الصوم علاج للروح والبدن..

الصوم أحد أركان الإسلام الخمسة وتحديدًا الركن الرابع، فضائله متعددة وفوائده ملموسة محسوسة، فهو طهارة روحية ينمي الروح ويرتقي بها، وتشذيب سلوكي يقوِّم ما اعوج منها ويرشدها إلى الصراط المستقيم، وطهارة للبدن يخلصها من الأمراض والعلل، وهو ما أكده العلم الحديث، وبه تسمو المجتمعات وتترفع عن الصغائر، فتكون أكثر رحمة وتكافلاً، ويكفي أن الصوم يكون شفيعًا لصاحبه يوم القيامة. سيدتي وعبر هذا التحقيق تتلمس فوائد الصيام من عدة زوايا وأبعاد مختلفة، وما فيه خير العبد والمجتمع. 

 

 

الدكتور عبد الله المصلح، الأمين العام للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي، يوضّح أن الصيام أداة لتزكية الجسد والروح ويكفي أن الله جل جلاله يكافئ الصائم بنفسه «الصوم لي وأنا أجزي به»، كما في الحديث القدسي، وفي الجنة باب يدعى الريان خاص بالصائمين، كما أثبت العلم الحديث والأبحاث الطبية أهمية الصيام الصحية وقدرته الفائقة على وقاية الأجسام من الأمراض الناتجة عن الإفراط في الطعام والشراب وتفوقه على الصيام الطبي الذي يفرضه الأطباء في بعض الحالات


 أما الدكتور عبد الجواد الصاوي، الطبيب والباحث العلمي، فربط بين الحديث النبوي لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، «الصيام جُنة» بضم الجيم (أي وقاية وستر)، وبين ما أثبتته الأبحاث الطبية أن للصيام فوائد وقائية ضد الكثير من الأمراض الجسمية والنفسية، منها تقوية الجهاز المناعي ووقاية الجسم من تكوين الحصوات في الكلى، إضافة لمساعدته في الوقاية من أخطار السموم المتراكمة في خلايا الجسم وأنسجته، والتي تتراكم نتيجة تناول الأطعمة المصنعة أو الهواء الملوث، ومن أوجه الإعجاز العلمي في الصيام «الوقاية من العلل والأمراض»، فقد ثبت من خلال الأبحاث الطبية بعض الفوائد الوقائية للصيام ضد كثير من الأمراض والعلل الجسمية والنفسية، منها على سبيل المثال لا الحصر

يقوي الصيام جهاز المناعة؛ فيقي الجسم من أمراض كثيرة، حيث يتحسن المؤشر الوظيفي للخلايا الليمفاوية عشرة أضعاف، كما تزداد نسبة الخلايا المسؤولة عن المناعة النوعية (Tlymphocytes)  زيادة كبيرة، كما ترتفع بعض أنواع الأجسام المضادة في الجسم، وتنشط الردود المناعية نتيجة لزيادة البروتين الدهني منخفض الكثافة.
 الوقاية من مرض السمنة وأخطارها، حيث إنه من المعتقد أن السمنة، كما قد تنتج عن خلل في تمثيل الغذاء، فقد تكون نتيجة ضغوط بيئية أو نفسية أو اجتماعية، وقد تتضافر هذه العوامل جميعًا في حدوثها، وقد يؤدي الاضطراب النفسي إلى خلل في التمثيل الغذائي، وكل هذه العوامل التي يمكن أن تنجم عنها السمنة، يمكن الوقاية منها بالصوم من خلال الاستقرار النفسي والعقلي الذي يتحقق بالصوم نتيجة الجو الإيماني الذي يحيط بالصائم، وكثرة العبادة والذكر، وقراءة القرآن، والبعد عن الانفعال والتوتر، وضبط النوازع والرغبات، وتوجيه الطاقات النفسية والجسمية توجيهًا إيجابيًّا نافعًا
  يقي الصيام الجسم من تكوين حصوات الكلى؛ إذ يرفع معدل الصوديوم في الدم فيمنع تبلور أملاح الكالسيوم، كما أن زيادة مادة البولينا في البول تساعد في عدم ترسب أملاح البول، التي تكون حصوات المسالك البولية .يقي الصيام الجسم من أخطار السموم المتراكمة في خلاياه، وبين أنسجته، جراء تناول الأطعمة، وبين أنسجته، بسبب تناول الأطعمة، خصوصًا المحفوظة والمصنعة منها وتناول الأدوية واستنشاق الهواء الملوث بهذه السموم.

