شهدت إمارة دبي أمس 13 يناير 2025 اختتام النسخة الثالثة من قمة المليار متابع التي نظّمها المكتب الإعلامي لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد عكست هذه القمة المكانة الدولية المرموقة التي وصلت إليها دولة الإمارات في مجالات الإعلام الرقمي وصناعة المحتوى، فضلاً عن دورها الريادي في استشراف المستقبل وابتكار أدواته. ويأتي هذا المنجز الجماعي ليدلل على مدى التزام القيادة الإماراتية، وعلى رأسها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في دفع عجلة الاقتصاد الرقمي نحو آفاقٍ أرحب، وتعزيز قنوات التواصل الإيجابي الذي يخدم الإنسانية ويترك أثراً ملموساً في أجيال الحاضر والمستقبل.
تأخذكم "سيدتي" في هذا التقرير الشامل إلى نظرة على أبرز مخرجات هذه القمة وأهدافها، ويسلّط الضوء على الجلسات الرئيسية التي استقطبت شخصيات عالمية ذات تأثير واسع في مختلف المجالات. ويستعرض أيضاً حجم المشاركة الواسعة من صُنّاع المحتوى والخبراء والرؤساء التنفيذيين لكبريات الشركات الإقليمية والعالمية في قطاع الإعلام الرقمي، إضافةً إلى أهم ما خرجت به هذه النسخة من مبادرات وبرامج وشراكات تُرسّخ مكانة دولة الإمارات كمركز عالمي مُلهِم ومحفّز لاقتصاد صناعة المحتوى. وسواءٌ في حجم الحضور الكبير، الذي تجاوز 15 ألف مشارك، أو في نوعيّة النقاشات والجلسات الحوارية والتفاعلية المتخصصة التي فاقت 340 فعالية، فإنّ القمة الثالثة للعام 2025 شكّلت منعطفاً تاريخياً حقيقياً في صناعة المحتوى، وأرست قاعدة صلبة للبناء عليها وصولاً للنسخة الرابعة عام 2026.
قمة المليار متابع ونشأتها
انطلقت قمة المليار متابع لأول مرة عام 2023 بمبادرة من المكتب الإعلامي لحكومة دولة الإمارات، بهدف إيجاد منصة عالمية تجمع كبرى الشركات العاملة في قطاع التواصل الاجتماعي والتقنيات الرقمية، جنباً إلى جنب مع صُنّاع المحتوى،والشركات الناشئة، والأفراد الموهوبين. وقد حقّقت النسخة الأولى نجاحاً فاق التوقعات، حيث استقطبت آلاف المشاركين من مختلف قارات العالم، ما شجّع القيّمين عليها لتطوير الحدث وتوسيع نطاقه مع كل نسخة. وقد تكرّس هذا النجاح بدعم مباشر من قيادة الدولة، وسرعان ما أصبح للقمة دور محوري في رسم صورة مستقبلية لقطاع صناعة المحتوى على مستوى المنطقة والعالم.
لماذا "المليار متابع"؟
يرجع سبب التسمية إلى الرؤية الطموحة الرامية إلى استقطاب مليار متابع ومشارك من حول العالم عبر مختلف المنصات الرقمية. وعلى الرغم من أنّ الهدف ليس عدداً حرفياً وحسب، فإنّ الرمز “مليار” يحمل دلالة التوجّه إلى جمهور عريض جداً، ليس فقط من صُنّاع المحتوى، بل من المستهلكين أيضاً. وتعكس التسمية كذلك الشغف بخلق محتوى هادف يقدم قيمة مضافة، ويستطيع الوصول إلى مختلف فئات المجتمع العالمي بغضّ النظر عن الحدود الجغرافية والتعدد الثقافي.
قمة 2025 حضور عالمي وشخصيات بارزة
أُقيمت قمة المليار متابع 2025 لأول مرة في كلٍّ من أبراج الإمارات ومركز دبي المالي العالمي ومتحف المستقبل، خلال الفترة من 11 إلى 13 يناير 2025. وقد اختيرت هذه المواقع لما تعكسه من رمزية حداثية وثقافية تُجسّد ملامح دبي المستقبلية، وقدرتها على استيعاب الفعاليات الكبرى التي تمتد لأيام عدة وتتضمن أعداداً ضخمة من الحضور والأنشطة المواكبة.
