النمر العربي حيوان مذهل في خصاله وصفاته، متفرد في خصائصه وتفاصيله، ولطالما عُد أيقونة ثقافية وبيئية مدهشة في ذاكرة شبه الجزيرة العربية، حفزت إبداع الأدباء والشعراء وذائقة الفنانين الموهوبين منذ قديم الزمان، فالنمر العربي لم يكن مجرد حيوان مفترس يخافون منه فيختبئون من شروره وشراسته ويتقون قوته وسطوته، ويتجنبون لقاءه وقوة بطشه وانقضاضه، فتناولوه بحثًا وتفحيصًا وتمحيصًا، ونظمًا ورسمًا وتدوينا، في آدابهم وأشعارهم وقصائدهم وأهازيجهم وحكمهم وأمثالهم وعلى جدران كهوفهم وبمنحوتات تماثيلهم، فإعجابهم به ملأ الوجود، واهتمامهم به فاق الحدود.
النمر العربي مهدد بالانقراض
على الرغم من أن النمر العربي استطاع الصمود لآلاف السنين مواجهًا تقلبات الزمن وتغيرات البيئة وقلة الموائل واعتداءات الصيد الجائر، إلا أنه مؤخرًا خارت قواه وفترت همته وقلت أعداده لحد تصنيفه من قِبل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة على أنه "مهدد جدًا بالانقراض"، فوفقًا لما ذكر في الموقع الرسمي للهيئة الملكية لمحافظة العلا، فإن النمر العربي يعد من أكثر السلالات عرضة لخطر الانقراض، حيث يعيش حالياً أقل من 200 نمر عربي بالغ في البراري في شبه الجزيرة العربية، والذي استدعى الحماية الدولية، ومن ثمّ فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الدولي للنمر العربي، "نظرًا لأهميته الحيوية للنظام الإيكولوجي (البيئي) في شبه الجزيرة العربية". بالسياق التالي "سيدتي" تشاركك الاحتفال بيوم النمر العربي وتخبرك كيف نظر الأدباء والشعراء والمبدعون للنمر العربي وكيف صوروه بمخيلاتهم وصاغوه في أشعارهم وأمثالهم ..
وصف العرب للنمر العربي
النمر العربي: صلِف تيَّاه فخور كتوم لما في نفسه ذو همَّة وحياء حقود، محب للقتل والقهر لمن عارضه، مسالم لمن سالمه، متأنث الأفعال لا يألف ولا يؤلَف، وقد سُمي النَّمِرُ نمرا نسبة للكلمة العربية نُمر أو نمار، التي تعني علامات. فالحيوان الأنمر هو الحيوان المرقط الذي يحمل علامات أو نُمر على جسده، ولطالما كان رمزًا للحكمة والجلالة والشجاعة والقوة
النمر في الأمثال الشعبية
- "لبِسَ له جِلدَ النَّمِر"، كنايةً عن الحقد والغضب، وتعني كشف عن عداوته وتهدّده.
- "كن نمرًا حكيمًا، وأسدًا صنديدًا، ولا تكن ذئبًا مكيرًا ولا فهدًا غضوبًا" وهي نصائح للتحلي بخصال كريمة من مملكة الحيوان.
- "النمر الذي تربيه مصاعب الحياة لا يكون تلميذًا لأحد" وتعني أن من تصدمه الحياة منذ الطفولة لا تؤثر به مصاعبها.
- "عندما تخلو الجبال من النمور، يصبح القرد ملكًا"، بمعنى إذا غاب الملوك تحكم الأراذل.
- "لايمكنك ان تتفاوض مع النمر حين يكون رأسك في فمه" وتعني اعرف مواطن قوتك ثم تفاوض من خلالها.
- "لا تدعس على ذيل نمر" وتعني لا تلقي بنفسك في التهلكة.
