يعتبر الشعور بالدونية أو الإحساس بالنقص من بين أكثر المشكلات النفسية التي تؤثّر سلباً على سلوك الطفل وتتسبّب في انعزاله عن أقرانه. وفي هذا الإطار، تفيد دراسة سيكولوجية صادرة حديثاً عن "الجمعية العالمية لرعاية الأسرة والطفل" National Association for Family and Child Care (NAFCC) أن الشعور بالدونية لدى الأطفال هو النقيض للشعور بالتميّز والتفوّق المبالغ فيه، وكلاهما حالة نفسية غير سوية تصيب الطفل في مرحلته المبكرة وتظهر بوضوح في سن المدرسة. وتعزو الأمر إلى أن زيادة شعور الطفل بتميّزه عن أقرانه في قدراته العقلية أو الجسدية أو الاقتصادية أو الاجتماعية تؤدّي إلى إصابته بالغرور والعظمة، فيما أن الشعور بالنقص والدونية يأتي على النقيض تماماً إذ يشمل مجموعة من المشاعر والأحاسيس المركّبة والسلبية التي تلازم الطفل وتشعره بنقص عام في شخصيته نتيجة أسباب نفسية أو جسدية أو عقلية. وفي كلتا الحالتين، يشعر الطفل بضرورة ابتعاده عن محيطه وبقائه وحده.
"سيدتي" تسأل الاختصاصية في علم النفس وعلاج نفس الأطفال في "مركز تنمية الفكر" الدكتورة دعاء الحذيفي عن أسباب تكوّن الشعور بالدونية في نفس الطفل وكيفية تجنّبه وعلاجه.
ثمة أسباب محدّدة تؤدي إلى شعور الطفل بالنقص والدونية وبالتالي ضعف الثقة بالنفس، أبرزها:
1 التأخّر العقلي: قد يؤدي تأخر الطفل الدراسي وضعف تحصيله واستيعابه للمواد التي يدرسها إلى شعوره بتدنّي ذاته مقارنة بأقرانه وأصدقائه. ويؤكّد علماء النفس أن بطء النمو العقلي يعدّ السبب الرئيس في التأخر العقلي الذي يتدرّج من البسيط إلى المتوسط فالشديد والحاد.
2 عوامل نفسية: يعاني بعض الأطفال من مشكلات أسرية داخل محيطه الاجتماعي تؤثر سلباً على سلوكه، فتجعله يشعر بتدنّي ذاته مقارنة بالآخرين. ولعلّ أكثر هذه المشكلات شيوعاً: الخلافات بين الوالدين أو انفصالهما أو فقدان عزيز. وفي هذا الإطار، تشير دراسة صادرة حديثاً عن "الجمعية العالمية لرعاية الطفل"National Child Care Association (NCCA) أن الشعور بالخوف يمثّل عاملاً نفسياً هاماً في تكوين الشعور بالدونية لدى الأطفال. وقد أظهر الباحثون أن الخوف، بصورة عامة، يمثّل حالة انفعالية داخلية وطبيعية يشعر بها الطفل تجاه الأشياء التي قد تلحق به الأذى. أمّا الخوف المرضي الذي يرتبط بأشياء معينة بصورة لا تتناسب مع حقيقتها فهو الذي ينعكس بوضوح على سلوك الطفل في صورة إحجام وانطواء. وقد يرتبط هذا الخوف المرضي بمواقف غير حقيقية أو أحداث تخيليّة، كأن يخاف الطفل من مدرسته أو معلّمته أو مخالطة الأصدقاء الجدد أو الخطأ أمام الآخرين أو عدم قدرته على التعبير أو فقدان أحد الوالدين أو كلاهما، الأمر الذي يشعره دائماً بالنقص وعدم اكتمال الأشياء وتدني الذات.
3 الإعاقة الجسدية: مما لا شك فيه أن الإعاقة الجسدية تعتبر من الأسباب المباشرة في شعور الطفل بتدني الذات والشعور بالنقص والعجز عن الإنجاز، فيبدو غير جدير بالاهتمام من قبل ذويه، ويتعاظم شعوره بضعف الحيلة وعدم قدرته على السيطرة على البيئة المحيطة به. وتبيّن الدراسات النفسية أن الأطفال المعوقين غالباً ما يصدر عنهم بعض السلوكيات الخاطئة التي تؤدي إلى عقابهم من قبل ذويهم، الأمر الذي يزيد لديهم الشعور بفقدان الثقة بالذات والإحباط والنقص مقارنة بالآخرين.
