اكتشفوا القصة وراء اللحن العبقري لموسيقى حكايات ألف ليلة وليلة

موسيقي يعزف على البيانو
موسيقي يعزف على البيانو حيث موسيقى الشرق نغماتها ساحرة

من منا لم يستمع لموسيقى "حكايات ألف ليلة وليلة" ويستمتع بها؟ ومن منا لم تخطفه نغماتها الحالمة وألحانها الخلابة المذهلة وإيقاعاتها الفريدة المعبرة فيخلد إلى عالم من السحر والخيال والغموض تخطفه حكاياتها الأسطورية وقصصها الخرافية ورومانسيتها المتدفقة، ومغامراتها الشيقة، وأحداثها المثيرة الغامضة وأبطالها الأيقونيين، وحيث تتدفق الموسيقى الساحرة المعروفة باسم "شهرزاد" أحد أشهر الأعمال الأوركسترالية للملحن الروسي الشهير ريمسكي كورساكوف.
"سيدتي" تكشف لك (من موقع houstonsymphony-org) القصة وراء هذه التحفة الفنية الخالدة، التي وعلى الرغم من مرور ما يقرب من القرن والنصف على تأليفها، إلا أنها ما زالت تخلب الألباب، وتذهل العقول، وتهز الأفئدة، فتلقي بك بين فضاءات الشرق القديم بأجوائه الأسطورية حيث يدعوك كورساكوف، الموسيقي العبقري لرحلة مشبعة بالألوان والأجراس والإيقاعات، تتجول من خلالها في عوالم السحر والإبداع والتألق عبر أربع حركات موسيقية كل منها أكثر بريقاً من سابقتها.

خسارة قاسية تكرّس لمولد لحن عظيم

بحسب موقع houstonsymphony-org، بدأت الحكاية في 27 فبراير 1887، حيث كان الملحن الروسي الشهير ألكسندر بورودين (أحد الخمسة العظام من مجموعة سانت بطرسبرغ، موديست موسورسكي، وسيزار كيوي، ريمسكي كورساكوف، ألكسندر بورودين، ميلي بَلاكيريف، الذين كرسوا للموسيقى الروسية في القرن التاسع عشر) يحضر حفلة عندما سقط ميتاً إثر نوبة قلبية بعد أن رقص الفالس. أحدثت الوفاة المفاجئة للملحن البالغ من العمر 53 عاماً صدمة في الأوساط الموسيقية الروسية، والذي كان بورودين أحد أبرز نجومهم. وكانت الخسارة قاسية بشكل خاص على صديقه وزميله الملحن نيكولاي ريمسكي كورساكوف. على الفور تقريباً، ذهب ريمسكي كورساكوف إلى شقة بورودين لحفظ موسيقاه. هناك استعاد تحفته غير المكتملة، أوبرا "الأمير إيغور"، رغبة منه في إنقاذ إنجاز بورودين المتوج من النسيان، حيث قرر ريمسكي كورساكوف إكماله.
بحسب الموقع السابق وحيث كان ريمسكي كورساكوف يعمل بجد على إنهاء أوبرا "الأمير إيغور" بالعام 1888، وكانت الأوبرا مليئة بالألحان المذهلة والنغمات الغريبة الآسرة بالنسبة لكورساكوف، استوحى كورساكوف منها موسيقى ألف ليلة وليلة، فقد ألهمت هذه الأوبرا بأجوائها الشرقية الغنية خيال ريمسكي كورساكوف لوضع الإرهاصات الأولى لمجموعة أوركسترا مليئة بالألحان الآسرة لحكايات ألف ليلة وليلة الأسطورية.
قد ترغبين في التعرف إلى: كيف قدَّمت الموسيقى العربيّة أفكار الشباب؟

ألف ليلة وليلة تاريخ حافل مثلها مثل الحكايات


 