حجم المشاركة
وفقاً للأرقام المعلنة من قِبل اللجنة المنظِّمة، فقد شارك في هذه النسخة أكثر من 15 ألف صانع محتوى ومؤثر، وما يزيد عن 420 متحدثاً و125 رئيساً تنفيذياً وخبيراً عالمياً، وقد توزّعت الأجندة على أكثر من 340 جلسة رئيسة وطاولة مستديرة وورشة عمل ومناظرة وخطاب ملهم. لم يقتصر الحضور على منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل ضمّ نخبة من أبرز الأسماء العالمية في مجال الإعلام الرقمي، بما في ذلك شركات تكنولوجيا كبرى ومنصات دولية مثل سناب شات، وإكس (تويتر سابقاً)، ويوتيوب، وتيك توك، ولينكد إن، وميتا (بمنصاتها المتعددة فيسبوك وإنستغرام وواتساب).
الرعاية والدعم الحكومي
انعقدت القمة برعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والذي كان دائماً الداعم الأول لمثل هذه المبادرات الريادية التي تضع الإمارات في صدارة الدول المستثمرة في المستقبل الرقمي.
كما حضر الجلسات الرئيسية الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، محمد بن عبد الله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، مريم بنت أحمد الحمادي وزيرة دولة والأمين العام لمجلس الوزراء، وسعيد العطر مساعد وزير شؤون مجلس الوزراء للمشاريع الاستراتيجية، رئيس المكتب الإعلامي لحكومة دولة الإمارات، إلى جانب كبار الشخصيات والمسؤولين الدوليين. وبهذا الدعم الرسمي، ازدادت ثقة الحضور والجهات المشاركة بنجاح القمة ومخرجاتها.
بمكنكم متابعة القرقاوي يشيد بنجاح قمة المليار متابع الأكبر عالميًا في صناعة المحتوى
التركيز على المحتوى الهادف
أقيمت النسخة الثالثة تحت شعار “المحتوى الهادف”، في إشارةٍ إلى توجّه القمة ومساعيها الحثيثة لدعم صُنّاع المحتوى الذين يُقدّمون قيمة إيجابية للمجتمع ويسعون إلى نشر الوعي والمعرفة. وتجلّى ذلك في إفراد مساحة كبيرة لمناقشة موضوعات مثل أخلاقيات الإعلام الرقمي، ومكافحة الأخبار الزائفة، واستخدام التقنيات الحديثة في خلق محتوى يستشرف الحلول لمشكلات العالم، ويعزز قيم التراحم والتعاطف بين البشر.
ملامح عامة لأجندة القمة 2025
1. التوسع في المسارات والموضوعات
شهدت قمة المليار متابع 2025 توسعاً ملحوظاً في أجندتها، حيث امتدت فعالياتها على مدى ثلاثة أيام ضمن ثلاثة مسارات رئيسة: مسار التكنولوجيا، ومسار الاقتصاد، ومسار المحتوى. وقد أتاحت هذه المسارات الفرصة لتغطية جوانب عدة من اقتصاد صناعة المحتوى؛ بدايةً من التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، مروراً بأنماط الاستثمار والتمويل، وصولاً إلى كيفية تطوير المحتوى الإبداعي والهادف في مختلف المنصات.
2. ورش العمل والجلسات المتخصصة
كان من أبرز ما ميّز النسخة الثالثة وفرة ورش العمل والحوارات التفاعلية والطاولات المستديرة، إذ تجاوز عددها 340 جلسة. تناولت هذه الجلسات موضوعات مهمة مثل استراتيجية بناء المجتمعات الرقمية، وأدوات التحليل وقياس تفاعل المتابعين، وأخلاقيات النشر، وطرق مكافحه المعلومات المضللة، وحماية الملكية الفكرية. وشكّلت هذه الورش فرصة ثمينة للمختصين في مجالات الإعلام الرقمي والتسويق وصناعة المحتوى للعمل سوياً على صياغة أفضل الممارسات وتبادل الخبرات.
3. تكريم صُنّاع المحتوى الهادف
تتويجاً لشعار “المحتوى الهادف”، حرصت القمة على تكريم النماذج التي تعكس هذا المبدأ. وقد أعلنت عن إطلاق أكبر وأغلى جائزة عالمية لصُنّاع المحتوى الهادف بقيمة مليون دولار، منحت هذا العام إلى صانع المحتوى سايمون سكويب من المملكة المتحدة. ويأتي هذا التكريم ليؤكد أنّ صناعة المحتوى لا تقتصر على تحقيق الأرباح وحسب، بل يمكنها أن تكون أداة فعالة لإحداث تغيير إيجابي في المجتمع ودفع عجلة التنمية.
