كيف نتخلص من الأفكار السلبية ؟ كثيرا ما نطرح هذا السؤال على أنفسنا إلا أننا لم نحاول مرة أن نحول هذا السؤال إلى استفهام آخر هو :كيف نقي أنفسنا من التفكير السلبي ؟، وهذا بالضبط ما أشار إليه توني هامفريز في كتابه (قوة التفكير السلبي)، حيث طالب توني بضرورة السعي الجاد لوضع استراتيجيات دقيقة من خلالها نقي أنفسنا من الوضعيات التي تقودنا إلى أن نكون مرتعاً خصباً للأفكار السلبية، وعلى كل حال فنحن أمام مهمتين، الأولى تتمثل في «ما هي الأشياء التي تسهم في منع وصول الأفكار السلبية إلينا ؟» والثانية تتمثل في «كيف نتخلص من الأفكار السلبية التي تجتاحنا وتسيطر علينا؟».
الدكتور طارق السويدان مدير عام قناة الرسالة والمدرب المحترف في مجالات التنمية الشخصية يتحدث عن ذلك، ويقول: قبل الحديث عن الأفكار السلبية ومسبباتها وعن طرق التخلص منها وعن كيفية وضع الحواجز دونها، يحسن بنا أن نتحدث عن العلاقة القوية بين الثقة بالنفس والأفكار الايجابية، وفي المقابل بين الأفكار السلبية والضعف والخور في الشخصية، حيث إنه كلما قويت ثقة الإنسان بنفسه وكملت ثقته في قدراته وما يتحلى به من سمات وصفات ومواهب، كانت شخصيته ايجابية، وكذلك أفكاره تجاه نفسه، وكان أيضاً ايجابي النظرة إلى الآخرين، وكلما كانت ثقة الإنسان بنفسه ضعيفة مهزوزة، كانت أفكاره السلبية تفوق عدد دقات القلب في الدقيقة الواحدة، لذا توقف قليلا عزيزي القارئ واسأل نفسك، هل أنت واثق من نفسك، من قدراتك، من مواهبك؟ هل أنت راضٍ عن نفسك؟ هل تتقبل نفسك كما هي؟ هل تمتلك رؤية معتدلة في تقييم الأمور العامة في واقعك ومجتمعك، أم أنك متخبط ومتردد غير ثابت على حال ؟ ثم هل أنت متأكد من جميع إجاباتك؟ أتح لنفسك فرصة للتأمل!
إن كانت الإجابة بـ«نعم»، أي أنك واثق من نفسك وقدراتك ومواهبك ومتقبل لنفسك، كما هي، وعالم بمواطن العيب فيها، فأنت تسعى إلى التقويم وعالم بمواطن القوة، وتسعى إلى المزيد، وهنا أبشرك أنك قطعت %80 من رحلتك نحو تفكير ايجابي بناء، والتخلص من أفكار سلبية قليلة منزوية في ذهنك وعقلك لن تجد صعوبة أبداً في إقصائها وإبعادها. أما إن كانت الإجابة بـ«لا» فهنا يجب أن تعلم أن أمامك مشواراً طويلاً يتطلب تركيزاً وهمة عالية حتى تصل إلى هدف سامٍ هو التفكير الايجابي الخلاق.
