سجلت القصة القصيرة جداً حضوراً قوياً من ناحية الإبداع والتلقي استرعى اهتمام النقاد، فتجسد هذا الاهتمام في محاولة ضبط مفاهيمها وأصولها، والقصة القصيرة جداً أحد تحولات الكتابة السردية، ولقد ساعدت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي على ظهورها وتطورها على نحو سريع، وبعد أن تبدّلت حاجات الناس وثقافتهم، ونما التفاعل مع كلّ ما هو جديد، ولمّا كان كلّ شيء من حولنا يتغيّر بصورة حادّة وصادمة وسريعة، كان لابدّ من بروز نسق أدبي جديد يناسب المضمون المعرفي والحضاري الجديد.
القصة القصيرة جداً استجابة لتحولات العصر الثقافية
يقول الشاعر والأديب صالح شرف الدين عضو شعبة الخيال العلمي باتحاد كتاب مصر لسيدتي: اليوم في عصر العولمة، وفي عصر السّرعة والتكنولوجيا، والتطوّر العلمي والتقني والرقمي طرأت على الذهنيّة البشريّة تحوّلات وتطوّرات فكريّة، لذا كان لابدّ للمتلقي من أن يتجاوب مع النّصوص الأدبيّة الصغيرة الحجم، المصقولة التعبير، المكثفة المعاني، الخصبة الإيحاء، التي تتطرق لموضوعات جريئة محدّدة فلا تُشتّت الفكر إنما تضيء على قضايا ملحّة، ولقد تمثلت هذه النّصوص الأدبيّة القصيرة بأشكال متعدّدة، وتناولها القرّاء تحت مسمّيات متعدّدة كالشذرة، والومضة، والومضة الشعرية، والقصّة الومضة، والقصّة في دقيقة، والقصّة المينيمالية، والقصّة القصيرة جداً.
هل القصة القصيرة جداً كنسق أدبي ولد من رحم العصر الحديث ومازالت ترزح تحت وطأة صراع الرافض والقابل لها؟
يقول صالح شرف: "القصة القصيرة جداً لا تعاني بينما الرافضون لها هم من يعانون من رفض بلا منطق".
القصّة القصيرة جداً، فتحت آفاقاً تعبيرية لا حدود لها في مجال الكتابة القصصية، والرفض لها غير منطقي، وغير علمي، وغير أدبي، وهي تجمع بين التكثيف والمفارقة والإدهاش واستخدام الرمز والإيحاء والتلميح في أغلبها، ويتراوح حجمها بين السطر وعدة أسطر قليلة، والصحيح أنها منذ نشأتها إلى اليوم مثار للخلاف بين قبول ورفض، حيث أثيرت حولها جدلية بين قبول ورفض شأنها شأن كل نسق أدبي مستحدث في وقته، فتقاذفت الاتهامات بين الرافضين والمؤيدين من النقاد والأدباء والمتابعين، فالرافضون الذين يأخذون عليها بأنها فنٌّ لم تتخذ مشروعيتها بعد، وهي تخريب لنسق القصة ويجب عدم النظر والاهتمام لمن يكتبه، بينما أقر المؤيدون بشرعية هذا النسق الأدبي وحق الكاتب في أن يكتب هذا النص الأدبي الذي يحمل الكثير من اللقطات الجميلة، والقصة القصيرة جداً تحتاج لموهبة وخبرة، فالقدرة على الإيجاز أصعب من القدرة على الإسهاب، ومن يقرأ القصص القصيرة جداً الشهيرة، وكيف تم نقدها، من المؤكد أنه سيستمتع بالإبداع فيها، القصة القصيرة جداً لا تعاني بينما الرافضون لها هم من يعانون من رفض بلا منطق.
