ممّا لا شك فيه أن تدليل الوالدين لطفلهما بإفراط وتلبية متطلباته كافة ينمّي لديه هوس اقتناء كل ما هو جديد وعدم تقدير ما يمتلكه، ويحوّل الأمر الى نمط معيشي لا يشعر من خلاله بصفة الشكر أو الامتنان! وفي هذا الاطار، أثبتت دراسة أميركية حديثة صادرة عن «مركز دراسات الطفل والأسرة» Centre for Child & Family Studies (CCFS) أن أكثر من %10 من الأطفال، ممن تتراوح أعمارهم ما بين 8 و12 عاماً، يكونون دائمي التطلع لاقتناء الأشياء الجديدة، ما يجعلهم أكثر إلحاحاً في الحصول عليها غير راضين أو سعداء بما يملكونه بالفعل. «سيدتي» اطلعت من الاختصاصيّة هنيدة عبد الوهاب مغربي على الأسباب المؤدية الى عدم امتنان الأطفال.
ثمة مجموعة من العوامل تحول دون اكتساب الطفل صفة الامتنان، لعلّ أبرزها اعتياده على تلبية احتياجاته بشكل فوري ومباشر، ما يقلّل شعوره بصفة التقدير والشكر تجاه ما يمتلكه بالفعل، كما أن انشغال الوالدين بالعمل أو البقاء خارج المنزل لفترات طويلة يؤدي إلى وقوع بعضهم في خطأ تربوي شائع، يتمثّل في الوجود مع الطفل وإغداق الهدايا عليه ومنحه كل ما يريده بلا حدود كتعويض له عن غيابهما، بالإضافة إلى سعيهما المستمر في منحه الأفضل والأحدث من كل شيء بهدف تعزيز عامل المنافسة لديه والفوز على إقرانه فيما يمتلكونه، ما يؤدي إلى غياب المساحة الكافية له في إحصاء ما يقتنيه والتعبير عن الامتنان به. وفي هذا الاطار، أثبتت الدراسات الحديثة في علم نفس الأطفال أن عدم شعور الطفل بالامتنان تجاه ما يقدّم إليه، قد يعزى الى قيام الآباء أو الأمهات بمنح أطفالهم أشياء قد حرموا منها ولم يحظوا باقتنائها في طفولتهم، ما يدفعهم إلى توفيرها لأطفالهم بدون جهد أو عناء ، الأمر الذي يقلّل من شعور الأطفال بالتقدير والامتنان!
طرق تربوية حديثة
تساعد هذه الطرق التربوية الحديثة الأمهات على التعامل مع ظاهرة عدم الامتنان لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عاماً، وهي كما صنّفها علماء النفس فترة السيطرة تقويم السلوك، وذلك عبر غرس بذور العرفان والتصدي لبعض المشاعر السلبية لديهم كالأنانية والغيرة، أبرزها:
1- مراقبة سلوك الآخرين
لعلّ أفضل الطرق التربوية لإكساب الطفل حس الامتنان، هو القيام بمراقبة سلوك الآخرين ممّن يحملون تجاهه انطباعاً نفسياً ايجابياً، سواء كانوا من داخل الأسرة أو خارجها، وهم يجسّدون هذه القيمة من خلال مواقف تلقائية غير متعمّدة، ما يترك لديه شعوراً جيداً يسعى لمحاكاته، واتخاذه قدوة في سلوكياته اليومية. فالطفل الذي يلاحظ أن أبويه يعبّران عن امتنانهما للآخرين بكلمات رقيقة أو باقات من الورد أو بطاقات الشكر مقابل ما أسدوه لهما من عمل، ستتعزّز لديه هذه الصفة.
2- وضع الحدود
يجدر بالأمهات وضع حدود في طريقة منح الهدايا لأطفالهن، وذلك بمقاومة الرغبة في الإغداق على الطفل ما يريده وحينما يريده، وذلك عبر إضافة كلمة «لا» إلى قاموس التعامل معه وعدم الشعور بالذنب بعد الرفض والعمل على عدم الاستسلام لإلحاحه المستمر في اقتناء الشيء. فقد أثبتت الدراسات الاجتماعية أن أكثر من 35% من الأطفال، يلجؤون إلى الإلحاح على والديهم في شراء ما يريدون لأكثر من خمسين مرّة، ما يدفع الأهل إلى الاستسلام والرضوخ إلى متطلباتهم بالشكل الذي يفقد الطفل اكتساب قيمة الامتنان وتعميمها كسلوك رئيس في ما بعد.
