الطلاق ذلك الصدع الذي يصيب البيت فيهدم أركانه ويقضي على بنيانه.. ليلقي بظلال الانهيار على نفسية الطرفين لاسيما المرأة، التي تعاني الأمرين في معظم الحالات في مجتمعنا على كافة الأصعدة.. الأمر الذي يترك آثاراً نفسية قد لا تشفى منها بسهولة.
والسؤال الذي نطرحه في تحقيقنا هذا هو: لماذا تكره المطلقة في مجتمعاتنا الزواج مرة أخرى؟ فهناك مسافة طويلة تفصل بين حدوث الطلاق واستعادة الثقة بالنفس بالنسبة للمرأة تماماً مثل المسافة التي تفصل بين التدمير والبناء؛ حيث من السهل جداً تدمير كل شيء ولكن الصعوبة تكمن في تصور إمكانية تحقيق إعادة الإعمار.. يحدثنا حول هذا الموضوع المستشار الأسري والاجتماعي عبد الرحمن القراش في السطور الآتية:
أولاً: الاعتقادات المولدة لهذا الرفض:
سألنا المستشار القراش حول الاعتقادات التي تتكون عند المرأة المطلقة فتدفعها لرفض أو كره فكرة الزواج مرة أخرى حتى لو كانت صغيرة في السن ومازالت في مقتبل العمر، فأخبرنا بأنّ هناك العديد من الأسباب النفسية والاجتماعية المسببة لهذا الاعتقاد من أهمها:
١. إيمانها التام أنّ القلب لا يفتح إلا لمرة واحدة فإذا جرح من الصعب تكرار التجربة.
٢. ربما يكون من أجل أبنائها وخوفها المستمر على مستقبلهم، وعدم ثقتها بوالدهم فترفض فكرة الزواج مرة أخرى لكي لا تدخل عليهم أباً آخر ربما يكون أسوأ من الأول، أو تفقد حضانتهم.
٣. مرورها بواقع مرير نفسياً مع رجل أفقدها ثقتها بنفسها ما خلق منها إنسانة غير متزنة عاطفياً فتخاف من تكرار التجربة .
٤. ربما تكون مجبرة على الزواج من رجل معين فحدث لها ردة فعل سلبية تجاه تكرار التجربة.
٥. ربما وقوعها تحت يدي رجل عنيف سبب لها صدمة من الرجال كلهم.
٦. انتهاء زواجها الأول بخيانة فتصبح نظرتها لكل الرجال سلبية فلا تفكر بتكرار التجربة.
٧. ربما حدث طلاقها بسبب رجل مستغل نصاب سلبها مدخراتها أو راتبها فأحدث داخلها رعباً من الرجال.
٨. اعتقادها أنّ نفسها أهم وألزم ما عليها فتحيا من أجلها ولا تفكر بالزواج مرة أخرى.
تغيير النظارة السوداء:
وحول أهمية وكيفية تجاوز أزمة المطلقة بأقل الخسائر والتفكير في بداية جديدة يقول القراش:" مهما كانت تلك الأسباب التي آمنت بها المرأة المطلقة وجعلتها ترفض فكرة الزواج مرة أخرى سيبقى نداء الفطرة الأنثوية تسمع صداه بداخلها بين الحين والحين يلح عليها، وهو ما سيساعدها تدريجياً على تخطي الأمر.
لذلك من المهم للمرأة المطلقة أن تجعل في حياتها مقياساً جديداً للرجل، وتغير تلك النظارة السوداء التي تنظر بها، ولتعلم أنّ الحياة لن تتوقف بسبب طلاقها؛ فالعمر يمضي بسرعة وينبغي عليها استدراك هذه الحقائق قبل فوات الأوان لأنّ وضع المرأة المطلقة صعب في الأصل في كل مجتمعات العالم، وليس هناك من داعٍ أن تصعبها على نفسها أكثر، وأفضل شيء هو القبول بالواقع ومحاولة تقصير المسافة بين الهدم والإعمار من جديد من خلال رسم معالم الحياة ما بعد الطلاق".
ما يجدر بالمطلقة القيام به
ولتحقيق التوازن المطلوب للمطلقة للبدء من جديد يشير القراش إلى عدة أمور مهمة على المطلقة الانتباه لها أهمها: استعادة الثقة المفقودة بنفسها، وعدم إطلاق الحكم بالسوء على الرجال جميعهم، ولتعلم المطلقة بأنه ليس هناك مدة محددة لاستعادة المرأة ثقتها بنفسها بعد الطلاق، وهذا الأمر قد يستغرق أشهراً قليلة وربما يدوم سنوات، فيجب أن تفكر في كيفية التغلب على اللحظات المأساوية وتحاول الإسراع في تحليل أسباب الطلاق، وتغلق الباب وتبدأ من جديد في الاهتمام بشؤونها، وأهمها لو تقدم لها أحد فلتكن نظرتها للموضوع جادة ولكن وفق أهداف جديدة غير التي كانت عليها عندما كانت عزباء.
ولتكن المرأة على ثقة بأنّ الطلاق لا يعني أنها ماتت أو انتهت، أو أنّ الحياة خلت من الرجال المميزين الرائعين، بل ربما يكون طلاقها بداية لأسلوب جديد مع الحياة ليجلب السعادة لها أكثر من ذي قبل؛ فالحياة مليئة بالمواقف التي تكون محاور تحول للإنسان فمن الضروري أن تؤمن بوجودها وحقها في العيش مرة أخرى أكثر حيوية وفق أجندة جديدة تضع خط سيرها فيها برؤية أفضل من قبل".