سيعجبك متابعة لقاء سايمون سكويب خاص سيدتي
4. مشاركة منصات التواصل الاجتماعي العالمية
من اللافت في النسخة الثالثة أنّ كبرى منصات التواصل الاجتماعي العالمية كانت حاضرةً بقوة في دبي؛ فقد شاركت سناب شات، وإكس، ويوتيوب، وتيك توك، ولينكد إن، وميتا بمنصاتها المختلفة، حيث عقدت كل منصة جلسات خاصة استعرضت فيها رؤيتها المستقبلية وتوجهاتها لتطوير محتوى هادف ينشر المعرفة ويعزز الإيجابية. كما ناقشت سبل دعم صناع المحتوى وتمكينهم للوصول إلى أكبر شريحة من الجمهور.
الاستثمار مع صناع المحتوى
إحدى أبرز المبادرات التي تم إطلاقها في النسخة الثالثة هو برنامج “الاستثمار مع صناع المحتوى” (1B Pitches)، والذي يعد الأول من نوعه في المنطقة. يهدف البرنامج إلى تشجيع الشركات الناشئة والأفراد الموهوبين على التقدّم بأفكارهم الريادية في مجال صناعة المحتوى، مع توفير الدعم المالي والخبرات الإدارية والتسويقية لضمان نجاح تلك الأفكار على أرض الواقع. ومن منطلق إيمان القائمين على القمة بأهمية الاستثمار في الإنسان المبدع، أُعلن عن تخصيص مبلغ 50 مليون درهم لدعم الأفكار المشاركة في البرنامج، بالشراكة مع شركة “شروق”.
حجم المشاركة ونتائجها
استقطب البرنامج أكثر من 500 طلب مشاركة من 40 دولة، وتقدمّت 250 شركة ناشئة بأفكار متنوعة في مجالات الإعلام الرقمي، وتحليل البيانات، وتطوير المنصات التعليمية، وغيرها. كما حظي الأفراد الطموحون بفرصة استعراض مشاريعهم أمام لجنة تحكيم مختصة، ضمّت مجموعة من صناديق الاستثمار والمستثمرين الملائكيين والخبراء في هذا القطاع.
وأسفر البرنامج عن نتائج إيجابية ملموسة، تمثلت في دعم شركتَي “هيلو أيه آي” و”يوجينيوس” للحصول على تمويلٍ بقيمة 33.5 مليون درهم. وتُعدّ هذه الخطوة إنجازاً حقيقياً في سبيل بناء منظومة متكاملة لاحتضان الأفكار الناشئة، وتوجيهاً نحو خلق قاعدة صلبة من الشركات القادرة على الإبداع والتنافسية العالمية.
مسابقة البرنامج وقيمة الجائزة
فضلاً عن دعم المشاريع الناشئة، أطلقت القمة مسابقة لمنح جائزة بقيمة مليون دولار لأفضل فكرتين رياديتين في قطاع صناعة المحتوى. وقد فاز بها كلٌّ من مشروع “تاء مربوطة” ومنصة “بنسيل”. ويهدف مشروع “تاء مربوطة” إلى تمكين المرأة وتقديم محتوى توعوي وتحفيزي يُبرز قدراتها ويُسهّل اندماجها في سوق العمل والإنتاج الاقتصادي الرقمي. أما منصة “بنسيل”، فتركّز على توفير أدوات عصرية لدعم الكتّاب والمبدعين في مجال الكتابة والتأليف والنشر الإلكتروني، ما ينعكس إيجاباً على إنتاج المحتوى العربي الغني والهادف.
