كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Business Venturing Insights أن رواد الأعمال يتمتعون بقدرات معرفية وبنية دماغية أعلى مقارنة بنظرائهم الذين لا يزالون يعملون في وظائف روتينية.
ركزت الدراسة على تكوين الدماغ، وتحديداً المادة الرمادية المسؤولة عن معالجة المعلومات وإصدار أوامر جديدة تمر عبر الألياف العصبية الموجودة في المادة البيضاء.
البنية الدماغية لرواد الأعمال
وجدت الدراسة أن المادة الرمادية لدى رواد الأعمال سجلت حجماً أكبر في مناطق معينة من المخ، ما يشير إلى ثمة روابط بين الخبرات الريادية والقدرات المعرفية والعصبية لدى الأشخاص.
وكشفت مجموعة من الباحثين وهم: فريديريك أومز، وجيتكا أنين، وراجانيكانت باندا، وبينيديتا تشيكوني، وبرنارد سورليمونت، وستيفن لوريس، عن أن العمل في مجالات ريادة الأعمال يساعد على المرونة في التفكير، كما يُعزز القدرة على التكيف، وإعادة تفسير المفاهيم، ومن ثم مرونة تغيير الإستراتيجيات، وجميعها قدرات ترفع فرص التطور والنجاح.
ماذا قالت الدراسات عن رواد الأعمال؟
أظهرت دراسات سابقة أن المرونة المعرفية ترتبط بشكل مباشر بقدرات أخرى مثل القيادة واليقظة والإبداع والابتكار، لكن الدراسات السابقة ركزت على الطلاب، لذلك لم تنجح في تفسير التركيبة الدماغية لرواد الأعمال ذوي الخبرة، وخاصة أولئك الذين يُطلقون مشاريع جديدة ومبتكرة.
أما هذه الدراسة فركزت على رواد الأعمال المتمرسين، أي هؤلاء الذين يُطلقون عدة مشاريع تجارية إما بالتتابع أو في وقت واحد، يشكلون مجموعةً كبيرةً لاحقاً، وأشار الباحثون إلى إن ثمة اختلافات في بنية الدماغ بينهم وبين آخرين.
افترض الباحثون أن رواد الأعمال المتمرسين لديهم قدرات معرفية أعلى مقارنة برواد الأعمال الأقل خبرة وغير رواد الأعمال، وأن هذه الاختلافات المعرفية قد تكون مرتبطةً بتغيرات بنيوية في الدماغ.
وأجروا بناء على ذلك دراستين، وهما كالتالي:
الدراسة الأولى
في الدراسة الأولى، ركز الباحثون على تقييم القدرات المعرفية بين رواد الأعمال وموظفين آخرين لهم شأن وظيفي مثل المديرين. وقاموا بجمع بيانات من عينة قوامها 727 مشاركاً، شملت 403 من رواد الأعمال و324 مديراً.
وتم تصنيف رواد الأعمال إلى رواد أعمال متمرسين - أولئك الذين أطلقوا ثلاثة أعمال تجارية على الأقل إما بالتتابع أو بالتزامن - ورواد أعمال أقل خبرة بناءً على إجاباتهم على السؤال "كم عدد الشركات التي أسستها؟"
ولقياس القدرات المعرفية والإدراكية، استخدم الباحثون مقياس مارتن وروبين، وهو أداة معتمدة لتقييم بعدين: التفكير الإبداعي واتخاذ القرار. وقد صنف المشاركون مدى موافقتهم على بيانات مختلفة على مقياس يتراوح من 1 ("أختلف بشدة") إلى 7 ("أوافق بشدة"). سمحت هذه الطريقة للباحثين بقياس المرونة الإدراكية بطريقة دقيقة.
النتيجة
أشارت نتائج الدراسة الأولى إلى وجود فروق كبيرة في القدرات المعرفية وخاصة المرونة بين رواد الأعمال والمديرين. فقد سجل رواد الأعمال درجات أعلى في كلا البعدين من المرونة المعرفية - التفكير الإبداعي واتخاذ القرار.
وعندما قارن الباحثون رواد الأعمال المتمرسين برواد الأعمال والمديرين الأقل خبرة، وجدوا أن رواد الأعمال المتمرسين لديهم قدرات معرفية ومرونة في التفكير أعلى من نظرائهم. ما يعزز فرضية أن تمرس ريادة الأعمال وإطلاق المشروعات يساهم في تحسين قدرات الفرد لا سيما من حيث المرونة والابتكار.
الدراسة الثانية
ركزت الدراسة الثانية على تشريح بنية الدماغ، ومدى تأثير الاختلافات هذه من الناحية البنيوية في الدماغ. وفي هذا الجزء من البحث، دعا الباحثون مجموعة فرعية من المشاركين من العينة الأولية للخضوع لفحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي البنيوية، وتألفت هذه المجموعة الفرعية من 40 فرداً بينهم 23 من رواد الأعمال المتمرسين و17 مديراً.
ركز تحليل التصوير بالرنين المغناطيسي على حجم المادة الرمادية، وخاصةً في مناطق الدماغ المرتبطة بالمرونة الإدراكية والعمليات الإبداعية. استخدم الباحثون قياس الحجم القائم على الفوكسل (VBM)، وهي تقنية تقيس الاختلافات في تشريح الدماغ، لمقارنة أحجام المادة الرمادية بين رواد الأعمال المتمرسين والمديرين. كما قاموا بالتحكم في المتغيرات مثل العمر وحجم الدماغ الإجمالي لضمان صحة النتائج.
النتيجة
جاءت النتيجة لتؤكد الفرضية الأساسية للبحث، حيث أظهر التصوير بالرنين المغناطيسي زيادة كبيرة في حجم المادة الرمادية في الجزء الأيسر رواد الأعمال مقارنة بالمديرين.
وعرف الباحثون المنطقة التي سجلت زيادة في حجم المادة الرمادية بأنها المنطقة المرتبطة بالإبداع والتفكير المرن.
أهمية النتائج
أشار الباحثون في نهاية الدراسة إلى أهمية النتائج التي توصلت إليها، خاصة أنها قد تساعد لاحقاً في تصميم برامج تدريبية وتعليمية تهدف إلى تعزيز هذه القدرة لدى رواد الأعمال المبتدئين والأقل خبرة.
كما شددوا على أهمية أدوات التقييم التي توصلت لها الدراسة في تحديد الأفراد الذين يتمتعون بقدرات معرفية وإبداعية عالية لأنهم قد يكونون رجال أعمال محتملين ما يؤدي في النهاية إلى مشاريع أكثر فاعلية.
قد يعجبكم أيضاً.. أسرار تعزيز المرونة والقدرة على التكيف في بيئة العمل
