يبدو أن لا شيء يستطيع الوقوف في وجه عجلة الإنترنت والتقنية في العالم، خاصة عندما يتعلق الأمر باهتمامات الشباب وتطلعاتهم المعاصرة، وهذا كان حافزاً لأن يفتح النقاش في السعودية بين مختلف الأجيال ووجهات النظر، لتسليط الضوء على إنجازات رسمت حاضر ومستقبل المملكة كوجهة رائدة في قطاع الرياضات الإلكترونية، لا سيما أن فرقاً ولاعبين من المملكة تمكنوا في الفترة السابقة من تحقيق ألقاب وإنجازات كبيرة في هذا المجال محلياً وعالمياً.
ولعل أكبر دليل على الاهتمام الذي توليه المملكة لهذا القطاع، تشريف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للحفل الختامي لبطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية وتتويجه للفريق الفائز في البطولة، فريق فالكونز السعودي.
إعداد: عبير بو حمدان
مد جسور التواصل
مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة، الذي أتت نسخته الثانية متزامنة مع استضافة المملكة لكأس العالم للرياضات الإلكترونية، قدم العديد من الإجابات حول نمو قطاع الرياضات الإلكترونية، وحول أهمية تغيير الصورة النمطية السلبية عن هذه الرياضات من خلال تقديم عالم إلكتروني آمن يدعم إبداع الشباب ومشاركتهم في التنمية.
النسخة الجديدة من المؤتمر التي حملت عنوان "مستقبل ثقافة المشجعين"، حرصت على مد جسور التواصل والتفاعل بين هذه الرياضات والرياضات التقليدية، من خلال استضافة نجوم ومتحدثين ومشاركين من كلا القطاعين، لكتابة قصة نجاح ثنائية المسار، ويبقى السؤال: هل تفوقت الرياضات الإلكترونية على الرياضات التقليدية في جذب الشباب؟ وما أهمية التركيز على الرياضات الإلكترونية في المملكة واستضافة فعاليات ومؤتمرات تناقش التحديات والفرص في هذا القطاع؟
قدوة ومستقبل القطاع
بداية كان ل "سيدتي" حوار خاص مع الأمير فيصل بن بندر بن سلطان آل سعود رئيس مجلس إدارة الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية قال فيه: "نحن أعلنا قبل سنتين في السعودية وأعلنها سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الاستراتيجية الوطنية للرياضات الإلكترونية والألعاب. الهدف من تلك الاستراتيجية أن تكون السعودية والرياض تحديداً والقدية مستقبلاً مركزاً عالمياً لقطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية، وأن نستضيف بطولات مثل بطولة كأس العالم التي تضم أكثر من 1500 لاعب ونادٍ من أفضل النوادي واللاعبين من حول العالم، مؤتمر فيه أكثر من 1200 مساهم من هذا القطاع، هذا يدل أن هدفنا ليس ببعيد التحقق، وأننا منطقة ومكان لا بد أن يؤخذ على محمل الجد ونحن نتغلغل بجد وقوة في هذا القطاع. وهذا استثمار ليس فقط في قطاع عالمي، ولكن في شبابنا وشاباتنا في السعودية، وأسسنا الآن مساراً مهنياً في السعودية لهذا القطاع، وبات شبابنا وشباتنا، بناتنا وأولادنا يشاركون فيه وهذا فخر لنا. في هذا القطاع وفي هذا المجتمع وبدعم سمو سيدي، سنصل للمكانة التي نريدها ليس فقط كمركز عالمي، بل المركز العالمي، قلب العالم، إن شاء الله".
الأمير فيصل، والذي شارك في جلسة حوارية افتتاحية في المؤتمر بعنوان "غيم أون، المملكة العربية السعودية"، إلى جانب وزير الاتصالات المهندس عبدالله بن عامر السواحه، وأضواء العريفي مساعد الوزير لشؤون الرياضة في وزارة الرياضة وعدد من الضيوف العالميين، تحدث لنا عن نقطة مهمة طرحها خلال الجلسة وهي الانتقال من سؤال لماذا؟ إلى سؤال لمَ لا؟، وقال: "سؤال (لمَ لا؟) هو سؤال مهم جداً، عندما بدأنا كانت كل محادثاتنا مع المساهمين في هذا القطاع تدور حول: لماذا سيأتون إلى السعودية ولماذا سيعملون معنا ولماذا سيفعلون ذلك الآن، اليوم تغير هذا الموضوع، ونتلقى كل يوم مكالمات يتساءلون لماذا ليسوا متواجدين في السعودية، ولماذا لا يشاركون في البطولة، ولماذا ليسوا حاضرين في بطولة كأس العالم وليسوا حاضرين في الدوري السعودي الإلكتروني، ويسألوننا كيف يمكنهم جذب اللاعبين السعوديين يلعبون إلى ألعابهم ولماذا لا تتواجد اللغة العربية في ألعابهم، كل هذه المحادثات تغيرت بفضل الله ودعم سمو سيدي، ثم لهذا الذي حجز مكاناً يستحقه أمام كل العالم".
