في السعودية قصص ترويها الأبواب عن تراث نجد الأصيل

السعوديَّة بمناطقها المختلفة، تعدُّ نبعاً، يفيضُ تراثاً وفنوناً جماليَّةً، ومن هذه الفنونِ التي اشتُهرت بها منطقةُ نجدٍ قديماً الأبوابُ النجدية ذات الألوانِ الساحرةِ، والبرَّاقة مثل تحفٍ فنيَّةٍ، تحكي عن ثقافةِ وتراثِ المكانِ، وتروي قصَّةَ فنٍّ أصيلٍ وعريقٍ متجذِّرٍ على مدى 300 عامٍ. هذا الإرثُ الثقافي والفنِّي الكبيرُ، يتميَّز بالبساطةِ، والإبداعِ في زخارفه، ونقوشه، مع نظامٍ وإيقاعٍ تكراري خاصٍّ، وخاماتٍ محليَّةٍ، ووحداتٍ زخرفيَّةٍ مستمدَّةٍ من البيئةِ المحيطة، وخطوطٍ، وأشكالٍ، ورسوماتٍ هندسيَّةٍ ونباتيَّةٍ فريدةٍ.
التقينا في "سيدتي" عبد الله إبراهيم المحيميد، المستشار في هيئةِ تطويرِ الدرعيَّة ومدرب النقوش النجديَّة بالمعهدِ الملكي للفنون التقليديَّة في الرياض ومالك متحفِ "روح نجد"، في مدينة الخبر لتعريفنا بفنِّ النقشِ على الأبوابِ النجديَّة.


إعداد - عتاب نور
تصوير:عيسى الدبيسي

 

الأبواب النجدية

عبدالله المحيميد مستشار وخبير صناعة الأبواب النجدية

يشير عبدالله المحيميد الذي يمتلك خبرة في صناعة الأبواب تمتد لأكثر من 3 عاما : أن الأبوابُ النجديَّة مثل غيرها من الفنونِ في السعوديَّة لها تاريخٌ عريقٌ، يمتدُّ لأكثر من 300 عامٍ، وتتوارث الأجيالُ هذا الفنَّ على مرِّ السنين، ويستلهمُ منه المبدعون أفكارَهم وأعمالهم الفنيَّة.
تابع المحيميد سرده التاريخي : في منطقةَ نجدٍ، انتشرت فيها قديماً الحِرفُ اليدويَّة مثل الزخرفةِ على الجدران، وتبييضها بالجصِّ لتزيينِ المجالسِ القديمةِ بزخارفَ هندسيَّةٍ في غايةِ الروعةِ والجمال.
ومن أبرزِ الزخارفِ الهندسيَّةِ تلك الموجودةُ على الأبوابِ، والمصنوعةُ من خشبِ الأثلِ الذي يتميَّز بالقوَّةِ والقدرةِ على مقاومةِ الظروفِ المناخيَّة، وقد زادها بريقاً وجمالاً اعتمادُ ألوانِ الطبيعةِ المحيطةِ في إبداعها خاصَّةً في مجالسِ الضيافةِ "القهوة" التي تكثرُ فيها النقوشُ النجديَّة على الجدرانِ، والأبواب ما يعطيها طابعاً نجدياً أصيلاً.
وتشتهر الأبوابُ النجديَّة بالاهتمامِ الواسعِ فيها بالنقوشِ، والزخارفِ تماشياً مع النقوشِ التي تنفردُ بها العمارةُ النجديَّة التي تحتلُّ مساحاتٍ واسعةً في الجدران، وأعلى سقفِ المجلس. ولا تزالُ المجالسُ تتبنَّى الطابعَ القديم إلى يومنا هذا بطريقةٍ حديثةٍ في تأكيدٍ على أن تراثنا العربي نابضٌ بالحياة، ومحفِّزٌ على الإبداع. وكلما زادت النقوشُ على الأبوابِ، دلَّ ذلك على ارتفاعِ الذوقِ عند الأهالي، والحِرفيين الذين يصنعون الأبوابَ بجميع أشكالها ومقاساتها حسبَ قدرةِ المالكِ الماديَّة.

