض لازماً ولاحقاً للفتل، والفتل على سبيل المثال في مثل قول الشاعر (سلام ردية) فيرد الآخر (هلا أو مرحباً) وهكذا، وأكثر صور النقض هي النفي والمعارضة، أو أن يصف الشاعر الثاني بأن الشاعر الأول كاذب. عليه يكون النقض واجباً، والفتل حاصل في كل بيت له معنى. وإن لم يجد الشاعر حيلة للنقض تلزمه المبالغة وإيراد بيت أكثر حكمة أو قوة، أو أن يعترف الشاعر الملزم بالنقض بصحة رأي الشاعر الذي فتل معناه.
دفن المعنى
من الاصطلاحات المشهورة في المحاورة (دفن المعنى) والمقصود منه التورية أو الحديث بشكل ألغاز، وحقيقة أن دفن المعنى سلاح ذو حدين، أي أنه ربما وجد شاعر لم يستطع فهم المعنى المدفون والذي رمز له الشاعر المقابل له، فيستمر الشاعران في الرمزية كأن يكون كل منهما قد دفن معنى مخالفاً لكلا المعنيين، وإذا نجح الشاعر في الرمزية واكتشف الشاعر المقابل له المقصود من المعنى المدفون تكون المحاورة في أجمل صورها. وغالباً ما يحدث دفن المعنى في المعاني السياسية، وحقيقة أن أكثر محاورات كبار شعراء المحاورة ذات معانٍ سياسية مدفونة بشكل محكم ومما يلزم دفن المعنى الرمزية كاستخدامهم لمفردة ذئب وهي في الغالب ترمز لشيء قوي، أو أن يصف الشاعر نفسه بالذئب على سبيل المدح والفخر، أو كلمة سيف للرمز للحكم، أو كلمة حوت وهذه ترمز لدولة ما وغيرها من الرموز وسياق الكلام يحدد معنى الرمز، لذلك لا يمكن أن نجزم بأن هذا الرمز لذلك المعنى.
عدة أنواع من المحاورات في الشعر العربي القديم
المحاورة السماوية
وتستخدم النجوم والكواكب كمحور أساسي فيها، وتعبر عنها بالفصحى و الشعرالعربي المختص بالأدب.
المحاورة الصفاتية
وتتميز بتركيزها على الصفات الخاصة بالمحورين اللذين يتباينان فيها، مثل المحاورات العاطفية والدينية والاجتماعية والترفيهية والمعرفية.
المحاورة الإسمية
وتتميز بتركيزها على الأسماء، سواء كانت أسماء الأشياء أو الأشخاص، ولها أغلبية في الشعرالعربي القديم.
المحاورة النحوية
وتحاكي بمحورها قواعد النحو والصرف في اللغة العربية، وتساعد على تبسيطها من خلال عملية التصوير والتوضيح.
المحاورة الرمزية
وتعتمد على استخدام الرموز والرموز المجازية كمحور أساسي فيها، وتستخدم في الشعر العربي القديم كأداة للتبيين والتشبيه.
المحاورة الإيقاعية
وتتميز بتركيزها على الإيقاع والتناغم بين الأبيات، وتستخدم في الشعر العربي القديم كآلية لزيادة الإيقاع والجمالية في النص.
المُحاورة الثابتة
وهي المحاورة التي يتم فيها استخدام كلمة أوعبارة معينة بشكل متكرر في الأبيات المتتالية.
المُحاورة اللفظية
وهي المحاورة التي يتم فيها استخدام الكلمات المتشابهة في اللفظ، وتكون متميزة بالتفاعل الصوتي المميز.
المُحاورة الدلالية
وهي المحاورة التي يتم فيها استخدام الكلمات التي تتشابه في المعنى، وتتميز بالتفاعل الدلالي المميز.
المُحاورة الصورية
وهي المحاورة التي يتم فيها استخدام الصورالشعرية المتشابهة، وتتميز بالتفاعل البصري المميز.
ومن خلال السياق التالي يمكنك التعرف على: الشعر الغنائي وكيف كانت البداية