قد ترغبين في التعرف على: أبرز المعلومات عن حيوان النمر العربي
أطلق العرب على أبنائهم اسم نمر بمشتقاته
إعجاباً بالنمر العربي الحيوان المفترس وقوة بطشه وتيمّناً للمولود أن يكون شجاعاً قوياً فتاكًا بأعدائه سمّت العرب الرجل نَمِراً، ومنهم:
- النَّمِر بن تَولَب (التَولَب ولد الأتان من الحمار الوحشي) وهو أحد ألوية الشعراء المُخضرَمين قبل الإسلام وكان من ذوي النعمة والوجاهة في قومه. عاش عمراً طويلاً في الجاهلية وأدرك الإسلام وأسلم. شبّه نفسه وقد هَرِم ببقية السيف الذي كان يضرب به في شبابه فيقطع كل ما يقع عليه فيحفر الناس حوله لانتزاعه من الأرض يقول عن نفسه:
أبقى الحوادِثُ والأيامُ من نَمِرٍ
أسبادَ سَيفٍ قديمٍ إثرُهُ بادِ
تظلُّ تَحفِرُ عنهُ إن ضربتَ بهِ
بَعدَ الذراعينِ والساقينِ والهادي
- وسمّت العرب: أنماراً، ونُمَيراً، ونَمْراً، ونُمارة. وأنمار جمع نَمِر. واسم قبيلة من خُزاعة. ونُمَير تصغير نَمِر. واسم قبيلة ينتمي إليها الراعي النُّمَيري واسمه عُبَيد بن حُصَين وهو شاعر من الفحول وقد هجاه جرير ( أشهر شعراء العرب في فن الهجاء ) وهجاه وقبيلته بقصيدة سُمّيت بالدامغة ومما جاء فيها:
أعدَّ اللهُ للشعراءِ منّي
صَواعِقَ يخضعونَ لها الرِقابا
فلا صلّى الإلهُ على نُمَيرٍ
ولا سُقَيت قُبورُهمُ السحابا
ولو وُزِنَت حُلومُ بني نُمَيرٍ
على الميزانِ ما وَزَنت ذُبابا
فَغُضَّ الطرفَ إنّكَ مِن نُمَيرٍ
فلا كَعباً بلغتَ ولا كِلابا
النمر في الشعر العربي
ومن الأشعار التي تحدثت عن النمر العربي ما نظمه القتال الكلابي (أحد الشعراء بالعصر الأموي) عندما رصد كيف تعايش في كهف مع نمر عربي في أحد كهوف جبال الحجاز، حيث يقول:
وَلي صاحيبٌ في الغارِ هَدَّكَ صاحِباً
هُوَ الجَونُ إِلّا أَنَّهُ لا يُعَلَّلُ
إِذا ما إالتَقَينا كانَ جُلَّ حَديثِنا
صِماتٌ وَطِرفٌ كَالمَعابِلِ أَطحَلُ
تحدث كذلك الشاعر العراقي عبد الغفّار بن عبد الواحد (الملقّب بالأخرس لحُبسة كانت في لسانه) عن النمر فقال:
يُذادُ عنِ الماءِ النميرِ ابنُ حُرّةٍ
ولِلنذلِ فيها مَوردٌ وشرابُ
وتعلو على أعلى الرجالِ أراذِلٌ
وتسطو على لَيثِ العرينِ كِلابُ
فلا خيرَ في هذي الحياةِ فإنها
عِقابٌ و ما لا تشتهيهِ عِقابُ
وممن تحدث عن الشجاعة واستخدم النمر العربي كوسيلة دالة على شجاعة من يتحدث عنهم قول امرؤ القيس الكندي من أن مساكن من يحبّهم رؤوس الجبال حيث يعدو على ماشيتهم النمر فيقول بأحد قصائده:
أحَبُّ إلينا مِن أناسٍ بِقُنّةٍ
يروحُ على آثارِ شائهمُ النّمْرُ
ومن المعروف قديمًا أن من يرتكب خطأ أو معصية يتم نفيه للفيافي والقفار وكان منهم الشعراء والذين يُضطرون للعيش مع حيوانات الصحراء يستأنسون بوحوشها فيحدثونهم عن حنينهم وسهدهم وينظمون بأشعارهم شوقهم لأوطانهم، ومن هؤلاء الشَّنْفَرى الذي يقول إنه استبدل بأهله: الذئب القويّ "سِيد عملّس" والنمر الأملس "أرقَط زُهلول" والضبع الضخمة "عَرفاء جَيأل" فيقول:
ولي دونَكم أهلونَ سِيدٌ عَمَلَّسٌ
وأرقَطُ زُهلولٌ وعَرفاءُ جَيألُ
همُ الأهلُ لا مُستَودَعُ السِّرِّ ذائعٌ
لدَيهم ولا الجاني بِما جَرَّ يُخذَلُ
في سياق متصل تابعي الرابط: "الثقافة السعودية" تطلق مسابقة "قصة النمر العربي" احتفاءً بيومه العالمي