على الرغم من التقدم والمدنية التي نحياها الآن إلا أنه من المؤسف والمحزن أنّ المرأة لاتزال مهضومة الحقوق في بعض المجالات، ولاتزال أروقة ومكاتب المحاكم تعج بالقضايا والشكاوى حول ظلم المرأة في مجتمعاتنا العربية وهضم حقوقها.
ولو تأملنا الأمر جيداً لتيقنا أنّ شريعة الإسلام قد جاءت خاتمة للشرائع المنزلة من عند الله بما فيه صلاح أمر العباد في المعاش والمعاد، ومن ذلك حقوق المرأة، فقد رفع الإسلام مكانتها وأكرمها بما لم يكرمها به دين أو عقيدة أو اتجاه فكري سواه.. فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله.. فما الحقوق التي كفلها الإسلام للمرأة منذ بزوغ فجره لتأتي الدساتير الحالية مطالبة بها من جديد وكأنها ابتكار عصري.
يخبرنا المستشار الاجتماعي والأسري عبدالرحمن القراش عن حقوق المرأة التي كفلها الإسلام لها قائلاً: «أعطى الإسلام المرأة كافة الحقوق، فمنحها حقوقها المادية كالإرث، وحرية التجارة، والتصرف بأموالها مع إعفائها من النفقة في بيت الزوجية حتى ولو كانت ذات دخل مستقل، وأعطاها حقوقها الشخصية كحقوقها الزوجية والأسرية والتعليمية والقانونية، والمشاركة الوطنية والاجتماعية فيما لا يخالف دينها، بل إنّ قيامها بذلك فرض عليها، وواجب ديني أن تخدم المرأة مثلها إن استطاعت، وأعطاها حقوقها السياسية كحقها في المبايعة والشورى، ومما ورد في أمر البيعة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيم} (الممتحنة:12).
فهذا إثبات من القرآن الكريم حول حق المرأة في مبايعة الحاكم مثلها مثل الرجل تماماً، واعتبر صوتها في المشاركة كصوت الرجل دون تمييز بينهما. لذلك تميز الإسلام في مجال الحقوق بمرونته في تناول قضية المرأة فوضع الأسس التي تكفل لها المساواة والحقوق مع الرجل بحسب مقدرة كل واحد منهما، وبحسب ما اختصه الله دينياً لهما».
التاريخ أنصف المرأة
ويضيف القراش: «سنّ القوانين التي تصون كرامة المرأة، وتمنع استغلالها جسدياً أو عقلياً، ثم ترك لها الحرية في خوض مجالات الحياة، ولم يقيدها بعمل أو طريقة أو اتجاه مادامت محافظة على ما فرضه الله عليها. لذلك نجد أنه عبر التاريخ الإسلامي شاركت المرأة المسلمة مع الرجل جنباً إلى جنب في الكفاح لنشر الإسلام، والمحافظة عليه، فاشتركت المرأة المسلمة في أول هجرة للمسلمين إلى الحبشة، وكذلك في الهجرة إلى المدينة المنورة، وخرجت مع الرجال في الغزوات التي قادها الرسول -عليه الصلاة والسلام- لنشر الإسلام.
والتاريخ الإسلامي يؤكد لنا أنّ أول شهيدة في الإسلام هي امرأة تمسكت بالدين الإسلامي، وبالتوحيد، واستشهدت وهي تردد «أحد... أحد»، وهي الشهيدة سمية من آل ياسر _رضي الله عنها_ وشاركت المرأة بالشورى كقصة أم المؤمنين أم سلمة زوجة النبي _صلى الله عليه وسلم_ في حادثة الحلق في الحج يوم النحر، والشواهد على حقوقها التي كفلها الإسلام كثيرة».
النظرة لحقوق المرأة
والإسلام جاء شاملاً كافياً وافياً لم يغفل عن حق المرأة ودورها في الحياة فكرّمها وأعلى شأنها، ولكن تعطيل تلك الحقوق جاء بمسميات اجتماعية وشخصية وفكرية بعيدة عن حوزة الإسلام وعن اللحمة الوطنية، ومع تعاقب حقب الزمان وتغير الأحوال والانفتاح العالمي انقسم الناس في نظرتهم لحقوق المرأة إلى صنفين.
الصنف الأول:
من يرى أنّ حقوق المرأة لا تتعدى حدود بيتها فقام بوأدها حية باسم العادات والموروثات الثقافية والاجتماعية، التي تضرب بجذورها في أعماق نفسية الرجل الشرقي الذكورية.
الصنف الثاني:
يريد إخراجها إلى العالم المنفتح من دون قيود أو شروط لتواكب المرأة الغربية في تصرفاتها فينادي بحقوقها في كل منبر من دون مراعاة لدين أو خلق.
وللأسف كلا الصنفين السابقين على خطأ جسيم يخالف الشريعة المحمدية. إنّ كل دعوة لسلب المرأة حقوقها التي كفلها الإسلام تحت أي مسمى اجتماعي أو قبلي يعدّ انتهاكاً صارخاً لأمر الله. وكل دعوة للمساواة المطلقة بينها وبين الرجل وإخراجها من خدرها بأي مسمى لم يرضه الإسلام لها دعوة باطلة شرعاً وعقلاً، حيث إنّ لكل من الجنسين وظيفة تختلف عن الآخر على الرغم من اشتراكهما في جميع مسائل الدين، أصوله وفروعه، إلا فيما اختص الله به كل جنس منهما من إدارة شؤون الحياة أو البيت أو الحكم.