مقر المؤثرين
ضمن مساعي الإمارات لتعزيز ريادتها في اقتصاد صناعة المحتوى، شهدت القمة الثالثة افتتاح “مقر المؤثرين”، والذي سيكون مركزاً شاملاً يجمع بين المؤثرين وصُنّاع المحتوى في فضاء حيوي للتعاون وتبادل الأفكار وفرص الشراكة. يهدف هذا المقر إلى توسيع قاعدة المؤثرين والمتخصصين في الإعلام الرقمي، بغية دعم اقتصاد المحتوى وتحويل الإمارات إلى بيئة عمل جاذبة لأصحاب الطموحات الكبيرة في هذا المجال. وأعلنت اللجنة المنظمة أنّها تسعى من خلال هذا المقر إلى استقطاب 10 آلاف مؤثر من حول العالم في المرحلة المقبلة، وذلك عبر تقديم مجموعة من التسهيلات والامتيازات تشمل توفير مساحات عمل، وبرامج تدريبية، ولقاءات مع نخبة من رواد القطاع وقياداته. كما سيحظى هؤلاء المؤثرون بدعم تقني ولوجستي يساعدهم على تطوير أعمالهم، وتحقيق نمو مستدام، بما يكرّس مكانة الإمارات عاصمة عالمية لصناعة المحتوى الرقمي.
حضور الحكومي وتوجّه استراتيجي
صرّح محمد بن عبد الله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، بأنّ النجاح المتواصل لقمة المليار متابع محفّزٌ للنمو في الدورات القادمة. وأشار إلى أنّ هذه القمة، التي تعدّ الأكبر عالمياً في اقتصاد صناعة المحتوى، تنسجم مع توجهات دولة الإمارات في بناء قطاع اقتصادي مستدام يعزّز مسيرة التنمية الشاملة. كما أثنى على الحضور العالمي الواسع الذي شهدته النسخة الثالثة، مؤكداً أنّ ذلك يُبرز قدرات الدولة على تحويل الأفكار والمبادرات إلى منصات فعلية تخلق فرصاً كبيرة للجميع.
من جهتها، أكدت علياء الحمادي، نائب رئيس المكتب الإعلامي لحكومة دولة الإمارات ومديرة قمة المليار متابع، أنّ النجاح الذي حققته النسخة الثالثة يمهّد لتطوّرات أكثر عمقاً واتساعاً في النسخ القادمة. وشدّدت على أهمية شعار “المحتوى الهادف” الذي حملته هذه النسخة، مشيرةً إلى أنّه أسهم في خلق حوارٍ معمّقٍ حول كيفية دفع المؤثرين والمنتجين نحو الالتزام بمسؤولية اجتماعية، وتجنيب المنصات الرقمية أي استغلال سلبي.
قيادة قطاع المحتوى الرقمي
بنية تحتية تقنية متطورة
ما كانت قمة المليار متابع لتصل إلى هذا المستوى من الحضور والتأثير لولا توافر البنية التحتية التقنية الحديثة في دولة الإمارات، والتي أهلتها لتكون مقصداً للشركات العالمية والإقليمية. وتبرز الإمارات بمشاريعها الضخمة في مجال تقنيات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، ما يسهم في توفير منصة مواتية لتطوير ونشر المحتوى الرقمي على أوسع نطاق.
حاضنات أعمال تحفّز الإبداع
تفتخر الإمارات أيضاً بوجود حاضنات أعمال ومسرّعات للشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا والإعلام الرقمي، مثل “منطقة دبي للإعلام” و”مدينة دبي للإنترنت” و”مدينة دبي للاستديوهات” وغيرها. توفر هذه الحاضنات بنية تحتية تشريعية وبيئة أعمال تحفّز ريادة الأعمال، ما يفسّر تهافت صناع المحتوى والمستثمرين على تأسيس مشروعاتهم في الدولة.
ختام قمة المليار متابع 2025
اختُتمت فعاليات النسخة الثالثة من قمة المليار متابع 2025 وسط إشادة واسعة من قبل الحاضرين والمشاركين الذين اعتبروا أنّ الحدث قد ارتقى بتطلّعاتهم وتجاوز سقف توقعاتهم. ورصدت وسائل الإعلام العالمية زخماً كبيراً للقمة، وتحوّل وسم #قمة_المليار_متابع أو (#1BillionSummit) إلى أحد أعلى الوسوم تداولاً على المنصات الاجتماعية، بفضل المشاركة المكثّفة والتغطيات الإعلامية المميزة.
الموعد الجديد للنسخة الرابعة 2026
وأعلن المكتب الإعلامي لحكومة دولة الإمارات، الجهة المنظمة للقمة، أنّ النسخة الرابعة من قمة المليار متابع ستُعقد خلال الفترة من 9 إلى 11 يناير 2026. وأوضح القائمون أنّ التحضيرات ستبدأ مبكراً من أجل إضافة مزيد من التطوير على البرامج والفعاليات والأنشطة، لتواكب التطورات المتسارعة في القطاع الرقمي وصناعة المحتوى، ولتعزيز دور الإمارات كمركزٍ عالميٍ للابتكار والاستثمار في هذا المجال.
