خرجت عائلة مصرية، تقطن في إمارة الشارقة، إلى أحد المراكز التجارية بدبي؛ للاستمتاع بالإجازة الأسبوعية، ولم تعد إلا بعد منتصف الليل، بعد رحلة لعب ومرح فيها ابنتهم حبيبة 3 سنوات، وعبد الرحمن 6 سنوات، وفي لحظة اختل توازن يومهم، وارتبك فجرهم، وغطت حبيبة في نومها الأبدي، فيما صارع عبد الرحمن على سرير الشفاء في مستشفى القاسمي بالشارقة؛ نتيجة تسرب غاز الفوسفين السام، الذي استنشقته الضحية وشقيقها من الشقة المجاورة لشقتهم. «سيدتي نت» تسرد قصة حبيبة.
الشقيق خرج من المستشفى بعد يومين، وعيّن له طبيب نفسي، بسبب معاناته من فقدان أخته، هذه الحادثة سببت استياء الجميع، حين كشف تقرير المختبر الجنائي في شرطة الشارقة، أن وفاتها لم تكن بسبب تسمم غذائي، كما أشيع في بداية الأمر، ولكنها ناجمة عن تسرب غاز الفوسفين السام، الذي استنشقته هي وشقيقها من الشقة المجاورة لشقتهم.
بعد الحادثة، بدأت ردود الأفعال تتباين وتتنوع، بين مطالبين بتجريم من يستخدم تلك المبيدات، وبين من بدأ بتوزيع نشرات تثقيفية حول مخاطر هذه المبيدات الحشرية، التي جعلتنا نشعر كأفراد، أننا اختصاصيون كيميائيون يمكننا التمييز، بين الصالح والمضر منها، لكننا لم نستغرب أبداً ردود الأفعال تلك، فنحن للأسف نعاني من وجود مؤسسات لا تتحرك إلا بناء على ردود أفعال!
اعتبر متابعون «عن كثب»، للقضية أن حادثة وفاة الطفلة حبيبة، كشفت عن قصور في رقابة هذه العمالة السائبة، فيما جاء الرد الرسمي من الشرطة: «نعدكم بفرض مزيد من الرقابة على المنافذ؛ حتى لا يتم إدخال مواد سامة محظورة إلى الإمارات»، كما طلبوا من الناس عدم التعامل مع من يتركون أسماءهم وعناوينهم على أبواب الشقق، وإلا ستوجه التهمة إلى من يستعينون بهم.
هناك تسرب
رئيس المختبر الجنائي بشرطة الشارقة، العقيد الدكتور عبدالقادر العامري، كشف عن خطورة غاز الفوسفين ومسؤوليته عن قتل الكثيرين على مستوى العالم، والمشكلة أنه يستخدم بأسماء تجارية عدة، وحسب بلد المنشأ ومنها: اسيلفوس، يونايتد فوسفورس، فوستوكسين، فيوميفوس.
وعندما سألته «سيدتي نت»، عن نتائج الفحوص المخبرية والمعاينات الفنية لشقة الطفلة الضحية، قال: «العينات المرفوعة، أثبتت أن هناك كميات كبيرة من مادة فوسفيد الألومينيوم السامة، المستخدمة بوصفها مبيداً حشرياً، في الشقة المجاورة للشقة، وقد تسربت عبر فتحات، خلف السقف المستعار، وهي غير مرئية للقاطنين».
ماذا عن سكان الشقة، التي تم رشها بالمبيد السام، تبين أنهم أسرة هندية، وهم حالياً خارج الإمارات؟
قررنا فتحها، والتحقق منها، تبين بالفعل وجود «26» قرصاً من مادة فوسفيد الألومنيوم، الممنوع تداولها، وقد تم توزيعها في مواقع مختلفة من الشقة، بطريقة تدل على أنها استخدمت بهدف تطهير الشقة من القوارض والحشرات بعد سفر قاطنيها.
