صدر عن دار الكتب في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة كتاب جديد بعنوان "المقامات الحفناوية"، من تأليف وأشعار وتفسير وتراجم المستشار حسن محمد الحفناوي، حيث يعد أدب المقامات من أجمل آداب العرب، وأخفه ظلاً، وأكثره في فقه اللغة علماً ومن اكمل الأساليب الأدبية صياغة، ومن أغناها بلاغة.
يقع الكتاب في 300 صفحة من القطع المتوسط، متضمناً مقدمة وقسم تمهيدي مقسم إلى 8 أبواب كلها تطرقت إلى تعريف "المقامة"ـ إلى جانب المقامات الحفناوية وهي 30 مقامة وخاتمة. وقد أشار المؤلف في بداية مقدمته بأن عنوان الكتاب "المقامات" قد لا يَفْهم معناه سوى المتخصصين في اللغة العربية وآدابها، والقلة القلية من مُتَعَشقيها وطلابها، ولهم في ذلك شبهة عذر، وهو أنهم لم يسمعوا بها من قبل.
وللمقامة شروط وإن شئنا قلنا مواصفات أو ملاحظات أولاَ "السجع" عادة يكون أسلوب المقامة مسجوعاً، والسجع فيه موسيقية جميلة تتلذذ بها الأسماع وتستريح لها الطباع، ولكن للسجع أيضاً شروط كأن يكون المجال سامحاً به، فهو يصلح في الوصف، وفي الغزل، وفي المديح وفي الفخر وفي الكتابة القصصية، وأن يتخلل المقامة بعض الأبيات من الشعر تـقصر أو تطول حسب مقتضى الحال، من تأليف صاحب المقامة وحسب طاقته، كما يتوجب أن يكون السجع سجعاً لطيفاً في وقعه على السمع، ليس فيه تكلف ولا تصنع. والسجع الصحيح يمكن اعتباره هبة من الله سبحانه وتعالى لبعض عشاق اللغة والمتمكنين فيها، ثم إن سعة اطلاعهم وحفظهم مما يُهذّبُ هذه الهبة ويًـثبتها. ولذلك اشتُهر نفر من الأدباء بسرعة البديهة في السجع مع وفاء في المعنى. بالإضافة إلى أنه يتوجب أن يكون الأديب الذي يهوى السجع كثير القراءة، واسع الإطلاع، متبحراً في المفردات اللغوية، حتى يسعفه حفظها في السجع، وأن يكون حفاظةً لبعض الشعر والنثر، مطلعاً على الكثير من المقامات الأدبية القديمة كمقامات الحريري، متقناً لقواعد اللغة العربية، متيناً في فقهها واستعمالاتها، دارساً لأصول البديع والتبيان، غنياً في حسن التشبيه، وجمال الإستعارة، ولطف الكتابة، ليستعين بذلك في فنه.
وكلمة المقامة بفتح الميم الأولى والثانية من الفعل قام، وهي تساوي في المعنى كلمة مقام بفتح الميم الأولى فيهما، تعني المكان الذي قام فيه الإنسان. وقال البعض إنّ المقامة هي المكان الذي يقوم فيه الخطيب ليخطب، ثم استعملت الكلمة بمعنى المجلس.
والمقامة يُقصد بها - في الإصطلاح الأدبي- قصة اجتماعية أو أدبية أو علمية أو سياسية، ومن الملاحظ أن الجانب القصصي فيها ليس مقصوداً، بقدر ما يُقصد منها إظهار البلاغة اللغوية، والفصاحة اللفظية وتطعيمها ببعض الأمثال العربية، والحكم الوعظية، والأبيات الشعرية وغير ذلك. ويغلب على أسلوب المقامة السجع غير المصطنع، والسجع إن كان بموهبة لغوية صار كالألحان، التي تصور لمعان.
وقد ضمت هذه المقامات بعض الأمثال العربية، وازدانت ببعض الآيات والأحاديث، إضافة إلى ألوان من الجناس الكامل والناقص وتوريات وكنايات وتشبيهات، وهذا مما يبين مقدرة الكاتب اللغوية والشعرية، وبهذا نرى أن هذه الدراسة اهتمت بالمقامة بوصفها كنزاً من كنوز اللغة العربية، التي تفيد القارئ المستوعب، واللغوي المتأدب، والهاوي المثـقـف، والقارئ المرهف، بلاغة وأدباً، وبقدر موهبة المؤلف وحفظه وثقافته وإطلاعه وخياله القصصين تكون جودة المقامة.