 

صناعة الأبواب

الباب الخلفي يسمى مصراع نجدي أي نافذة صغيرة الحجم أم الدائرة فهي محالة حسو نجدية

تُصنَعُ الأبوابُ النجديَّة من خشبِ الأثل الذي يمتازُ بالمتانةِ والقوَّة، وكذلك من جذوعِ النخيلِ حيث تقطعُ إلى شرائحَ مختلفةِ المقاسات، تسمَّى "الفلوج"، وتُصفُّ جنباً إلى جنبٍ على عارضتَين للأبوابِ الصغيرة، وثلاثةٍ للأبوابِ الكبيرة، ويُطلَقُ على ما يحملُ الباب "الصاير"، وهي الخشبةُ الأولى فيه، وترتكزُ الأبوابُ الكبيرة على" نقيرةٍ" من الحجرِ كيلا تتآكل رجلها. أمَّا قفلُ البابِ، فيُصنَعُ من خشبِ الأثل، ويتألَّفُ من "جمجمةٍ"، ومجرى، ومفتاحٍ خشبي له أسنانٌ من الخشبِ، تسمَّى" القلاقل" حيث يتمُّ رفعها بالمفتاحِ المصنوعِ من الخشب.

مرحلة النقوش والزخارف

باب كمار دلالبا

بعد الانتهاءِ من رصِّ شرائحِ الباب، يتمُّ اختيارُ العوارضِ، وتركيبها من قِبل الصانعِ حسبَ التصميم الهندسي للباب، فبعضُ الأبوابِ، تكون العوارضُ فيها بسيطةً جداً، وأخرى تكون عوارضها دائريَّةً مع بروزِ مثلَّثاتٍ صغيرةٍ، ودوائر.
تالياً، تبدأ مرحلةُ النقشِ بآلاتٍ بسيطةٍ حيث يُصنَعُ لذلك فرجارٌ خشبي يدوي، يُوضَع في أسفله مسمارٌ، ليحفرَ على الخشب، ويعتمدون عليه بشكلٍ كبيرٍ. كذلك يتمُّ استخدامُ أزاميلَ خاصَّةٍ، لتأتي بعدها مرحلةُ طلاءِ البابِ بدهانٍ خفيفٍ جداً، ثم التخطيطُ عليه بالكاملِ قبل النقش.
ويضفي الطابعُ النجدي لمسةً من السحرِ على الأبواب، وتختلفُ كميَّةُ، ونوعُ الزخارفِ من طبقةٍ إلى أخرى، فالطبقةُ البسيطةُ غالباً ما تأتي أبوابهم بنقوشٍ بسيطةٍ، لا سيما أبوابُ المجالسِ التي يُطلَقُ عليها "المصاريع" على درفتَين، أمَّا طبقةُ الأثرياءِ فتعكسُ مجالسهم حالةَ الترفِ والبذخِ التي يعيشونها، فتكون غالباً ممتلئةً بالنقوشِ الجبسيَّة. كذلك يكثر استخدامُ النقوشِ في الأبوابِ المصنوعةِ من الأثل في المجالسِ، وبشكلٍ كاملٍ، وتكون فيها مصاريعُ كسرٍ بواقعِ ربعِ درفٍ للصراعِ الواحد، إضافةً إلى أبوابِ الكبار التي تصلُ إلى ثلاثةٍ، وتسمَّى "باب مروكب".