التباس
ولكن لماذا أشيع، بأن حالة الطفلة راجعة لتسمم غذائي، كما أنها أعطيت علاجاً بناء على ذلك؟ برر الدكتور خالد خلفان، نائب مدير مستشفى القاسمي، ما حصل بناء على المعلومات الأولية التي قدمها الأب، الذي قال: «ما حدث لهما هو نتيجة تناولهما لبعض الأطعمة المجففة».
يتابع الدكتور: «ولكن لم يتجاوب الطفلان للعلاج المتعارف عليه في حالات التسمم الغذائي، وهي تعويض الجفاف الناتج عن فقد السوائل، وعند سؤاله تذكر أن شريطاً لاصقاً، لاحظه على الباب المجاور له، ومن هنا بدأ التحرك، وتغيرت خطة العلاج، لكن كان القدر، قد أسرع فخطف حبيبة»..
المسألة أكبر
مدير التحريات في شرطة الشارقة، العقيد جهاد سعيد ساحوه، تعامل مع المسألة، على أنها أكبر من أسرة، قامت برش بيتها بمبيد حشري، فبدأ بالبحث عن مصدر تلك المبيدات المحظورة، وتابع: «توصلنا إلى شخصين، من الجنسية البنغالية، هما من قاما بمعالجة المنزل بتلك المبيدات الحشرية السامة، وتم توقيفهما، واعترفا بما فعلاه، وفوجئنا أن مقر سكنهما عبارة عن مصنع لخلط تلك المبيدات بمشاركة (5) آخرين، يسكنون معهما في نفس الشقة».
شقة المتهمين، كانت محلاً تجارياً ومعملاً غير مرخص؛ لخلط وبيع وتداول المواد الكيميائية السامة، وهم بذلك عرضوا حياتهم وحياة سكان المبنى للخطر، ففي شقتهم كميات كبيرة من الأدوات التي تستخدم في عمليات الرش، وأنواع متعددة من بطاقات الإعلانات الوهمية؛ التي يقوم المشتبه بهما بتوزيعها على الأهالي وأصحاب الشقق السكنية، يستدرك ساحوه: «بالتدقيق على الإيصالات، بادرنا بالاتصال الفوري بالزبائن، من خلال أرقامهم الموجودة عليها، وقمنا بتنبيههم بعدم استخدام مثل هذه المبيدات».
حملات
إذا كانت كل الإجراءات متبعة ومطبقة بحذافيرها، وهناك رقابة على شركات الرش، فكيف دخلت هذه المادة التي تسببت في وفاة الطفلة حبيبة، إلى الإمارات، وكيف سمح للعائلة باستخدامها؟
الجمارك رفضوا الإجابة، وقالوا: إن المسألة ليست من اختصاصهم، في حين أن السؤال الأكبر هو، كيف تهرب هذه المواد وهي محظورة؟ في الوقت الذي وعدت فيه الشرطة، بأن توجه بزيادة الرقابة، من قبل الجمارك؛ لمنع تهريب المبيدات السامة؛ لضمان عدم تمريرها من خلال المسافرين الوافدين إلى الإمارات، الذين قد يتسببون في وقوع كوارث من هذا النوع، كما حدث في هذه القضية.
وكيف ستتم مقاضاتهم في هذه الحالة بعد أن ثبتت وفاة الطفلة بسبب تلك المادة وتضرر شقيقها بها؟
ميساء بن غدير، عضو المجلس الوطني الاتحادي، سابقاً، قالت: «لا نستطيع لوم الجيران وحدهم في وفاة الطفلة حبيبة، فهناك ثغرات موجودة في الإجراءات المطبقة في التعامل مع المبيدات الحشرية التي يتم دخولها واستخدامها في الإمارات، فالواجب يحتم على الجهات المتخصصة، أن تقوم بأدوار أكبر؛ حفاظاً على أرواح الأفراد وسلامتهم»!
تابعوا المزيد من التفاصيل والآراء في عدد "سيدتي" بالأسواق