مهمة ليست سهلة
هنا يجب أن نشير إلى موضوع مهم، والحديث للدكتور السويدان، وهو ما ذكره هاورلد شيرمان وغيره من الباحثين المتعمقين في التفكير الايجابي الخلاق الإبداعي، يتلخص في أن مراقبة الأفكار والسيطرة على الخواطر، هما مهمتان شاقتان وليستا أبداً سهلتين، وكمية الأفكار والخواطر التي ترد علينا، لا شعورياً، كمية هائلة، لذا نحن نملك مراقبتها وإقصاء السيئ منها وقبول الجيد منها، أما قضية السلامة منها فهو أمر لا يُقدر عليه! تذكر دائما وأبداً أن مراقبة الأفكار مهمة ضرورية وليست اختيارية، ووصولك إلى انسجام داخلي وثبات وتماسك بناء لا يأتي نتيجة صدفة محضة. هل شعرتم يوماً من الأيام أنه لا توجد قوة في العالم تستطيع أن تغير من ثباتكم؟ هل شعر أحدكم، مرة، أن بداخله ثقة وشجاعة ولو لفترة خمس دقائق، أحس حينها بجمال الثقة وبهاء الشجاعة وروعة التماسك؟. هل مر أحدكم بحالة نفسية شعر وقتها أنه مسيطر على عاطفته ومتحكم في مشاعره فلا تذهب بها الريح وتميل به الأهواء حيث تميل؟
السلام الداخلي
ويقول :إن السلام الداخلي يجعلك أنت بنفسك وحدك من يتحكم في الموقف، إنها غاية صعبة المنال وتتطلب منا الجهد حتى نصل إليها، ليس من السهولة أن نتحكم في مشاعرنا ونوجهها حيث نشاء، لأننا أحياناً نفقد السيطرة لقوة الموقف وصعوبته، لكن الذين يتمتعون بالسلام الداخلي، لديهم ما يمكن أن نسميه استعادة التحكم، فهم يتميزون عن غيرهم من الناس أنهم، وإن كان للمواقف التي يواجهونها تأثير عليهم، لا يسترسلون خلف هذه المواقف إلى المجهول الذي لا يعلمونه، بل سرعان ما يعيدون للمركب توازنه وللسفينة ثباتها حتى لا تغرق في لجج البحر، وهو هنا بحر التيارات الفكرية التي ربما كانت مليئة بالسلبية وتشل حركتك، ولو قلنا إن من أهم صفات الشخصية الايجابية بعد الثقة هي الثبات والتماسك لأصبنا عين الحقيقة، وفي المقابل فإن التردد والانسياق خلف الانفعالات والأفكار والعواطف، التي تبعدنا عن التماسك بسهولة، هما الخطر الحقيقي الذي يسبب الأفكار السلبية، فالتفكير السلبي باختصار هو التشاؤم في رؤية الأشياء أو المبالغة في تقييم الظروف والمواقف، إنه الوهم الذي يحول اللاشيء إلى حقيقة ماثلة لا شك فيها، وهذا بالطبع خلافاً للتفكير الايجابي الذي هو التفاؤل بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، والنظر إلى الجميل في كل شيء، فهو منهج حياة قائم بذاته، وهناك معاهد متخصصة مهمتها فقط التدريب على التفكير الايجابي أو علم التفاؤل، ولذا كان من أول أسباب التفوق والنجاح الايجابية في التفكير.
أسباب التفكير السلبي
ويذكر الدكتور طارق السويدان العديد من الأسباب التي تؤدي إلى التفكير السلبي أو إلى أن يكون الإنسان ذا تفكير سلبي منها:
- الانتقادات والتهكم الذي ربما يتعرض له الفرد من محيط أسرته أو عمله أو أقاربه.
- ضعف الثقة بالنفس والانسياق السريع خلف المؤثرات والانفعالات الوجدانية والعاطفية والاسترسال دونما روية مما يبعد تماما عن الثبات والهدوء اللذين يمهدان لشخصية ايجابية الفكر والسلوك.
- تركيز الإنسان على مناطق الضعف لديه ومن ثم تضخيمها حتى تصبح شغله الشاغل.
- الانطواء على النفس والبعد عن المشاركات الاجتماعية الايجابية والتدريب على التفاعل الاجتماعي.
- عقد المقارنات بين الفرد وغيره من الذين يتفوقون عليه مع تجاهله لمواطن القوة والتميز لديه.
- المواقف السلبية لدى الفرد منذ صغره.
- الحساسية الزائدة لدى البعض من النقد أو التوبيخ.
- الفراغ، فهو سبيل يسير للأفكار السلبية، فعدم وجود أهداف عظيمة وطموح لافت لدى الفرد يشغل عليه تفكيره ويحصره في نقاط معينة يسعى إلى صنعها ورؤيتها في واقعه، ما يوجد لديه فراغاً فكرياً كبيراً.
- تضخيم الأشياء فوق حجمها وعدم تفهم المواقف بعقلانية وهدوء.