بساطة النقوش النجدية

باب مصك نجدي لمخزن يستخدم لحفظ القهوة والهيل

يؤكد المحيميد أن أغلب الزخارفِ التي تتوشَّح بها الأبوابُ، تكون شبه بروازٍ لها من جميع الأطرافِ، ومن أسفلِ وفوقِ العوارضِ والدوائر، وتُستَمدُّ من البيئةِ المحيطة، وتتميَّز بالبساطةِ، والعفويَّة، فهي مرتَّبةٌ بنظامٍ وإيقاعٍ تكراري خاصٍّ، يجعلانها تنفردُ عن غيرها من الفنونِ الشعبيَّة الأخرى.
وتحاكي النقوشُ الموجودةُ على الأبوابِ، والمصاريعِ بشكلٍ كبيرٍ مثل المثلَّثاتِ الصغيرة، ونصفِ الدوائرِ الصغيرة، والمعيناتِ، والخطوطِ المتقاطعةِ الطوليَّة والعرضيَّة الوردَ، والأوراقَ، وسعفَ النخيل، وعناقيدَ العنب. وفي الغالبِ، تتميَّز النقوشُ النجديَّة بالبساطةِ، والنمطِ التكراري، وأحياناً يميلُ بعضهم لتوظيفِ الزخارفَ بكتاباتٍ لها بُعدها التاريخي.

ألوان الأبواب

باب كمار دلال أصلي قديم وزاهي بألوانه

كشف المحيميد في حديثه لسيدتي أن الأبوابُ النجديَّة تنفرد باستخدامِ ألوانٍ معيَّنةٍ وبرَّاقةٍ، منها الأحمر، وهو لونٌ أساسي لكلِّ لأبواب، وربما الهدفُ من ذلك كسرُ رتابةِ الألوانِ الصحراويَّة.
ومن الألوانِ الأخرى المعتمدةِ في النقوشِ النجديَّة الأزرقُ، والأسودُ، والأخضر، وعادةً ما يكون استخدامُ الأخيرِ بنسبٍ قليلةٍ. أمَّا مصدرُ تلك الألوانِ فالنباتاتُ، والحجارةُ، وقشرُ الرمَّان اليابس، ومن تجفيفِ بعض النباتاتِ لاستخراجِ الألوانِ منها.
ومع مرورِ الوقتِ، ظهرت الألوانُ الطبيعيَّة "البودرة" المعروفةُ برونقها وجمالها الجاذب. وهذه تُستوردُ، وتُخلطُ بنسبٍ قليلةٍ مع الصمغِ العربي بعد تذويبه، وتعريضه للنارِ إلى أن يرتكزَ اللونُ، ويتمَّ الحصولُ على اللونِ المطلوب.

أنواع الأبواب النجدية

متحف روح نجد بزخارف هندسية جبسية

يشير المحيمد إلى التنوع في صناعة الأبواب النجدية وفي نقوشها وأيضا غب أماكن تواجدها في المنزل ، ومن ذلك : بابِ المنزلِ الخارجي، ويكون مزخرفاً بالكوي بالنار،وبابِ مجلسِ الرجال "القهوة"، وبابِ غرفةِ النوم "الصفَة"، وبابِ الصالةِ "القبة"، وبابِ الروشن، وعادةً ما يكون بالطابقِ الثاني، وبابِ الحوش، وبابِ حظيرةِ الأغنام، ويكون مصنوعاً من نبعِ النخل، وبابِ مستودعِ التمر "الجصة"، وبابِ بيتِ الدرج، وبابِ "المصك"، وهو بابُ الخزنة، ويوضعُ في مكانٍ ناءٍ وآمنٍ وبعيدٍ عن الأنظار في المنزل، وبابِ "الخلوة"، ويكون تحت مجلسِ الرجال، وبابِ الكمار "كمر الدلال والأباريق"، وبابِ مستودعِ القهوة والشاي، ويكون في صدرِ المجلس، وأبوابِ "المصاريع" الطوليَّة، وتتكوَّن من درفتَين، أو مصراعِ كسرٍ "أربعة أبوابٍ لكلٍّ منها مصراعٌ واحدٌ".
اقرأ المزيد : مهندسة تتحدث عن الأبواب النجدية وطرق توظيفها في ديكور المنزل