في ظل التطور التكنولوجي الهائل الذي يحيط بنا، وانتشار القنوات الفضائية وتعددها في عصر السماوات المفتوحة، ظهر لكل قناة فضائية «مفتي» أو اثنان أطلق عليهم شيوخ الفضائيات، رغم أن معظمهم غير دارسين بمؤسسات دينية ويتحدثون بغير علم، فأحدثوا فوضى في الخطاب الديني من خلال فتاواهم الغريبة، والتي لا تعبر إلا عن آرائهم الشخصية فقط، وفي هذا السياق التقت «سيدتي» الداعية الشيخ خالد الجندي.
- ما رأيك في فوضى الفتاوى الدينية بالفضائيات؟
تعدد الفتاوى نعمة أنعم الله بها علينا، مع الأخذ في الاعتبار عدم التضييق في مواضع لا تحتاج إلى ذلك، ويجب الإشارة إلى أن أئمة السلف لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، ولن يخرجنا من أزمة فوضى الفتاوى إلا مراعاة وجه الله فيما يقال من فتاوى، وعدم التعصب لمذهب دون آخر، وتوسيع المدارك والاعتماد على العلماء المخلصين ممن يتحرون الدقة العلمية في الإفتاء، وهم كُثر.
- وما دور قناة «أزهري» التي أطلقتموها في مواجهة ما تبثه الفضائيات الأخرى من تشدد وفتاوى خاطئة؟
أنشئت القناة لمواجهة التشدد، والترويج لمنهج الوسطية والاعتدال، وتهدف القناة إلى تقديم فهم أفضل للإسلام للعالم، ومواجهة بعض المنابر الإسلامية التي تعرض طرحا غير وسطي.
وجود القناة سيؤدي لنشر سماحة الإسلام، والتصدي للأفكار الهدامة للوطن، وبيان دور الأزهر، وإيجاد مرجعية فتوى، من خلال علماء ودعاة أكفاء.
- وكيف ترى دور الداعية الإسلامي في ظل حالة التردي التي نعاني منها في مجتمعاتنا العربية؟
الداعية هو شخص مؤهل لتولي مسؤولية الدعوة إلى الإسلام، والدعاة هم المعنيون بقوله تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}، ويلزم الداعية الإسلامي أن يتمتع بشخصية إسلامية مثالية ثابتة متوازنة في أمرها؛ لأنها دليل على مصداقية ما ينتمي إليه، والداعية الذي يعد نفسه؛ لكي يكون موظفا في مسجد ويقف على المنبر لا يصلح أن يكون داعية؛ لأن الداعية يجب أن يخرج من المسجد ويشترك مع جميع الناس في الشارع والسوق وفي غيرهما من الأماكن.
المعالجون بالقرآن
- تكثر الإعلانات في الفضائيات عن المعالجين بالقرآن والرقية الشرعية، فهل هذا جائز؟
القرآن ليس رقية ولا علاجا، وأعتقد أنه لا يوجد ما يعرف بالطب النبوي؛ حتى وإن ألف الإمام ابن القيّم كتابًا عنه، فكل آرائه كانت اجتهادات، كما أن ابن القيم لم يجد في زمانه طبًّا بالمعنى الحديث، وبالتالي كان تأليفه الكتاب تبعًا لظروف عصره، ولهذا يجب الأخذ بمعطيات العلم الحديث؛ فلقد خلق الله لكل داء دواء، والعلماء يعملون على إيجاد هذا الدواء، وينبغي علينا الأخذ بالأسباب، ولا نتواكل ونكتفي بالدعاء، وهذا ما يجب أن نفعله في كل أمور حياتنا.
وأضاف: في الزمن الذي كان الإنسان يستعبد أخاه الإنسان، كان عمل العبد وشقاؤه ينتفع به سيده، بينما علاقة العبد بربه يعود فيها خير الله على عباده ويتقرب إليهم وهو غنيّ عنهم، لكن الموازين انقلبت في زماننا وانفلتت المعايير، لا توجد حرية كما يدعي الغرب، فهم عبيد لشهواتهم التي تتملكهم.
- وكيف يمكننا التغلب على شهواتنا والتي تعتبر العدو الحقيقي للإنسان على الأرض؟
هناك أربعة أعداء للإنسان؛ هم: إبليس، والدنيا، والنفس، والهوى، وليس للإنسان دفاع ضد هؤلاء سوى اللجوء إلى الله، والنفس بطبيعتها معوجّة والعبادات هي التي تعبِّد النفس وتطوِّعها، ولذلك سميت العبادات بالطاعات.
وابن تيمية صنف الناس إلى أربعة أصناف؛ هي: من يعبد الله ويستعين به، ومن لا يعبد الله ولا يستعين به؛ وهم كُثر بين المسلمين في زمننا الحاضر، ومن يعبد الله ويستعين بغيره، ومن يستعين بالله؛ فهنيئا لمن يعبد الله ويستعين به في كل الأمور بغير تواكل، على أن هناك الكثير من الأمور المغلوطة، والتي يستغلها الكثيرون ظنًّا منهم أن ما يفعلونه صحيح على الرغم من أنها بدعة وخطأ كبير.
