تدرج عمليّات التجميل الهادفة إلى إصلاح عيوب ولادية على لائحة الضرورات في حياة الطفل. وهي تستوجب وعي الأهل وتدخّلهم الفوري للحؤول دون تحوّلها إلى مشكلة نفسية تؤثّر على حياة الطفل ومستقبله.
توضح الاختصاصية صاصيّة في علم النفس وتعديل السلوك في "معهد التربية الحديثة للتأهيل" همت مصطفى البدري أنّه "رغم حداثة خبرات الطفل في الحياة، يستطيع إدراك مفهوم الجمال من حوله عن طريق الملاحظة والمقارنة"، مضيفةً "أنّه يشعر بالحزن عندما يكتشف أمراً مختلفاً في مظهره عن الآخرين، خصوصاً إذا تعرّض إلى سخريتهم أو سؤالهم عن عيوبه الجسدية".
ومعلوم أنّ مرحلة الطفولة تعتبر حجر الأساس لبناء شخصية الطفل، وتلعب دوراً هامّاً في بناء توافقه مع نفسه مستقبلاً. لذا، من الضروري اكتشاف مشكلات الطفل وعلاجها في سن مبكرة قبل أن تستفحل وتؤدي إلى انحرافات نفسيّة. وبالطبع، تهدف عمليّات التجميل التي تُجرى للطفل إلى معالجة تشوّه لديه، ما يحوّله من شخص منبوذ وغير راضٍ عن نفسه وشكله إلى شخص طبيعي منسجم مع الحياة.
السؤال عن التوقيت الأفضل لإجراء العمليات التجميليّة للطفل في حال معاناته من عيوب خلقيّة، تجيب عنه البدري قائلةً: «في حال وجود عاهات أو تشوّهات تستدعي تدخّل الطب التجميلي، يفضّل إجراء هذه العمليّات قبل بلوغ الطفل أربع سنوات من عمره أي قبل أن تتحدّد ملامح نظرته إلى نفسه وإلحاقه بالمدرسة واحتكاكه برفاق مشاكسين يجرحون مشاعره بسخريتهم منه». وتضيف: «تعتبر هذه العمليّات ضرورة حتميّة قبل مرور الطفل بمرحلة البلوغ، إن لم يكن للطب رأي آخر».
أخطاء الأهل
لا يدرك بعض الأهل أهميّة إصلاح العيوب الجسدية الظاهرة على وجه الطفل وجسده فيهملها، كما يقوم بتأجيلها حتى يطلبها الطفل بنفسه. وتخشى بعض الأمهات من تعرّض أطفالهن إلى إجراءات طبية وخضوعهم إلى عمليات جراحية فيفضّلن أن يبقى الحال على ما هو عليه، ما يفوّت فرصة تعديل هذه العيوب بدافع الخوف عليه.
وفي هذا الإطار، تشير البدري إلى خطأ يقع فيه بعض الأهل ممّن يطلقون ألقاباً على الطفل منذ صغره ترتبط بعاهاته، مؤكدةً أن لهذا الأمر، ولو تمّ على سبيل المزاح، آثاراً نفسية مدمّرة. فألفاظ الاحتقار والدونية تنقص من قدر الطفل أمام الآخرين وتجلب له سخريتهم، كما تشعره بعدم الأمان وتفقده الثقة بنفسه. وتؤدّي حالة عدم تقدير الذات والشعور بالدونية التي تنتاب الطفل المصاب بعاهات جسدية إلى نموّ شعور عدائي لديه تجاه من حوله قد يترجم عبر سلوكيات غير أخلاقية تتمثّل، في: الكذب والغش والتحايل والابتزاز والتطاول على الآخرين بالعنف والإيذاء اللفظي والبدني. كما أنه قد يعيش منعزلاً نتيجة فشله في إقامة علاقات صداقة وثيقة قائمة على التقدير والاحترام المتبادل مع الآخرين. وإذا لازمته هذه الحال حتى سن المراهقة، فقد تسبّب عيوبه الجسدية له مرضاً نفسياً يسمى «اضطراب التشوّه الجسمي» Body Dysmorphic Disorder والذي ينشأ بسبب عيب جسدي بسيط، إلا أنه من وجهة نظر المصاب به أمر شائن ومخجل ومثير للضيق لاعتقاده أنه يبدو قبيحاً ممّا يجعله يرغب في الاختفاء عن الأنظار، وتجنّب اللقاءات الاجتماعية نتيجة ما يشعر به من قلق وعدم راحة في هذه المواقف. ومن بين أعراض هذا المرض: الإفراط في العناية الشخصيّة، رفض الظهور في الصور، الإفراط في استخدام مساحيق التجميل. وعندما تتوافر الظروف، قد يقع هذا الطفل مستقبلاً في وهم إجراء عمليات طبية تجميلية متعدّدة لمحاولة تصليح تلك العيوب بدون الحصول على رضا كافٍ، علماً أن هذه الحال تستدعي مراجعه طبيب نفسي.
لا يدرك بعض
الأهل أهميّة هذه الخطوة
في حياة الطفل
حالات تستدعي التجميل
تعدّد الاستشارية في طب الأطفال الدكتورة منى صديق التشوّهات والعاهات الخلقية التي تستدعي خضوع الطفل إلى عمليّات التجميل، بـ:
شقاق الشفة: تسمّى بـ «شفة الأرنب»، وهي مشوّهة للأنف والفم ويجدر إجراؤها للطفل في عمر الشهرين لأنها تسبّب مشكلات في التغذية والتنفس والتخاطب.
تجميل صيوان الأذنين.
إزالة أورام الأوعية الدموية (الوحمة) من الوجه.
تعديل النقص الولادي للإحليل الخارجي، خصوصاً إذا كانت فتحة المجاري البولية الخارجية في مكان غير موقعها الطبيعي.
علاج تشوّهات الفك والأسنان واللسان.
علاج التشوّهات الناتجة عن الحروق والجروح.
في الموازاة، تشرح أن هناك ضرورة لإجراء عمليّة تجميل الأنف للطفل في حال التشوّه الولادي»، موضحةً «أنّه يمكن تعديل التشوّه الناتج عن الكسور في عظام الأنف في الحوادث المختلفة فوراً في المستشفى أو تأجيلها إلى حين استقرار حال الطفل والتخلّص من تورّم الأنف». وتضيف «يفضّل إجراء عمليات تقويم وتجميل الأنف، باستثناء الحالات المذكورة آنفاً، بعد سنّ الثامنة عشرة أي عند استقرار نموّ الأنف والحاجز الأنفي لأنّ إجراءها قبل هذا الوقت قد يؤدي إلى تغيير في نمو الأنف وعظام الوجه، وقد يستوجب تقويماً آخر لاحقاً".