- اتخاذ أصدقاء سلبيين في أفكارهم ونظرتهم، ولا أحد يشك في تأثير الصديق.
- ابتعد عن كل ما من شأنه أن يصنع أفكاراً سلبية لا حقيقة لها في الواقع، يرى أنها حقيقة، وهذا ناتج بلا شك عن شخصية تعيش فراغاً وانعداماً للثقة.
- الخوف والقلق والتردد تصنع شخصية مزدحمة بالأفكار السلبية.
- مشاهدة البرامج أو الأفلام أو قراءة مقالات تحمل طابعاً سلبياً له أكبر الأثر.
- الاكتئاب والسوداوية في رؤية الأمور والمواقف.
طرق التخلص من الأفكار السلبية
ويجمل الدكتور السويدان طرق التخلص من الأفكار السلبية في الآتي:
- تحصيل الثقة بالنفس أولى خطوات الخلاص من التفكير السلبي، تأمل ذاتك جيداً ستجد الكثير من المواهب والقدرات التي حباك الله إياها، لكنك تصر على رؤية عيوبك وتضخيمها وتركز على مثالبك وتتأملها، وهنا يكمن الخطر.
- الهدوء والاسترخاء أمر ضروري ومهم لاستعادة التوازن النفسي والذهني والعاطفي.
- تذكر أن مراقبة أفكارك منهج حياة كامل يجب أن تمتثله وتسير عليه، قم بإقصاء كل فكرة سلبية ترد عليك، لأن الفكرة التي ترد إلى الإنسان مع الوقت تصبح إرادة ثم تصير فعلا حتى تصبح عادة، فانتبه من أول الطريق.
- تذكر أيضا أن الثبات والانسجام الداخلي ضرورة لكل من أراد بناء شخصية ايجابية، ولا تنس أن الوصول إلى هذه الأهداف لا يأتي في يوم وليلة أمامنا الكثير حتى نصل.
- لا بد من وجود أهداف سامية علمية وعملية تسعى وتجِد للوصول إليها، فالفراغ خير صديق لكل ما هو سلبي.
- خالط الأشخاص الايجابيين وتعلم منهم.
- شارك في دورات علمية ومهارية تكتسب منها مزيداً من الثقافة والعلم في مجال فن النجاح أو فن التفكير الايجابي.
- إياك والانطواء على الذات، فالعزلة أحياناً مرتع خصب للأفكار السلبية.
- حذار من الوهم حاول دائما أن تميز بين ما هو حقيقة وما هو خيال.
- إياك والاسترسال مع الانفعالات، واحذر من الغضب، وتماسك قبل أن تقدم على أي تصرف حتى لا تعيش رهين أفكار نشأت من ردات فعل متسرعة.
- راجع نفسك دائما وقومها واعرف ما لها وما عليها وما هو من طاقتها وما هو فوق ذلك.
- ابدأ صباحك، بعد ذكر الله، بابتسامة ملؤها الرضا والغبطة، فلذلك عظيم الأثر.
- الحرص على نفع الآخرين ومساعدتهم ومد يد العون لهم، فإن صدى هذا الخير يرجع إليك وأثره ينالك لا محالة.
- لا تركز على مثالبك وعيوبك، امسك ورقة وقلماً واكتب نقاط القوة لديك، حتماً ستتغير نظرتك.
- ابتعد عن كل فكرة أو خاطرة علمت مسبقاً أنها تقودك إلى حالة سلبية.
- إذا اجتاحتك الأفكار السلبية أو خاطرة تشاؤمية ابق هادئاً واسترخ وتأملها بعين الموضوعية، حتما ستجد أنك كنت تبالغ وتعطي الموضوع أكبر من حجمه.
- تذكر أن التفاؤل سبيل عظيم نحو السعادة الداخلية، فلا تحرم نفسك إياه, فقط انظر إلى الجانب المشرق والجميل في الأشياء.
- تعلم فن التجاهل للأفكار السلبية، قل دائماً (وماذا إذاً؟) امض في طريقك ثابتاً هادئاً الأمر ليس سهلا، لكن الوقت كفيل أن يوصلك إلى هذا الانسجام الداخلي الرائع.