- وما هذه الأمور؟
أصبح المسلمون يستخدمون الآيات القرآنية في غير سياقها؛ فيكتبون على محال العصائر والمأكولات وورش إصلاح السيارات آيات؛ مثل: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}، {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ }، أو{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} وغيرها، وأطالب المسلمين بالكفِّ عن الشعارات؛ فالإسلام دين العمل والعبادة.
الموسيقى والمعازف
- سمعنا أن للشيخ خالد الجندي موقفا من الموسيقى، فما هو؟
اختلف العلماء كثيرًا في الموسيقى والمعازف وانقسموا بين مجيز ومانع، إلا أنني أرى أن الموسيقى نعمة ترتقي بها الأرواح وتسمو بها الأفئدة، وأنها لا تنهى عن طاعة الله، وأنا أجد الأغاني أربعة أنواع؛ وطنية ودينية وأغاني أطفال وأغانٍ عاطفية؛ حيثُ تنقسم الأخيرة إلى قسمين: غزل، وتشبيب، وكان الشعراء يقولون الغزل في حضرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، أما التشبيب فهو مرفوض بإجماع العلماء.
- إذن ما رأيك فيما يطلق عليه هذه الأيام فرح إسلامي؟
ظهر الضيق على وجه الداعية الإسلامي، وعبّر عن امتعاضه ورفضه لتلك التصنيفات قائلا: هذه الأقاويل المنسوبة إلى الإسلام؛ مثل: فرح إسلامي، وخيمة إسلامية، وطعام إسلامي، وغيرها، كلها مفردات مغلوطة ومفاهيم جوفاء غير مقبولة من الأساس، ومن العيب أن نهتم بالجوانب الهامشية السطحية ونترك الجوانب الأساسية.
- وما رأيك فيما وصلت إليه المرأة هذه الأيام، وما حققته من نجاحات على مختلف الأصعدة؟
إن الإسلام لم يمنع عمل المرأة، فالسيدة خديجة زوجة الرسول، عليه الصلاة والسلام، كانت سيدة أعمال قديرة تدير أموالها وتجارتها، كما أن النساء في فجر الإسلام كان لهنَّ دور حتى في الحرب في خدمة الجنود، والمرأة جزء مهم من المجتمع، ولا ينبغي عزلها عن شؤون الحياة، وقد حققت العديد من النجاحات بالفعل، ولكن ينبغي ألا تؤثر هذه النجاحات على أسرتها فهي عماد الأسرة في الأساس.
المرأة قاضية
- أُثير مؤخرا كثير من الجدل حول عمل المرأة قاضية، فهل أنت مع عمل المرأة في مهنة القضاء؟
لا مانع مطلقا من عمل المرأة في القضاء، ولكن بشرط أن تعمل قاضية إدارية أو دستورية، وعارض الجندي أن تكون المرأة قاضية جنائية، لما في ذلك من ضرر قد يحيق بها من تعاملها مع المجرمين.
- وما نصيحتك لمسلمي الأمة؟
على المسلم الحق أن يكون واعيًا مثقفًا، وأن ينهل من كافة منابع الفكر والثقافة، فالقراءة ليس معناها إقرار ما يقرأ، كما يجب أيضًا تحصين النفس بالعقيدة الصحيحة؛ حيثُ إنها الأساس و«المصل» الذي يعصم الإنسان من الوقوع في الخطأ.
الجندي في سطور
الشيخ خالد الجندي من مواليد القاهرة في الرابع عشر من ديسمبر لعام 1961 تخرج في جامعة الأزهر، حيثُ حصل على ليسانس أصول الدين والدعوة قسم حديث، ثم الماجستير، وعمل فور تخرجه إمامًا وخطيبًا ومدرسًا في مساجد القاهرة، ثم اختير عضوًا بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وبدأ عمله في الدعوة ودخل المجال الإعلامي، وللشيخ الجندي العديد من البرامج الإعلامية الناجحة منها: «في رحاب آية، شهد الكلمات، ودواء السماء»، كما أنتج قلمه العديد من الكتب التي ذخرت بها المكتبة الإسلامية، وقام بإنشاء «دار الجندي للنشر»، وأسس شركة الهاتف الإسلامي، وهي شركة اتصالات ومعلومات وفتاوى هاتفية، وامتدت فروعها بعد سبع سنوات من تأسيسها إلى معظم دول العالم، كما أطلق خالد الجندي قناة «أزهري» في رمضان 1430هـ - 2009م، والشيخ خالد متزوج وله ابنتان هما هدى (17 عاما) وحبيبة (14 عاما).