حكايات ألف ليلة وليلة والمعروفة لدى الغرب بـ"الليالي العربية" ذات تاريخ حافل مثلها مثل الحكايات نفسها، فقد تم اقتراح مصادر هندية وفارسية وعربية للحكايات الفردية، وتم العثور على المراجع الأولى لمجموعات "ألف ليلة" في وثائق تعود للقرن العاشر، وتعود أقدم مخطوطة باقية إلى القرن الرابع عشر في سوريا، والتي قام أنطوان غالاند بتعديلها بحرية لإنشاء نسخة فرنسية، ومن خلالها تم تقديم الليالي إلى أوروبا لأول مرة في أوائل القرن الثامن عشر، ويُعتقد أن ترجمة نسخة غالاند هي التي ألهمت ريمسكي كورساكوف.
تدور الحكايات في إطار جامع حول الملك القاسي شهريار، والذي يتزوج عروساً جديدة يعيش معها ليلة واحدة فقط ليتم إعدامها عند الفجر، حتى يلتقي شهرزاد التي تنقذ نفسها وتنتصر، فتسرق قلبه عن طريق سرد القصص، والتأكد من أن كل ليلة تنتهي في منتصف الحكاية لتشعل فضول شهريار فيتركها حية لتكمل له باقي الحكاية في اليوم التالي، إلا أن شهرزاد لا تنهي الحكاية وتظل الحكايات تتوالى لتكمل ألف ليلة حية بدون أن تُقتل، وقد ذكر كورساكوف في مذكراته أن الحكايات التي استرشد منها تأليف موسيقى شهرزاد تتألف من حلقات وصور منفصلة وغير متصلة من حكايات ألف ليلة وليلة، وهو ما جسده في ألحانه حيث ظهرت الحكايات متناثرة في جميع الحركات الأربع للموسيقى السيمفونية.

أربع حركات للموسيقى السيمفونية

بحسب موقع classical voice الموسيقي sfcv-org، فقد قصد كورساكوف من ألحان "حكايات ألف ليلة وليلة" والتي أطلق عليها "شهرزاد" عدداً من التلميحات لتوجيه خيال المستمع قليلاً، فقد تمنى أن المستمع، إذا أعجبته مقطوعته كموسيقى سيمفونية، يحمل الانطباع بأنها بلاشك رواية شرقية لبعض عجائب الحكايات الخيالية العديدة والمتنوعة، وليست مجرد أربع مقطوعات يتم عرضها واحدة تلو الأخرى، على أن الحكاية الوحيدة التي أكدها ريمسكي كورساكوف في لحنه وكرس لها هي القصة الإطارية (قصة شهريار وشهرزاد) والتي صورها بوضوح من خلال الموسيقى، تتكون موسيقى شهرزاد من أربع حركات موسيقية:

الحركة الأولى: البحر وسفينة السندباد

في خلال هذه الحركة هناك صوتان مميزان يمثلان أبطال اللحن، الأول هو «شهريار» ويعبر عنه الآلات النحاسية والوتريات العريضة بإيقاعها المهيب والمخيف التي تناسب شخص شهريار الملك، أما الصوت الثاني فهو لـ «شهرزاد» ويمثله الصوت الآسر للكمان مع الهارب بأصوات تتابعية.

الحركة الثانية: الأمير الكالنداري

تبدأ الحركة بعزف ناعم للكمان مع الهارب، حيث تشرع شهرزاد في سرد قصتها لشهريار تمهيداً لبدء التكوين الأول ذي الإيقاعين الراقص أولاً، ثم الخطابي ثانياُ (الذي يحكي قصة الكالنداريين).

الحركة الثالثة: الأمير الشاب والأميرة

تبدأ الحركة بعزف متدفق على الوتريات يمثل الأمير الشاب، يقابله عزف ممتد على الكلارينت يصور الأميرة الشابة. بعد ذلك يمكنك أن تتخيل أروع قصص الحب التي تتمناها وأنت تستمع لهذه الحركة فالألحان خفيفة بديعة تتخللها نغمات الفلوت الراقصة.

الحركة الرابعة: الاحتفالات في بغداد

تزامن العزف يصل إلى ذروة البراعة، حيث قصة السندباد وتحطم السفينة وصراعه مع الأمواج حتى يعود لشهرزاد وكيف أثرت بشهريار وافتتن بها، ليختتم اللحن معلناً إذعانه أخيراً لتفوق المرأة وذكائها وعشقه لها.
 

ريمسكي كورساكوف

يُذكر أن ريمسكي كورساكوف أحد ألمع منسقي الأوركسترا وأكثرهم حيوية في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية. وعلى الرغم من انغماسه في التقاليد الروسية إلا أن أسلوبه أخف وأكثر إشراقاً من أسلوب زملائه، مجموعة سانت بطرسبرغ، اشتهر بأوبراته، وعدد كبير من الأجنحة الأوركسترالية المأخوذة منها، وقصائده السيمفونية.
يمكنك التعرف كذلك إلى عبقري موسيقي آخر إذا تابعت الرابط: العبقري موزارت أيقونة موسيقية خالدة رغم حياته القصيرة