استمرارية الشراكات وتأثيرها
سيشهد العام 2026 استمرار الشراكات التي تم التأسيس لها في النسخة الثالثة، وتوسيع قاعدة المشاركين من الشركات الناشئة وصناديق الاستثمار. ومن المتوقع أن تُطلق مبادرات جديدة تهدف إلى دعم صُنّاع المحتوى والمواهب الشابة، واستقطاب استثمارات أكبر في مجال التقنيات الرقمية، بالإضافة إلى مزيد من الجوائز والتحفيزات المالية لتشجيع المحتوى الإبداعي الهادف.
دروس مستفادة وآفاق مستقبلية
إن أبرز ما يمكن استخلاصه من قمة المليار متابع 2025 هو التأكيد على أهمية “المحتوى الهادف” كعنصرٍ جوهري في مستقبل التواصل الرقمي. لقد أظهرت النقاشات والحوارات أنّ الأفراد والمؤسسات باتوا أكثر وعياً بقدرة المحتوى على إحداث تغيير إيجابي في المجتمعات، خاصةً إذا جرى توظيفه بإبداع ومسؤولية. وعليه، فإنّ مسيرة تطوير هذا المحتوى لن تنحصر في الجانب التقني أو الاقتصادي فقط، بل يجب أن يشمل ذلك البناء الأخلاقي والإنساني.
الاستثمار في المواهب الشابة
أوضحت القمة أنّ مستقبل صناعة المحتوى يعتمد على تمكين جيلٍ جديد من المبتكرين والأصوات الصاعدة. فالشباب هم الأكثر قدرةً على مواكبة التطورات السريعة في الأدوات الرقمية، وهم كذلك الأقدر على التفاعل مع الجمهور بأساليب غير تقليدية. ولذلك، يبقى الاستمرار في دعم المواهب الشابة وتمويل الأفكار الريادية والحاضنات التعليمية عنصراً حاسماً للحفاظ على زخم القطاع وتفجير طاقاته الإبداعية.
تطور التكنولوجيا وتحدياته
لم يعد خافياً أنّ الذكاء الاصطناعي، والواقع المعزّز، والبيانات الضخمة، وغيرها من التقنيات الحديثة، تشكل مستقبل صناعة المحتوى. ويظهر دور مثل هذه المؤتمرات في ربط صُنّاع القرار بهذه التقنيات من جهة، وصناع المحتوى وخبراء الأعمال من جهة أخرى، بغية وضع أطر تنظيمية وأخلاقية تضمن الاستخدام الأمثل. لكن في الوقت عينه، تبرز تحديات مثل المحافظة على خصوصية الأفراد، ومواجهة الأخبار المضللة، وتأمين المحتوى ضد الاختراقات والتلاعب الرقمي.
التعاطي الإيجابي مع الانتقادات
النهج الذي اعتمدته القمة، والذي تمثل في الترحيب بكافة الآراء والتعاون مع جميع الجهات الفاعلة، يرسّخ مبادئ الشفافية والشراكة العالمية. كما أنّ نجاح القمة في جذب كبار صناع المحتوى ورؤساء الشركات العالمية يبرهن على أنّ البيئة الإماراتية قادرة على توفير منصّة حوار إيجابي وبنّاء.
الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية
يتمحور المستقبل حول قدرة صناعة المحتوى على توليد عوائد اقتصادية مجزية، بالتوازي مع توفير قيمة اجتماعية وأخلاقية عالية. في هذا السياق، يظهر دور الدولة في سنّ تشريعات وقوانين تنظم سوق صناعة المحتوى وتحفظ حقوق الجميع، وتمنح مساحةً للإبداع مع مراعاة الاعتبارات المجتمعية. ومن هنا، فإنّ استمرارية قمة المليار متابع كمحفل دولي يلتقي فيه صُنّاع القرار والروّاد الرقميون يمثل دعامة أساسية لخلق بيئة تسمح بولادة مشاريع جديدة قادرة على المنافسة والاستدامة.
