"الأندركراوند" و"المترو" و"التيوب".. كلها تسميات مختلفة لقطارات الأنفاق اللندنية السريعة، التي تسير تحت وفوق أرض لندن وتنقل يومياً ملايين الناس لتوصلهم بأطراف العاصمة الأربعة وتأخذهم في رحلات منتظمة على مدار الليل والنهار.
وتحتفل لندن في هذه الأيام بذكرى مرور مائة وخمسين عاماً على انطلاق أول رحلة لهذه القطارات، وكان ذلك في شهر يناير \ كانون الثاني 1863، حيث نقل القطار يومها أربعين ألف راكب بثيابهم الفيكتورية التي كانت شائعة في ذلك الوقت وأخذهم من محطة "بادنغتون" إلى محطة "فاريندون"، وكانوا يومها محبوسي الأنفاس ومتكدسين في العربات المضاءة بفوانيس الغاز بسبب عدم توافر الإنارة الكهربائية، وقد سجلوا أنفسهم في هذه المغامرة كشهود على الظهور الأول لهذه الواسطة الجديدة للنقل، ليس في لندن فقط وإنما في أوربا كلها.
وعموماً فإن الذي يعيش في لندن في عصرنا الحالي، أو يزورها كسائح، يدرك تماماً أن هذه القطارات هي أيقونة لندن وهي نبض قلبها الذي لا يتوقف إلا عندما يحلو للعاملين فيه أن يقوموا بالإضرابات من وقت إلى آخر للمطالبة ببعض الحقوق، التي يعرفون أنها ستلبى عاجلاً.. وإلا فان لندن ستعيش سكوناً مربكاً لم تألفه ولا طاقة لها عليه.
المترو.. ذاكرة مدينة
على مدى مائة وخمسين عاماً، تحول قطار الأنفاق إلى جزء من حياة الناس ومن ذاكرتهم، ولا يمكن نسيان أن الأنفاق قد تحولت في الحرب العالمية الثانية إلى ملاجئ يهرع إليها الناس مع اشتداد القصف على المدينة، ويذكر الإعلامي جيري سبرينغر في سيرته الذاتية كيف أنه قد ولد في محطة "هايغايت" في شمالي لندن خلال الحرب العالمية الثانية، فيما استوحى الأديب جوليان بارنز روايته الشهيرة "ميترو لاند" من وحي نهايات خط قطارات "ميتروبوليتان" في ضواحي لندن.
أما الكاتبة الشهيرة جي كي رولنغ فإنها قد ذهبت أبعد من الآخرين حين أعلنت أن سلسلة قصص "هاري بوتر" الشهيرة قد ولدت في عقلها وهي جالسة في القطار، وأن كل الخطوط الرئيسة قد اكتملت في مخيلتها عندما وصلت إلى محطة "كنجس كروس" وغادرت المكان.
ولا يمكن أن ننسى ما تحمله محطات القطارات من ملصقات وإعلانات على جدرانها وفي داخل القطارات نفسها، وكيف أنها تشكل مفكرة متحركة يعرف من خلالها الناس ما يجري في المتاحف وقاعات الفن التشكيلي ودور السينما والمسرح، وصار لهذه الإعلانات فنانون خاصون يعرفون بمصممي إعلانات المترو.
رحلة بالقطار البخاري
لأن مترو لندن أيقونة المدينة، فقد وضعت خطة للاحتفال به على مدى عام كامل تتضمن معارض استعادية ومسرحيات وأغان وموسيقى وعروض حية وفنون تشكيلية معاصرة؛ ولعل أكثرهذه النشاطات إثارة هو إعادة تشغيل المترو القديم رقم واحد، الذي يعمل بالبخار ويعود تاريخه الى عام 1898، وقد عرضت تذاكر السفرة للبيع أمام اللندنيين والزوار على السواء، وبيعت في وقت قياسي بعد أن بلغ سعر التذكرة الواحدة 180 جنيهاً إسترلينياً، وسيبدأ القطار رحلته اليوم الأحد 13 من الشهر الحالي حيث ستشهد محطة " بيكرستريت" بدء الرحلة وسيمتلىء المكان بالبخار ورائحة الوقود في استعادة للحظات عاشها الناس قبل مائة وخمسين عاماً.