3- تصوّر شعور المتلقّي
من بين الطرق الفعّالة في مساعدة الطفل على فهم تأثير قيمة الامتنان، مطالبته بأن يتصوّر مشاعر المُتلقّي وقت إبداء مشاعر الشكر والعرفان له مقابل تصرّف ايجابي قام به، كدعوته الى تصوّر مشاعر أحد أفراد عائلته، عند تلقيه بطاقة شكر منه مقابل معروف قام به أو هدية منحه إياها. وتعزّز هذه الطريقة سلوك التعبير عن تقدير الآخرين ممن يستحقون الامتنان. ويجب مساعدة الطفل على اكتساب وتعلّم طرق جديدة لإسعاد من حوله، والبعد عن الانخراط بالتفكير في ذاته فقط، وذلك بالتركيز على احتياجات الآخرين ومحاولة إسعادهم بكلمات قليلة أو أفعال بسيطة.
4- طقوس الامتنان
من بين أفضل الطرق لتعزيز قيمة الامتنان في نفوس الأطفال، ابتكار طقوس عائلية خاصّة لشكر النعم التي يمتلكها كل فرد من أفراد العائلة، ابتداءً بالأكبر منهم ووصولاً إلى الأصغر. ويمكن في هذا الاطار، منح حروف كلمة «شكراً» لكل فرد يشعر تجاهه بالامتنان أو تدريبه على تصميم دعوة شكر لأسرته أو تشجيعه على تبادل رسائل التقدير والامتنان بين إخوته وأقرانه، مع قيام أحد الوالدين أو كليهما بتقبيله أو ضمّه على كل عمل يعبّر فيه عن امتنانه للآخرين.
5- طلب العطاء
تشير الأبحاث النفسية إلى أن روح الامتنان لدى الأطفال تنمو عبر خوضهم لتجربة عملية يدركون من خلالها معنى العطاء، وكيفية التعبير عنه بالشكر والتقدير، على غرار قيام الأم باصطحاب طفلها لأداء أعمالها الخيرية، ما يجعله أكثر تفاعلاً وحماساً لتطبيق صفة الامتنان في سلوكياته اليومية وإعادة تقييم نفسه وتقدير ما يمتلكه بالفعل.
إختبار لقياس الإمتنان
تساعد هذه الأسئلة الأم على معرفة درجة عدم الامتنان لدى الأطفال، وتفيدها في التوصّل إلى تقويم سلوكي ناجح:
ألا يشعر طفلك بأي امتنان عندما تقدّمين له شيئاً أو يسدي إليه شخص صنيعاً؟
ألا يشعر بالغيرة مما يمتلكه أقرانه واخوانه؟
هل يحتاج إلى من يذكّره بشكر الآخرين؟
هل تجذبه وسائل الرفاهية واقتناء الألعاب الإلكترونية الحديثة؟
هل لديه استعداد لتبادل الهدايا وبطاقات الشكر مع الآخرين؟
هل يشعر بأنه الأفضل ويستحق كل ما يقدم له؟
النتائج
إذا كانت إجاباته كلّها «نعم»، فأنتِ تواجهين مرحلة متقدّمة من مشكلة عدم الامتنان لدى طفلك، وقد تحتاجين إلى التصدّي لسلوكيّاته الخاطئة، وذلك بعدم استسلامك له في كل مرة يلح فيها لاقتناء شيء معين.
إذا كان ما بين الإجابات اثنتان «لا» فيما الباقية «نعم»، فهذا يدل على أن مشكلة عدم الامتنان ما تزال في بدايتها وتحت نطاق السيطرة. وينصح للتغلّب على هذه المشكلة في تلك المرحلة بتعزيز معنى العطاء لديه، وتشجيعه المستمر على إظهار امتنانه أمام الآخرين.