غرائب وعجائب قصر دوجي في فينيسيا

قصر دوجي
قصر دوجي فينيسيا

تشتهر فينيسيا بقصورها الرائعة المنيفة بطرزها المعمارية الأنيقة وزخارفها الهندسية الدقيقة، والتي تعكس ذاكرة الزمن وتعاقب الأيام وذائقة الفن السائدة في حقب متوالية، وما بين الباروكي بتأثيراته الدرامية وخطوطه المنحنية وزخارفه الحائطية المتقنة إلى القوطي بنوافذه الدائرية وزجاجها المعشق بألوانه الكرنفالية الرائعة الممتلئة بالضوء وأقواسه المعمارية المدببة المستمدة من العمارة الإسلامية، حتى الرينيسانس بمناحيه الهندسية وتماثلاته وتوافقاته وأقواسه شبه الدائرية وغيرها من الطرز الرائعة، والتي ظلت قابعة بطول الزمان وعرضه، تتحدى تغيراته، وتتماهى مع تقلباته، لتبقى قابعة راسخة تجذب القاصي والداني، فيستمتع بروعة البناء ودقة التفاصيل وحرفية التصميم، وفي ظل انطلاق مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، ومع ما يُتيحه من جرعة فنية وثقافية وسينمائية من أحداث ولقاءات وندوات وأفلام وورش تُقام بقصر السينما وعدد آخر من القصور والمنشآت التاريخية الفينيسية الرائعة "سيدتي" ستعرض لك  (من موقع palazzoducale.visitmuve.it) عن غرائب وعجائب أحد أشهر قصور فينيسيا وأقدمها وهو قصر دوجي..

قلعة دفاعية بيزنطية وقصر لإقامة الحاكم

يقع قصر دوجي (تعني قصر الدوق) في فينيسيا في ساحة القديس مرقس الشهيرة، ويعده الكثيرون رمزاً للقوة التي تمارسها جمهورية البندقية على البحر والبر، فقد كان المقر السابق للحكومة ومقر إقامة دوق فينيسيا (الحاكم)، وعلى الرغم من الانطباع الموحد الذي يستشعره المشاهد للواجهات التي تتكون من بناء مركب، إلا أن عمارة المبنى تخضع باستمرار للتحولات التي امتدت من القرن التاسع إلى القرن الثامن عشر، فقد وُلد القصر كقلعة بيزنطية أو مبنى للدفاع عن المدينة، وتم ترميمه وتوسيعه على يد دوجي (دوق) سيباستيانو زياني ابتداءً من عام 1173، حيث يروي كل جزء من القصر قصةً فريدةً من نوعها عن الحياة والحكم في هذا المكان الاستثنائي، مما يشهد على مدى تعقيد وأهمية دوره في النسيج التاريخي لمدينة البندقية.
قد ترغبين في التعرف إلى: 6 أماكن جذابة تستحق الاستكشاف خلال زيارتك إلى فينيسيا

غرائب وعجائب قصر دوجي

لا يُعرف الموقع الدقيق لبدايات القصر الأولى

لم يُعرف سوى القليل عن الشكل والموقع الأصلى الدقيق للنواة الأصلية للقلعة الدفاعية والتي تحولت لقصر دوجي لاحقاً، إلا أنه وبحسب المؤرخين فقد كان البناء الأصلى للقصر يقع بالقرب من جسر باجليا، على القناة الكبرى. أي عند النقطة التي تحتلها الواجهة البحرية من القصر الآن، وقد كان الشكل الأصلى لقصر دوجي عبارة عن مبنى محصن بجدار وأربعة أبراج زاوية لا تزال بقاياها محفوظة حتى اليوم. وكانت تضم مناطق للتدريب ومكاتب عامة، ومقر المحكمة، والسجون، وشقق، وبيوت الكلاب، بالإضافة إلى الإسطبلات ومستودعات الأسلحة.

