مشهد يتكرر مؤخراً في المسلسلات العربية عامة، والخليجية على وجه الخصوص، حيث تتفقد الأم فراش الابنة صباحاً فلا تجدها، وتبحث عنها في الحمام وحديقة المنزل دون نتيجة، فتصرخ حسب السيناريو المرسوم لها: «البنت هربت يا أبو نايل، الحقني، يا فضيحتي من الناس».
كشفت تقارير حديثة نشرتها دائرة الخدمة الاجتماعية في الشارقة عن أن عدم تفهم المتطلبات النفسية للفتيات يدفعهن إلى الهروب من ذويهم، هنا أوضحت عفاف المري رئيسة دائرة الخدمات الاجتماعية في الشارقة، أن العلاقات العاطفية «الحب» أول مسببات هروب الفتيات من منازل أسرهن، أو رفض الأهل قبول تزويجهن بأشخاص يرغبن في الزواج بهم. وتابعت: «يوجد فتاتان في دار «قوارير» لرعاية النساء المعنفات حالياً، بينما نجحت الدائرة في عقد 14 مصالحة بين فتيات وأهاليهن خلال العام الماضي».
هروب الفتاة من أحضان أسرتها يعود للعنف داخل المنزل، وخاصة العنف اللفظي الذي له تأثيراته أكثر من الجسدي. برأي نانسي أحمد الباحثة الاجتماعية في شؤون المرأة، وهذه نقطة ضعف يستغلها الكثير من الانتهازيين؛ لتشجيع الفتاة على الهروب. تستدرك نانسي: «هربت فتاة لا يتجاوز عمرها «15 عاماً»؛ بسبب الضغط عليها لتزويجها من رجل كبير في السن، ثم وجدها أهلها مع أربعة شبان في إحدى الشقق».
أنتظر نصيبي
للفتيات وجهات نظر مختلفة حول هذه المشكلة، وبرأي دارين عبدالعزيز، موظفة تعدت «33 عاماً»، أن هروب الفتاة هو نتيجة لتحكم الأب في قدر الفتاة.
وتتساءل شمة، طالبة، اكتفت بهذا الاسم: «كنا نعشق المسلسلات التركية، ونتمنى تطبيقها، ولكن الظروف والعادات والتقاليد لن تعطينا الفرصة لتحقيق أمالنا، ونظراً لوفاة والدتي وزواج والدي من امرأة أخرى حاول والدي تزويجي من شخص لا أعرفه، وهو كبير بالسن، ولكنني قررت الهرب، وفعلاً هربت عند أهل صديقتي، ولكن بعد أسبوع جاء والدي وأخذني بالقوة».
حتى أن إنجي مجدي، طالبة، تعترف بأن الكثير من الطلاب والطالبات يتعرفون على بعضهم، ولكن في النهاية يرفض الأب هذا الزواج. تستدرك إنجي: «إحدى زميلاتي في الكلية هربت من منزلها؛ بسبب المعاملة السيئة من زوجة أبيها، التي أجبرتها على الزواج من أحد أقاربها وهي تريد زميلها بالكلية». فيما تروي فاطمة عبدالعظيم، مدرسة ولها ثلاث بنات: «الاعتداء اللفظي والبدني بأديا إلى هروب زميلتي في العمل مع شاب كان قد تقدم لها عدة مرات للزواج، ولكن والدها رفض؛ لأنها تعمل وتعول الأسرة، حيث ألقت الشرطة القبض عليهما، وقد تزوجت الشاب، ولكن خلال الكشف الطبي عليها تبين أنها حامل، فمن أوصلها لهذه الحال؟»
التسيب والفضائيات
«ما ضيع البنات إلا بعض المسلسلات الخليجية كلها حب وخرابيط»، برأي مريم سرحان، موظفة، وتتابع: «في غياب حنان الأم من يشبع البنات حناناً غير الشباب بعد الإعجاب وتقليد الممثلات، ومع الكلام المعسول حتى يشجعها على الهرب من البيتا».
فيما تعيد أحلام العمر، موظفة في وزارة، أسباب هروب بعض الفتيات من منازلهن إلى مرحلة المراهقة والتسيب في البيت، كذلك ترك البنت لمشاهدة الفضائيات والأفلام الإباحية
رجال
مهورهن المرتفعة
الفتيات تعاملن على ما يحصل لقريناتهن، ولكن ماذا عن أولياء الأمور؟ فالمؤرخ مصطفى عزت الهبرة، يرى أن أسباب هروبهن تعود إلى: ضغط الحياة، والعمل، وانشغال الأبوين، وارتفاع تكاليف المعيشة اليومية، ما يعطي الفتاة فسحة أوسع للتصرف خارج منظومة الرقابة الأسرية».
فيما يعتبر الدكتور علي العامري أن هرب الفتاة من ذويها ليس بالشيء السهل في المجتمع الإماراتي، يستدرك: «العلاقة بين الأبوين هي التي ترسم مثل هذه المشاكل، وكذلك علاقة الأم مع ابنتها إن لم تكن ودية ستضيع الفتاة».
الاهتمام من جانب الأهل موجود، برأي علي قمبر، موظف، لكن المشكلة أن البنات متكبرات على الزواج، ويبغين زواجاً في الأحلام، يتابع قمبر: «كلما ظلت البنت داخل البيت، وخاصة لما تكبر، تستوي المشاكل».
فيما يعتبر محمد ضاحي خليفة، موظف في وزارة، أن هروب الفتيات يأتي من خلال العنف بعد الدلع، يتابع: «جاء نتيجة توفير كل المستلزمات من هواتف ذكية ووسائل تسهل الاتصال بالشباب، ويصبح الهرب أسهل».
وإذا كانت الأم ربة منزل تسهر الليل وتنام إلى الظهيرة، وتنشغل مع صديقاتها، فهذه بداية المصيبة برأي جاسم البستاني موظف.».
ويشترط علي عمر، محاسب، حتى لا تتحول المشكلة إلى ظاهرة، أن يكون هناك حوار داخل الأسرة مع التوجيه والمتابعة والرقابة.ر».
جريمة
المشكلة الأساسية في الأسرة هي التربية، وليست في البنت الهاربة، برأي الدكتورة ندى العمار، أستاذة علم الاجتماع، وقد تكون القسوة أحد الأسباب، والدلع أحياناً يخلق هذه المشكلة؛ حيث ينشأ التسيب والانفلات الأسري، وعدم الانضباط تحت مسمي الحرية. تتابع الدكتورة: «رغم الانفتاح الذي يجتاح العالم إلا إن المجتمعات العربية لاتزال تحافظ على عاداتها وتقاليدها، وخاصة الإمارات، فهروب البنت خارج البيت يعتبر جريمة غير مقبولة، وأعتقد أن الزواج المتعدد الذي يلجأ إليه بعض الرجال أحد الأسباب وراء التفكك الأسري».