 

 

وأوضح الباحث الإسلامي الدكتور محمد علي البار، رئيس قسم الأخلاقيات الطبية بالمركز الطبي بجدة، فسيولوجية الصوم في جسم الإنسان، ويقسمها لثلاث مراحل

 المرحلة الأولى: أخذ الطعام وهضمه وتحويله إلى طاقة ينتفع بها

 المرحلة الثانية: تحويل الفائض من هذه الطاقة الموجودة على شكل جلوكوز أو أحماض أمينية إلى مستودعات للطاقة على هيئة جيلوكوجين ودهون تترسب في الجسم

 المرحلة الثالثة: عند عدم وجود الطعام يقوم الجسم بتحويل المخازن الدهنية ومخازن الجيلوكوجين إلى طاقة على هيئة جلوكوز وأحماض دهنية

 لذلك فإن تراكم المواد الدهنية المختزنة في الجسم من دون أن تتاح فرصة لإذابتها فيه أضرار كبيرة على جسم الإنسان، خاصة في ظل تناول وجبات غير صحية وكميات كبيرة من المشروبات السكرية، وأول تلك الأضرار هو تعطيل العملية الفسيولوجية المتعلقة بتفتيت الطاقة المدخرة على هيئة دهون، ويؤكد البار أن الفترة من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس (فترة النهار)، هي الوقت الأمثل فسيولوجيًّا لإتمام عملية هدم الدهون الزائدة وإذابة الشحوم في جسم الإنسان، ومن المعلوم أن عمليات هدم الدهون في الجسم بطيئة في الليل بخلاف النهار الذي تتسارع في عمليات هدم الدهون.. ويشدد البار على أن فائدة الصيام للجسم تقل لدى الذين يقضون فترات النهار نيامًا، ويختم البار حديثه بكلام ابن القيم الجوزية ـرحمه الله ـ في زاد المعاد

لما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حدة سورتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، وتضييق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها.. ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه، وتلجم بلجامه فهو لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال فإن الصائم لا يفعل شيئًا، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارًا لمحبة الله ومرضاته، وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه، والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة كونه ترك طعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو أمر لا يطلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم».

وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحمايتها، فالصوم يحفظ للجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى، كما قال تعالى:

 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

والصوم جنة، أي وقاية، فهو دواء للروح والقلب والبدن، وله تأثير عجيب في حفظ الصحة وإذابة الفضلات وحبس النفس عن تناول مؤذياتها، ولا سيما إذا كان باعتدال وقصد، وفيه إراحة القوى والأعضاء ما يحفظ عليها قواها وحيويتها.

 

رمضان غير

 ودعت الناشطة الاجتماعية والداعية المعروفة الدكتورة فاطمة عمر نصيف لرفع شعار رمضان غير هذا العام 1432هـ، وشبهت الصيام بالمدرسة التربوية والإيمانية، داعية لجعل شهر رمضان المبارك نقطة تحول وانطلاق نحو مستقبل أفضل ومشرق لإرادة صادقة، مشيرة إلى أن الصيام فرصة لتقوية الصلة بالله عز وجل، وأن شهر رمضان خير معين لتحقيق ذلك، من خلال ما نتقرب به من العبادات، فبالصيام نتخلص من الذنوب، قال عليه الصلاة والسلام: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، رواه البخاري.

وتوضح الدكتورة فاطمة مزايا شهر رمضان من الناحية العبادية والإيمانية، ويمكن تلخيصها فيما يلي:

ـ تتضاعف فيه الحسنات، لذا نرى إقبال الناس على العبادة بكل أنواعها كالصدقات وبقية القربات.

ـ الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، يقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان».. صححه الألباني.