وأضاف: "نحن اليوم لدينا أبطال وليس فقط لاعبون عاديون، أبطال كمساعد الدوسري بطل كأس العالم، عبد العزيز الشهري بطل كأس العالم فيفا، نجد الفهد فازت بكأس العالم للجامعات للفيفا، بطولة الأوفرواتش التي فزنا فيها بكأس العالم، فريق فالكونز من أفضل الفرق في لعبة فالورانت، وبناتنا من السعودية تفوقن في دوري الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبتن يلعبن في أوروبا لأنهن قويات فعلاً، عندنا أبطال، عندنا مهارات. وهم من غيروا مسار المحادثات من لماذا؟ إلى لمَ لا. شرف لي أن أعمل معهم وأن أساعدهم في هذا المشوار، وهذا القطاع هو بالنسبة لي شغف، وهو شغف لعدد كبير من السعوديين، 67% من السعوديين يعتبرون نفسهم "Gamers"، فأن نؤسس قطاعاً لمستقبل هذا المجتمع، مستقبل هذا البلد، ومستقبل قصتنا كعرب وكسعوديين، مهم جداً ويدل على مستقبل واعد جداً".
وعن تواجد المرأة في هذا القطاع قال الأمير: "هذه نقطة مهمة جداً، فالآن في السعودية، في قطاع الألعاب، تتواجد المرأة تقريباً بنسبة 49%، وهذه النسبة هي نفسها في دول العالم ما بين 47 و49 %، وفي قطاع الرياضات الإلكترونية، 20 % من مجتمع المحترفين في الرياضات الإلكترونية هم من الإناث، أقرب نسبة لنا هي 12% والمعدل العالمي هو 5%، وهذا من مجهود بناتنا اللواتي نافسن في أوروبا والعالم، وأثبتن للناس في السعودية والعالم ورأينا الشابات الأخريات في المملكة أن هذا مسار مهني تحقق بالفعل في السعودية، فريق فالكونز فيغا، فريق تويستد مايندز، فريق ذا التمت، اللاعبة نجد الفهد بطلة، وباقي أبطالنا في مختلف الألعاب، لا أستطيع أن أصف مدى فخري ببناتنا اللواتي استطعن إثبات أنفسهن ووجودهن عالمياً، وأصبحن قدوة ومستقبل القطاع".
بالتفاصيل، الأمير محمد بن سلمان يتوج الفريق السعودي فالكونز بلقب كأس العالم للرياضات الإلكترونية.
تحويل الهدر إلى استثمار
من جهته اعتبر تركي الفوزان، الرئيس التنفيذي للاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية، أن "الرياضات الإلكترونية هي المستقبل"، وأضاف: "اليوم حجم هذا القطاع والإقبال عليه أمر لا نستطيع أن نتجاهله، فثلثا عدد السكان يعتبرون "Gamers"، وهذه هي الشريحة المستهدفة اليوم، ووجود مبادرات بهذا الحجم ومن هذا النوع، هي للاستفادة من هذا الجمهور، اليوم عدد الساعات التي يقضيها ثلثا سكان المملكة على لعب الألعاب الإلكترونية، عدد مهول جداً، لذا الحراك الذي نقوم به هو محاولة لتحويل هذه الساعات من هدر إلى استثمار من خلال هذا النوع من المبادرات".
وأشار الفوزان إلى أنه من خلال تحويل الهدر إلى استثمار يتم تغيير الصورة النمطية السلبية عن هذه الرياضات، فوجود بطولات، خلق أبطالاً، خلق وظائف، خلق ناتجاً محلياً، تأسيس شركات، هذا الحراك كله يأخذنا من مرحلة الهدر إلى الاستثمار الحقيقي، ويكون الإقبال أكبر على الرياضات الإلكترونية بطريقة احترافية".
وأضاف: "اليوم، الرياضات الإلكترونية رياضة أولمبية، وستستضيفها السعودية السنة المقبلة، ولمدة 12 سنة قادمة، الصورة النمطية أن لاعب الرياضات الإلكترونية كان يجلس في غرفة مظلمة ويتناول أكلاً غير صحي وغير ذلك، وأنا أعتقد أن هذه الصورة النمطية، ظالمة للاعبين بشكل عام، اليوم تحول لاعب الرياضات الإلكترونية إلى لاعب قد يحقق ميدالية ذهبية يرفع فيها علم بلده على مستوى الأولمبياد، ومتفائلين بمستقبل القطاع".
ورداً على سؤال ما إذا كانت الرياضات الإلكترونية قد تفوقت على الرياضات التقليدية، قال الفوزان: "أنا مؤمن أن الرياضة الإلكترونية سوف تتجاوز الرياضة التقليدية، والمسألة مسألة وقت، لكن أرى أيضاً أن الرياضة التقليدية والرياضة الإلكترونية ستكملان بعضهما البعض".