وإذا تابعت السياق التالي ستعرفين لماذا تتصدر القصة القصيرة الواجهة الثقافية في السعودية؟
عناصر القصة القصيرة جداً وأركانها
القصّة القصيرة جداً بإيجاز شديد عنوان من جسم القصة لا يشي بمضمونها، وتعتمد على التكثيف الشديد في المعنى الدلالي للألفاظ، فتكون الألفاظ موحية وتثير التأويلات، فتتجاوز المعنى الأحادي للمفردة المستخدمة، كما أنها تعتمد على تكنيك المفارقة بمعنى أن يتحدث الكاتب عن شيء ثم يصل لنهاية غير متوقعة للقارىء، وهي يمكن أن تكون سطرين أو ثلاثة على الأكثر، وكلما كانت القصة القصيرة مكثفة بشكل أكبر وقلت عدد كلماتها كلما كانت ذات دلالة أكبر وتكنيك قوي.
اختلافات القصة القصيرة جداً عن القصة القصيرة التقليدية
وتشترك القصة القصيرة مع القصّة القصيرة جداً في وجود بطل وحدث ونهاية، ويختلفان في كون أن القصيرة جداً مكثفة ونهايتها تكون غير متوقعة، وحجمها من كلمتين إلى 120 كلمة، وهي لا تصرح بزمان أو مكان أو شخوص أو عقدة أو حل مثل القصة التقليدية، لكنها تحث المتلقي على أن يتخيل، وتتجلى أركان القصة القصيرة جداً الأساسية في القصصية، والجرأة، والوحدة، والتكثيف، والمفارقة، وفعلية الجملة، والسخرية، والإدهاش، واللجوء إلى الأنسنة، واستخدام الرمز والإيماء والتلميح والإيهام، والاعتماد على الخاتمة المتوهجة الواخزة المحيرة، وطرافة اللقطة، واختيار العنوان الذي يحفظ للخاتمة صدمتها.
قد ترغبين في التعرف أكثر إلى خصائص القصة القصيرة
هل القصة القصيرة جداً مازالت في الطور الأول من التجريب، ولم تتبلور عناصرها ومستلزماتها؟
لا يجرب في القصّة القصيرة جداً إلا من لم يقرأ ما كتبه النقاد الكبار عنها في مصر وفي خارج مصر أمثال د.عز الدين إسماعيل، د. مسلك ميمون، فهما ممن بلورا للقصة القصيرة جداً معايير تخرجها من طور التجريب.
ماذا أضافت القصة القصيرة جداً للأدب العربي من جماليات؟
يقول: من المؤكد أن الأدب العربي ولغته العربية يواكبان التطور الأدبي في العالم ويتفوق أدباؤه في ميادين كثيرة لم تكن موجودة قديماً مثل: القصة القصيرة، والقصيرة جداً، وقدرة الأديب العربي على الإبداع في هذه الأجناس ملهم.
هل استطاعت القصة القصيرة جداً التعبير عن سياقات العصر وصراعاته وسرعاته بفضاءاته الإلكترونية وتحدياته الرقمية؟
نعم استطاعت القصة القصيرة جداً أن تعبر عن مختلف القضايا الإنسانية بالرغم من عدم وجود تيار هادر من القصص القصيرة جداً، ويكفيها ذلك الإيجاز الشديد الذي يواكب روح العصر والتدوين على شبكة المعلومات، وهي جديرة أن تحتل مكانة مميزة بين الأجناس الأدبية، ومن يتابع القصص القصيرة المميزة يجد كم هي مدهشة، وتستحق الاحتفال.
هل ما زال الشباب في عالمنا العربي يجد وقتاً أو صبراً لممارسة فعل القراءة، وهل تجد استحداث أشكال جديدة من الأدب العربي تدفعه للعودة للقراءة؟
العودة للقراءة تحتاج جهداً منظماً لسنوات طويلة، وتبدأ المسألة من التعليم، والقدوة، وأن يعي الكتاب ما يحتاجه الشباب، ولا ينفصل عنهم ويعكف على ذاته يناجيها، وأن تنتشر المكتبات في كل مكان يمكن أن يحتوي كتاباً، وأن يلقى الكتاب دعماً حقيقياً ليصير في متناول الجميع، فلقد صارت الكتب باهظة الثمن.
قد ترغبين في التعرف إلى أدباء ومفكرون سعوديون أثروا المشهد الثقافي العربي