ـ التدريب العملي على ضبط النفس والتخلق بالخلق الحسن وهو الصيام المقبول.

«وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم»، رواه البخاري، فإن لم يستطع ضبط لسانه وأفعاله عن قول السوء، وأذى الناس فليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، كما قال صلى الله عليه وسلم: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر».. رواه البخاري

ـ قبول الدعاء أثناء الصوم، «ثلاث حق على الله أن لا يرد لهم دعوة: الصائم حتى يفطر، والمظلوم حتى ينتصر، والمسافر حتى يرجع»، صححه الألباني.

ـ العمرة في رمضان بأجر حجة مع النبي، صلى الله عليه وسلم، «.. فعمرة في رمضان تقضي حجة معي»، رواه مسلم

ـ صلاة التراويح أو التهجد وأجرها: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه».. رواه مسلم

ـ فيه ليلة القدر، الصفقة الرابحة وهي ليلة عظيمة، العبادة فيها تعدل عبادة ألف شهر ليلها ونهارها، والألف شهر تعادل (83.33) سنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم»، حسنه الألباني.

قال الإمام الرازي «واعلم أن من أحيا ليلة القدر فكأنما عبد الله نيفا وثمانين سنة، ومن أحياها كل سنة، فكأنما رزق أعمارًا كثيرة»، وهذه أجمل ميزة وأغلاها وأحسنها أن يضيف الإنسان لعمره المحدود كل عام إن أحيا ليلة القدر حسنات ألف ليلة.

ونحن جميعًا نعلم ونعرف فضل رمضان والأعمال الصالحة الكثيرة والثمينة التي فيه، لكن نريد أن نصوم ونصلي بطريقة متميزة فيها إبداع وإتقان وإخلاص، نعبد الله بحب ونسعى للخير والعمل الصالح بشوق، نريد أن نعبد الله ونتلذذ بالعبادة ونستمتع بأدائها، لا نريد أن نؤديها كواجبات اعتدنا عليها فقط، نريد أن نتعرف على الله أكثر.. نتقرب إلى الله أكثر.. ثم نصلي بخشوع وبإقبال على الله لتكون الصلاة راحة للنفس وأنسًا للقلب.. ولنتعلم أدب الدخول في الصلاة وكيف يكون حالنا بين يدي ملك الملوك، وأن يكون صيامنا متميزًا، وهو صيام الجوارح، بالإضافة إلى الصيام عن الطعام والشرب والشهوة..

فإن عبدنا الله بإخلاص ونية صادقة سنحصل على كل تلك المكاسب.

لخّص الشيخ المصلح فوائد الصيام الصحية والسلوكية في عدة أمور وهي:

ـ تعويد الجسم على الاقتصاد في الطعام والشراب.

ـ ترويض النفس على التغلب على شهوتها.

ـ استشعار المسؤولية تجاه المعوزين والفقراء في المجتمع، والتواصل الاجتماعي مع الفئات المحتاجة في المجتمع.

ـ صفاء الروح وترقيتها في درجات السمو الروحي كون الصيام عبادة روحية.

تؤكد الحقيقة العلمية والحسابية أن عمر الإنسان على الأرض فعلاً قصير ومحدود، فعلماء فن إدارة الوقت والتخطيط الإستراتيجي يقولون: إن متوسط عمر الإنسان بين الستين والسبعين، وأن العمر الإنتاجي لهذا الإنسان هو 45 عامًا في المتوسط، لذا نرى أن العالم قد تبنى فكرة «فن إدارة الوقت»، واعتبره من الأمور التي يجب الاهتمام بها لتنظيم الحياة والخروج بأكبر مكسب، لذا كان لزامًا علينا أن نتعلم كيف نستثمر أوقاتنا، وكيف نطيل عمرنا الإنتاجي، ورمضان هو شهر الخيرات وشهر البركات والنفحات الربانية فقد اختص ربنا هذا الشهر بصفات لا توجد في بقية الشهور، لذلك كان السلف الصالح على مدار العام يسألون الله أن يبلغهم رمضان كلما رؤوا هلال شهر جديد.