لحظة تاريخية
في حديثنا مع فيصل بن حمران، الرئيس التنفيذي للرياضات الإلكترونية في مؤسسة كأس العالم للرياضات الإلكترونية، قال لنا: "بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية بنسختها الأولى في الرياض، أعطت كل لاعب أملاً في مستقبل هذا القطاع وهذه الصناعة في المملكة العربية السعودية، اليوم نحن في لحظة تاريخية، نسخة أولى جداً رائعة، أصداء إيجابية، الكل يتأمل ما الذي تحمله السنوات القادمة ونحن نعمل من اليوم على التحسين وإعطاء الفرص لكل شغوف في هذا المجال".
وأكد بن حمران أن "الرياضات التقليدية والرياضات الإلكترونية هي وجهان لعملة واحدة، وهناك أوجه شراكة كثيرة، سواء مع الاتحادات، أو مع لاعبي الرياضات التقليدية، نسعى لإيجاد سبل شراكة وتعاون بيننا وبينهم في إيجاد هذه السبل بشكل عام، وإيصالها لكل الشغوفين في هذا القطاع".
نمو قطاع الأزياء الرقمية
خلال تواجدها في مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة للمشاركة في حلقة نقاش حول الدور الذي يمكن أن تلعبه صناعة الأزياء في الرياضات الإلكترونية، قالت مصممة الأزياء نورة آل الشيخ: "نحن تحدثنا اليوم عن قوة الأزياء في هذا المجال، وعن ملابس اللاعبين في هذه الألعاب وهي أزياء رقمية إلكترونية، وهذه كلها تكون مصممة من قبل علامات عالمية، وهناك متاجر لهذه الأزياء داخل اللعبة بحيث أن اللاعب يستطيع شراء الملابس منها".
وأكدت المصممة السعودية على رغبتها بدخول هذا المجال وتصميم الأزياء والملابس للاعبين في الألعاب الإلكترونية.
وأشارت آل الشيخ التي تم اختيارها مؤخراً ضمن قائمة فوربز للشخصيات الأكثر تأثيراً في قطاع الأزياء في المملكة العربية السعودية، أن طموحها يكبر ويكبر كل يوم، وأبرز ما تطمح له الآن دخول مجال التصميم الرقمي للألعاب والميتافيرس لأن هذا هو المستقبل، من دون التخلي عن اللمسة الإبداعية للأزياء الفعلية.
استثمارات ضخمة في القطاع
أما مايك ميلانوف رئيس الرياضات الإلكترونية في القدية، فتحدث بداية عن حصة الألعاب الإلكترونية في مشروع القدية، قائلاً: "إن مساحة القدية ستبلغ أكثر من 360 كيلومتراً مربعاً بمجرد اكتمال بنائها، ويتجلى ذلك في أكثر من 20 منطقة مختلفة، وكل منطقة هدفها أن تكون مركزاً للرياضة والترفيه والألعاب والثقافة والفنون، وبالتالي فإن الألعاب، والرياضات الإلكترونية، تشكل جزءاً رئيسياً من استثمارنا، ولكن هناك ألعاب خارج هذا النطاق أيضاً، ستكون القدية مكاناً لتعزيز الملكية الفكرية لأفضل محتوى، وأهم الأحداث، وأعتقد أننا سنفكر في كيفية جعل كل العناصر، وجميع الأنظمة المختلفة تعمل معاً، لذا نحن متحمسون جداً لذلك".
وتحدث ميلانوف عن الشراكة بين القدية ومؤتمر الرياضة العالمية الجديدة، مؤكداً: " نحن شريك مؤسس وشريك في بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية، انضممنا كشريك استراتيجي لمؤتمر الرياضة العالمية الجديدة وكان من المهم جداً بالنسبة لنا المساعدة في دعم هذا الحدث والحصول على فرصة لسرد قصة القدية مباشرة من خلال وسائل الإعلام، ومن خلال الندوات، وعلى خشبة المسرح. وقد قمنا خلال المؤتمر بالإعلان عن أشياء مهمة جداً ووقعنا بعض الاتفاقيات، نأمل منكم الاطلاع عليها".
وختم بالقول: "أفضل شيء يمكن القيام به في بناء علامة للمملكة هو جلب الناس إلى هنا، لذا فإن هذا الحدث هو الحدث الأكثر حضوراً على الإطلاق في مجال أعمال الألعاب الإلكترونية، لذا فنحن فخورون جداً بدعمه وفخورون بإخبار الجميع قصتنا".
يذكر أن مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة كانت قد استضافته مدينة الرياض على مدار يومين كاملين وافقا في الرابع والعشرين والخامس والعشرين من شهر أغسطس الحالي، واستقبلت خلاله أكثر من 60 متحدثاً عالمياً وأكثر من 1200 من رواد الأعمال والخبراء منهم أكثر من 200 من أبرز الرؤساء التنفيذيين العالميين في قطاعات الرياضات الإلكترونية والرياضة والتكنولوجيا والترفيه والاستثمار والأعمال وغيرها.
وهنا قد يهمكم التعرف أكثر إلى ما تضمنته جلسة حوارية بعنوان "الألعاب والرياضات الإلكترونية والرياضة: بوابة تواصل المملكة مع العالم" ضمن مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة في الرياض