تعرَّض قصر الدوجي للتدمير عدة مرات

الواجهة الخارجية لقصر دوجي
  • منذ فجر بنائه تعرَّض مبنى قصر دوجي للتدمير عدة مرات بالنيران وأُجريت العديد من عمليات إعادة البناء منذ عام 1340، أولاً على الطراز القوطي وبعد ذلك وفق طراز الرينيسانس حسب قوانين عصر النهضة، ليصبح قصراً للدوق أو الحاكم، حيث تم تزيينه بشكل غني من قبل دوجي (دوق) بيترو أورسيولو الثاني، والذي صممه على غرار قصر دقلديانوس (الإمبراطور الروماني من 284 إلى 305) في سبليت، مما ألهم المباني البيزنطية الأخرى التي نشأت في المدينة في ذلك الوقت، من بينها فونداكو دي تورتشي.
  • في القرن الثامن عشر، بعد الاضطرابات السياسية بسبب سقوط جمهورية البندقية التي احتلها الفرنسيون، ومن ثم الغزو النمساوي، أصبح القصر مقراً للمكاتب الإدارية والمقر الجديد لمكتبة مارشيانا الوطنية.
  • بعد ضم فينيسيا إلى مملكة إيطاليا عام 1866، خضع المبنى لعملية ترميم كبيرة وأصبح ملكاً للدولة في عام 1923.

الدوق يعيش في غرفة صغيرة نوعاً ما

حتى القرن السابع عشر، كانت الغرف المخصصة لسكن دوجي تتميز بصغر حجمها نسبياً، وغالباً ما تكون أصغر من تلك التي اعتاد عليها في حياته الخاصة، وقد كان هذا الاختيار مقصوداً، ويهدف إلى التقليل من "عظمة" دوجي والتأكيد على أولوية جمهورية البندقية على دوره الفردي.

مارينو فالييرو والستارة السوداء (تينتوريتو)

تحت سقف قاعة المجلس الكبير (أحد أكبر قاعات القصر وكانت تُستخدم في تداول شؤون الحكم)، يوجد إفريز من تصميم تينتوريتو يعرض صوراً لأول ستة وسبعين دوقاً في البندقية من 804 إلى 1556. في هذا التمثيل، يحمل كل دوق رقماً يوضح أهم الأعمال التي تم تنفيذها خلال فترة خدمته.
من بين الصور، هناك صورة قماشها أسود هي لمارينو فالييرو، الدوق الذي قام في عام 1355 بمحاولة انقلاب وحُكم عليه بالإعدام بقطع الرأس، وتحمل قطعة القماش نقش "HIC EST LOCUS MARINI FALETRO DECAPITATI PRO CRIMINUS" يعني هذا هو المكان الذي تم فيه قطع رأس مارينو فالييرو بسبب جرائمه.

أحد أفضل الأمثلة على العمارة الفينيسية عبر التاريخ

  • يشتهر قصر دوجي بكونه تحفةً من فن العمارة القوطية في مدينة البندقية مع إضافات من طراز الرينيسانس والطراز الباروكي.
  • للوهلة الأولى، يجذب المبنى الانتباه بجماله حيث العلاقات المعمارية التي تبدو مقلوبة كالرواق والممرات بأقواسها المفتوحة والتي تدعم الكتلة الهائلة من الجدران في الطابق العلوي.
  • يتكون مبنى القصر من ثلاثة مبانٍ تتمحور حول فناء واسع:
  1. الجناح المتجه نحو حوض سان ماركو هو الأقدم، وقد أعيد بناؤه عام 1340؛
  2. الجناح المتجه نحو ساحة القديس مرقس (قصر العدل سابقاً)، بُني عام 1424؛
  3. جناح عصر النهضة الموجود على الجانب الآخر، والذي أُعيد بناؤه بين عامي 1483 و1565، وهو يضم مقر إقامة الدوجي (الدوق) والمكاتب الحكومية.

وإذا تابعت السياق التالي ستتعرفين على: قصور أثرية شاهدة على التاريخ العريق!

