لطالما لعبت فرشاة الرسم دوراً أساسياً في إنشاء عدد لا يُحصى من التحف الفنية المدهشة واللوحات الإبداعية المتفردة فرسمت ودهنت وتدفقت، وسالت وصالت وجالت، فمزجت وجمعت ودمجت، وملأت فراغات وتكتلت في مساحات لتُخرج إبداعات الفنانين تخطف الأبصار، وتهز القلوب، وتسحر العقول لآلاف السنين، ففرشاة الرسم تحمل تاريخاً غنياً ورائعاً يمتد منذ الحضارات القديمة وحتى العصر الحديث.. بالسياق التالي "سيدتي" تدعوكِ للتعمق في رحلة فرشاة الرسم الآسرة واستكشاف المواد المختلفة التي استخدمتها الحضارات المختلفة، وتطورها على مر السنين من خلال لقائها مع الفنانة التشكيلية روان ياسر فهمي.
ما هي الفرشاة؟
بحسب الفنان الألماني الشهير أنسيلم فيورباخ (1829-1880) فالفضائل الثلاث التي يجب أن يتمتع بها كل فنان: "قلب حساس، وعين جيدة، وخفة حركة في اليدين وهو ما يمثل أفضل فرشاة".
تقول روان ياسر فهمي لسيدتي: تطورت فرشاة الرسم وتكيفت، تاركةً بصمة لا تُمحى في عالم الفن، وعندما نتحدث عن فرش الطلاء، فإننا نؤكد أنها قد تبدو أداة متواضعة بالتأكيد مقارنة لما يُقدم بواسطتها من إبداع، ولكن بدون اختراعها لا يمكن تصور العديد من الوثائق الثقافية الفنية الإنسانية اليوم، ويمكننا أن نقارن أهمية الفرشاة بالقلم بالنسبة للكاتب أو بالإزميل بالنسبة للنحات، وإذا كان علينا أن نشرح ما هي الفرشاة، فيمكننا ببساطة نسخ ما يخبرنا به أي قاموس للغة فما هي إلا "حزمة من الشعر متصلة بالنهاية بمقبض عادة ما يكون مصنوعاً من الخشب، وتستخدم الفرش لنشر الألوان على القماش أو الورق والكرتون. ، إلخ..".
تقول روان ضاحكة: "إذا فضلنا وصفا أكثر شاعرية لفرشاة الرسم فيمكننا تعريفها بأنها "جهاز إبداعي ينقل حساسية الفنان عن طريق تحويل إلهامه إلى فن".
وإذا تابعت السياق التالي ستتعرفين إلى تقنية أخرى للرسم من خلال قلم "الحبر الجاف".. فمن اخترعه ولماذا شكّل طفرة في الكتابة؟
أول فرشاة ظهرت منذ 25 ألف سنة
أول فرشاة وُلدت على الأرجح منذ حوالي 25000 سنة، في المرحلة الأخيرة من العصر الحجري القديم، ابتكر الإنسان ما يُعرف بالفن الصخري الذي توجد أمثلة كثيرة له في شبه الجزيرة الأيبيرية. وهناك اللوحات الأكثر شهرة في "كهف التاميرا"، هؤلاء البشر الذين عاشوا في الكهوف، والذين كانوا يرتدون الجلود، وكانوا على دراية بالنار والحفاظ عليها، بدأوا في تزيين جدران موائلهم، تلك اللوحات التي نجت حتى يومنا هذا تم رسمها باستخدام فرش بدائية للغاية، عبارة عن أغصان رفيعة ذات خصلة من شعر حيوان مربوط في أحد طرفيها.
تقول روان: وصولاً للفراعنة ومصر القديمة سنجد جميع المقابر المكتشفة لشخصيات نبيلة ومقدسة بالإضافة للمعابد والهياكل، والتي وجدت مزينة بلوحات رائعة، كلها مصنوعة من فرش من شعر الحيوانات، حيث استخدم الفنانون أسلوباً مختلفاً لصناعة فرش الرسم باستخدام القصب أو الأغصان الرفيعة. أتاحت لهم هذه الأدوات البدائية إنشاء جداريات ولوحات نابضة بالحياة وملونة على ورق البردي وجدران المقابر، مما أظهر تنوع فرشاة الرسم وأهميتها في التعبير البصري.
ظهرت فرش الرسم في الثقافة الصينية، حيث كان المسؤولون وعلية القوم يوقعون على القوانين أو الاتفاقيات الدولية بفرشاة بسيطة من الخيزران مع ربط شعر الحيوانات في نهايتها، مما أدى إلى ظهور أقدم أشكال الفرشاة التي نعرفها اليوم.