استشراف المستقبل
يمكن القول إنّ قمة المليار متابع 2025 قد حقّقت جميع الأهداف المرجوّة منها، بل وفاقت ذلك بتأسيسها لمفهوم جديد في المؤتمرات العالمية، يقوم على الدمج بين الاستثمار والتمكين والتكريم والتوعية في آنٍ واحد. فالأرقام القياسية التي سجّلتها على صعيد الحضور والمشاركة والجوائز والتمويل تعكس مدى التفاعل العالمي مع رؤية الإمارات السبّاقة في هذا الميدان. كما شهدت هذه النسخة خطوات عملية رائدة كبرنامج “الاستثمار مع صُنّاع المحتوى”، وافتتاح “مقر المؤثرين”، وتكريم المشاريع الريادية، وتوسيع دائرة النقاش حول مسائل حيوية مثل الذكاء الاصطناعي وتحديات التشريعات الرقمية.
تطلعات للنسخة الرابعة 2026
مع اعلان موعد النسخة الرابعة التي ستُعقد في الفترة من 9 إلى 11 يناير 2026، تتعاظم الآمال في تحقيق نقلات نوعية جديدة. فكل نسخة من القمة تضيف أبعاداً جديدة، وتركّز على موضوعات تلائم التطورات المتسارعة في قطاع صناعة المحتوى والإعلام الرقمي. ومن المنتظر أن نشهد مزيداً من المبادرات لدعم الشباب والمرأة ورواد الأعمال في المجال الرقمي، إضافةً إلى تعزيز الشراكة مع الجهات الدولية الرائدة، والاستفادة من خبراتها وتبادلها مع منطقة الشرق الأوسط والعالم.
مسؤولية صُنّاع المحتوى
مع استمرار نمو صناعة المحتوى وازدياد تأثيرها على الأفراد والمجتمعات، تظهر مسؤولية أكبر على عاتق صُنّاع المحتوى . لا تقتصر هذه المسؤولية على نشر المعلومات الصحيحة وتجنّب نشر الشائعات فحسب، بل تشمل المساهمة في إثراء الحوارات حول الموضوعات الحرجة في المجتمع، وتحفيز الشباب على الابتكار، وتعزيز قيم التعايش والتسامح، والحفاظ على هويتهم وثقافتهم. ومن هذا المنطلق، تحمل النسخة المقبلة من القمة رسالة إلى كل مؤثر يعي خطورة الكلمة والصورة في تشكيل الرأي العام وتوجيه المستقبل.
رسالة أمل إلى الأجيال الصاعدة
أخيراً، تخاطب قمة المليار متابع أجيال الشباب الصاعدة برسالة أمل وإيجابية، مفادها أن المستقبل يتسع للجميع إذا توفّرت الإرادة والإيمان بالقدرة على الابتكار. وبقدر ما تمثّل التكنولوجيا من تحديات تتطلب مواكبة سريعة، فإنّها في الوقت ذاته تُقدّم منصّةً هائلةً للإبداع والتعبير والتأثير الإيجابي. لذا، ندعو الجميع للاستمرار في متابعة تلك الفعاليات التي تنمّي القدرات، وتوسّع المدارك، وتؤسس لمجتمع رقمي عالمي أكثر وعياً وتلاحماً في سبيل خير الإنسان وتقدّم البشرية.
الإمارات وجهة مثالية لاحتضان المواهب
ومع ختام فعاليات هذه النسخة، تبدو دبي والإمارات مُقبلتَين على فصلٍ جديد من قصّة نجاح فريدة، يتعزّز فيها دور اقتصاد المحتوى كمحرّك أساسي للتنمية والاستثمار. لقد أثبتت دولة الإمارات أنّها الوجهة المثالية لاحتضان المواهب، وإتاحة البيئة المناسبة لاختبار الأفكار المبتكرة وتحويلها إلى مشاريع حية. وما الإعلان عن استضافة النسخة الرابعة من القمة في يناير 2026 إلا دلالة إضافية على أن رحلة التغيير والابتكار ماضية قدماً، حاملةً معها آمال الأجيال الطموحة وتطلعاتهم لرسم ملامح مستقبل أفضل للبشرية جمعاء، ويبقى الرهان الأكبر هو الحفاظ على روح التعاون والتضامن بين كافة أطراف الصناعة الرقمية، وبناء محتوى ذي معنى وقيمة مضافة، وتوجيه طاقات الشباب نحو تحقيق إنجازات غير مسبوقة في عالم يشهد تطورات تكنولوجية متسارعة كل يوم.