الواجهة الخارجية لقصر دوجي

غرفة العذاب

يوجد بالقصر غرفة تسمى غرفة العذاب وهذا المكان يبث الرعب في قلوب المتهمين، وكان يمثل جواً من الرعب والقمع، فقبل أن يحين دورهم للاستجواب، كانوا يُجبرون على الانتظار في ظلام دامس، حيث تتردد أصداء صرخات الألم في الهواء، على الرغم من أن هذه الصرخات كانت في الواقع محاكاة من قبل ممثلين مدفوعي الأجر، وهي خدعة مصممة لإثارة الرعب في قلوب المتهمين للحصول منهم على اعتراف بالجريمة المزعومة التي ارتكبوها.
هذه النظرة القاتمة لتاريخ قصر دوجي تشهد على الأساليب القاسية المستخدمة في الاستجوابات والنظام القضائي في ذلك الوقت، وتُقدم صورةً مؤثرةً للمصاعب التي واجهها السجناء.

جسر التنهدات، ثم جسر العشاق

أدى نقل السجون المسماة "بيومبي" التابعة للقصر من الطابق العلوي إلى مبنى آخر يواجه ريو دي بالازو والذي جعل من الضروري بناء جسر التنهدات لأنطونيو كونتين. (يأتي الاسم كعلامة على الأفكار المعذبة التي تعذب أذهان المحكوم عليهم الذين بمجرد عبورهم الجسر، سوف يتنازلون عن حريتهم)، إلا ان الحال تبدل فعقب فترة طويلة انتشرت أسطورة أنه إذا تبادل زوجان قبلة تحت الجسر بينما يقرع برج جرس سان ماركو القريب أجراسه، فسوف يفوزان بالحب الأبدي وقد حُوّل جسر التنهدات إلى جسر العشاق بامتياز، حيث القلوب العاشقة التي يجذبها هذا الوعد الرومانسي.

هروب أسطورة العشق كازانوفا

في يوليو 1755، تم القبض على المغامر الشهير دون خوان جياكومو كازانوفا، البالغ من العمر ثلاثين عاماً، وسجنه في سجن بيومبي، الواقع في علية قصر دوجي، وكان كازانوفا رجلاً رياضياً طويل القامة وسيماً ذا صوت دافئ وعميق، وعُرف عنه أنه عاشق للنساء ومغامر ماهر، وقد سُجن في غرفة صغيرة مغطاة بالكامل بالخشب كانت زنزانته تقع فوق غرفة محققي الدولة الثلاثة المسؤولين عن الأحكام القضائية، وقد قام كازانوفا بحفر حفرة في الأرضية الخشبية بمسمار حديدي كان يخبئه داخل الكتاب المقدس، وبواسطة خدعة بارعة، تمكن من حفر ثقوب للهروب، وفي ليلة الأول من نوفمبر، هرب من النافذة، مع الأب بالبي زميله بالسجن، حيث اعتُقد بالخطأ أنه قاضي التحقيق وقد تم تأريخ وتسجيل هروب كازانوفا الجريء من قصر دوجي في الصالونات في جميع أنحاء أوروبا لسنوات.

مباني تُحاكي الطراز المعماري لقصر دوجي

ترجع أهمية قصر دوجي إلى هندسته المعمارية التي تُعد من أفضل الأمثلة على العمارة القوطية الفينيسية، وإلى ثروة التراث الفني التي يضمها بداخله، وإلى القيمة التاريخية والرمزية التي يمتلكها المبنى؛ في الواقع، كان يضم الهيئات التمثيلية لجمهورية البندقية وشقق الدوق (عددها 20 شقة).
هناك العديد من المباني التي حاولت محاكاة الطراز المعماري لقصر دوجي خاصة في المملكة المتحدة. ومن الأمثلة البارزة معهد ويدجوود في بورسلم، ومطحنة تمبلتون للسجاد في غلاسكو، وبورصة الصوف في برادفورد، ومعرض الصور الوطني الأسكتلندي في إدنبرة، وقد كانت هذه المباني مستوحاة من جماليات وأناقة العمارة الفينيسية، وكانت تهدف إلى التقاط جوهر قصر دوجي وأهميته الثقافية والتاريخية. ومن خلال التفاصيل المعمارية والزخرفية، خلقت انعكاساً لقصر البندقية المهيب في سياقات جغرافية وثقافية مختلفة.
قد ترغبين في التعرف على: إعادة افتتاح قصر إمبراطوري مهمل كمتحف في روما