يأتي العصر الروماني، حيث كان شعر الفرش يُصنع من خصلة من شعر ذيل ثور، أو حصان، أو كلب، أو حتى حيوانات برية وكانت الشعرات تُدخل في ريشة طائر أو تُربط بحبل نباتي أو جلدي بمقبض بدائي من خشب البندق أو شجر البرتقال، حيث كان على المرء أن يضيف قواه الخاصة لتزويد نفسه بالأدوات والملحقات اللازمة لعمله، وفي الوقت نفسه، في اليابان، تم تصنيع الفرش باستخدام تقنيات دقيقة، باستخدام مواد مثل شعر السنجاب أو الماعز أو ابن عرس.
في العصر الذهبي الإسلامي، ازدهر فن رسم المنمنمات، واستخدم الفنانون فرشاً مصنوعة من أجود شعر الحيوانات المختلفة، بما في ذلك السمور والنمس والجمل. كانت هذه الفرش رقيقة بشكل لا يُصدق وسمحت للفنانين بإنتاج أعمال فنية معقدة ومفصلة.
بالسياق التالي ستتعرفين إلى: جينيفر مايستر التي تعيد استخدام أقلام الرصاص الملونة بشكل جديد
الإرهاصات الأولى لتصنيع فرش الرسم الحديثة
بحسب موقع universalpaints-co-za ، طوال العصور الوسطى وعصر النهضة، استمرت فرشاة الرسم في التطور، حيث قام الفنانون بتحسين تصميمها ليناسب احتياجاتهم الخاصة. أصبحت مقابض الفرشاة أكثر راحة، مما يسمح بتحكم وراحة أفضل أثناء جلسات الرسم الطويلة. خلال هذه الفترة، ظهرت فرش ذات أطراف أكثر دقة، مما مكن الفنانين من إنتاج خطوط وتفاصيل أكثر دقة في أعمالهم الفنية.
جلبت الثورة الصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تطورات في تصنيع الفرشاة في فرنسا وألمانيا، وفي مجموعات عائلية بحتة، ظهرت أولى الشركات المصنعة المتخصصة في صنع فرش الفنون الجميلة وفقاً لتوجيهات الفنانين أنفسهم، وكانت الفرش تُصنع من ريش الطيور الكبيرة كالنعامة مثلاً، أو من شعر الحيوانات حيث كان الشعر يتم تجميعه بشكل عشوائي ليتم تصنيع المقابض يدوياً بواسطة النجار، باستخدام الأخشاب التي يجب بالضرورة أن تكون سهلة التلميع، ويجب ألا تحتوي على عقد، ويجب أن يكون لها وزن معقول ولا ينبغي أن تلتف بسهولة؛ وهذه صفات المقابض الخشبية والتي لم يكن العثور عليها بذات السهولة.
بمرور الوقت سمحت تقنيات الإنتاج الضخم بفرش أكثر اتساقاً وبأسعار معقولة، مما يجعلها في متناول مجموعة واسعة من الفنانين، وفي الوقت الحالي، تطورت صناعة الفرش بشكل كبير ويمكننا الآن العثور على جميع أنواع الألياف الاصطناعية التي تُحاكي الشعر الطبيعي تماماً والفرش الصديقة للبيئة.
أغلى فرش الطلاء في العالم
في العصر المعاصر، حققت بعض فرش الطلاء مكانة مرموقة، وأصبحت عناصر لهواة الجمع أو رموزاً للهيبة. واحدة من أغلى فرش الرسم في العالم هي فرشاة "Kolinsky Sable". هذه الفرش مصنوعة من شعر ذيل ابن عرس السيبيري، وتشتهر بجودتها ومتانتها الاستثنائية. ومع ذلك، أدت المخاوف بشأن المصادر الأخلاقية لهذه الشعرات إلى زيادة الاهتمام بالبدائل الاصطناعية.
ويمكنك من الرابط التالي التعرف على فنان جزائري ينحت تماثيله المذهلة على رؤوس أعواد الثقاب وأحمر الشفاه وحبوب الأرز
لقد قطعت فرشاة الرسم شوطاً طويلاً منذ نشأتها المتواضعة في الحضارات القديمة وحتى يومنا هذا. من عصي الخيزران وشعر الحيوانات إلى الألياف الاصطناعية، وقد تكيفت الفرشاة مع الاحتياجات والقيم المتغيرة لكل عصر. وتطورها هو شهادة على الطبيعة الخالدة للتعبير الفني والبراعة الرائعة للإبداع البشري، وسواء كانت ضربة فرشاة دقيقة في مخطوطة قديمة، أو لمسة جريئة من الألوان في لوحة معاصرة، أو فرشاة مثالية لتغطية جدرانك، تظل فرشاة الطلاء رفيقاً لا غنى عنه في رحلة الإبداع الفني.
والآن بعد أن تعرفت لتاريخ وسيلة الرسم والإبداع "الفرشاة"، يمكنك التعرف إلى: تاريخ لوحات القماش وكيف يحكي بفخر حكايات فناني العالم الأسطورية