4 عوامل اقتصادية واجتماعية: قد يشعر الطفل بالدونية والنقص بسبب تدني مستوى معيشته الاقتصادية وضعف قدرة والديه على توفير احتياجاته الخاصة مقارنة بأصدقائه وأقرانه، كما قد يؤثر الوضع الاجتماعي للأسرة على حالة الطفل النفسية وشعوره بالدونية مثل: مكان السكن ونوع السيارة وتاريخ العائلة ومستوى المدرسة المنتسب إليها...
خطوات سلوكية مساندة
يؤكد علماء النفس في "الجمعية العالمية لتعليم الصغار" National Association for the Education of Young Children أن هناك العديد من النصائح السلوكية التي تساند خلالها الأم صغيرها وتدفعه إلى التخلّي عن شعوره بالدونية وتعزيز شعوره بذاته، أبرزها:
_ اجعلي من عقدة النقص لدى طفلك نقطة انطلاق جديدة. وفي هذا الإطار، يؤكد علماء النفس أن الأطفال الذين يعانون من إعاقة ذهنية أو جسدية يستطيعون إيجاد بدائل أخرى تعوّض لهم هذا النقص وترفع من شأنهم أمام الآخرين، فنلاحظ مثلاً العديد من الأطفال المكفوفين يجيدون العزف على بعض الآلات الموسيقية بشكل أفضل من أقرانهم المبصرين، كما نجد بعض الأطفال المعوقين يحصلون على جوائز ومراكز متقدّمة في المسابقات الرياضية والثقافية.
_ انزعي الخوف من نفس طفلك وعزّزي مواطن القوة في شخصيته، إذ يرى علماء النفس أن التكوين النفسي للطفل يتشكّل منذ أيامه الأولى بعد الولادة ويستمر معه لباقي مراحل حياته، فضلاً عن أنه في أعوامه الأولى يختبر درجة التجاذب الوجداني مع من حوله من خلال أمه التي تمثّل نقطة تواصله مع العالم الخارجي. لذا، يرى الخبراء أن غالبية الأطفال في مراحلهم العمرية الأولى يعانون من القلق المبكر من فقد أمهاتهم، وينتج عن هذا الأمر بعض المشاعر السلبية كالتعلّق الشديد بها والشعور بالنقص في غيابها والبكاء والصراخ عند ابتعادها عنه. ويخلص علماء النفس إلى أنّه يقع على عاتق الأم تعزيز مواطن القوة في نفس طفلها وتعبئة الفراغ الذي يشعره بالنقص والدونية في غيابها، وذلك عبر إيجاد بدائل وأنشطة سلوكية تشعر الطفل بالأمان وتخلّصه من مشاعر الخوف.
_تجنّبي توبيخ الطفل بشكل قاس ينقص من قدره ويؤثر على شخصيته أمام أقرانه أو أفراد عائلته، حيث تفيد الدراسات السلوكية أن غالبية الأطفال الذين يعانون من نقص الثقة بالنفس وتدني الذات يتعرّضون أكثر من غيرهم إلى التوبيخ والعقاب بصورة تشعرهم بالدونية وضعف الشخصية.
- لاحظي علامات بدء نشوء الشعور بالدونية في شخصية طفلك وسارعي بتعزيز المشاعر الإيجابية في نفس طفلك. ومن بين أبرز هذه العلامات:
-
التردّد: يعتبر التردّد مؤشراً قوياً على ضعف الثقة بالنفس وتدني الذات الناتجين عن خوف الطفل من التحدّث أو الخطأ أمام الآخرين. لذا، يجدر بالأم تشجيع طفلها على أن يقول أو يفعل ما يريده بدون خوف أو تردّد، الأمر الذي يقصي لديه الشعور بالنقص بمرور الوقت.
-
الخجل: يعدّ الخجل دلالة أساسية على شعور الطفل بالنقص واعتقاده بأنه لا يستطيع الانخراط مع من حوله بشكل سليم، الأمر الذي يدفعه إلى الانكماش والانطواء.
-
عدم القدرة على التفكير المستقل: يؤكد علماء النفس أن الشعور بالدونية يعيق استقلالية الطفل في تكوين شخصيته أو تحديد مسار تفكيره بسبب إيمانه بأنه غير قادر على التحكّم في الأمور من حوله بشكل صحيح.
_ قومي بتوفير الهدوء والراحة النفسية للطفل من خلال إشاعة أجواء هادئة ومستقرّة في المنزل وتجنّب المشاحنات والمنازعات أمام الطفل.
_ عزّزي شعور طفلك بأن قيمته في شخصيته وليس في ما يمتلكه من أجهزة وألعاب إلكترونية، ويؤكد العلماء في هذا الإطار أن هذه الطريقة تساعد في نمو الطفل النفسي بشكل سليم.